ما قل ودل: تزاوج المال بالسلطة وضريبة العقارات المبنية في مصر

نشر في 26-08-2018
آخر تحديث 26-08-2018 | 00:09
 المستشار شفيق إمام فتات اللئام على موائد الأيتام

ناشدت في مقال الأحد قبل الماضي الرئيس عبدالفتاح السيسي أن يتدخل فورا، لإيقاف العمل بهذا القانون، اكتفاء بالضريبة على الدخل التي تم فرضها بالقانون رقم 91 لسنة 2005، والتي أخذ فيها المشرع المصري بالنظام الموحد للضريبة، بديلا عن الضرائب النوعية التي كانت مفروضة على أنواع الدخل المختلفة، وكان هذا القانون قد خفض من سعر هذه الضرائب، والذي كان يصل إلى ما يقرب من 40% من الأرباح التجارية والصناعية، إلى 20% في ضريبة الدخل العام.

وكان تخفيض سعر الضريبة على هذا النحو قد خرج من رحم تزاوج المال بالسلطة، الذي كان أيضا خلف صدور القانون رقم 156 لسنة 2008 بإصدار قانون الضريبة على العقارات المبنية، لتعويض العجز في الموازنة العامة، الذي لم تكن الضريبة على الدخل كافية لتعويضه، بالرغم من النجاح الذي هلل له وزير المالية الأسبق بطرس غالي، بما حققه تحصيل هذه الضريبة، بعد خفض سعرها من زيادة حصيلتها زيادة كبيرة.

فقد كان رجال الأعمال الذين يتربعون على كراسي الحكم وكراسي البرلمان وقتئذ لا يجدون غضاضة في فرض ضريبة على قصورهم وشاليهاتهم الفاخرة في الساحل الشمالي، فلم تكن هذه الضريبة تمثل بالنسبة إليهم شيئا يذكر، وهكذا كان تسويق هذه الضريبة للناس، عندما قال بطرس غالي في لقاء له بإحدى القنوات الفضائية، إنه سيدفع سنويا خمسين ألف جينه كضريبة على سكنه الخاص، ولكن ما كان سيدفعه هو وغيره من هذه الضريبة أشبه بفتات اللئام على موائد الأيتام، ولكن هذه الضريبة كانت ولا تزال تمثل عبئا ثقيلا على المواطن وعلى الطبقة المتوسطة، فلم تكن حيلة المساواة بين الأغنياء والفقراء في فرض هذه الضريبة تنطلي على أحد، خصوصاً أن تقدير قيمة العقارات المبنية الذي سيتخذ أساسا لفرض هذه الضريبة، سوف يكون خاضعا لنفوذ رجال المال والأعمال على السلطة في هذا التقدير فتختل المساواة لا محالة.

قانون سيئ السمعة

ولهذا كان قانون فرض الضريبة على العقارات المبنية، من القوانين سيئة السمعة، التي خرجت من رحم النظام السابق على ثورة 25 يناير، خاصة مع الانتقادات الشديدة التي وجهت إليه خلال مناقشته بمجلس الشعب وقبل إقراره، وكتبت وقتئذ مقالين، أحدهما على صفحات جريدة "الأهرام" نشر في عددها الصادر في 21/ 4/ 2008 تحت عنوان "الضريبة على السكن الخاص... محاولة للفهم"، أما المقال الثاني ويحمل عنوان "قانون الضريبة على العقارات المبنية وليد غير شرعي" نشر على صفحات جريدة "الوفد" في عددها الصادر في 23 /6/ 2008.

ولهذا لم يجرؤ نظام الحكم السابق في عهد الرئيس حسني مبارك على تطبيقه منذ صدوره في مايو 2008 حتى قيام ثورة 25 يناير 2011.

الضريبة والانتخابات الرئاسية

ولعل السبب في هذا التأخير أن الانتخابات الرئاسية في سنة 2011 كانت تداعب جنون الرئيس الأسبق حسني مبارك ونجله جمال بالرغم من تعديله في عام 2010 بمد فترة تقديم الإقرارات الضريبية لمدة ثلاثة شهور.

كما كانت الانتخابات الرئاسية الأولى بعد ثورة 25 يناير تداعب جنون الإخوان الذين يملكون أغلبية ساحقة في مجلس النواب، فلم يجرؤ هذا المجلس على النص على تطبيقه.

ولهذا يتساءل الناس: هل كانت الانتخابات الرئاسية الأولى والثانية التي فاز فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي سببا في إرجاء تطبيق هذا القانون، خصوصا مع ما بدا من حرص النظام على تطبيقه والحماس الشديد له، والتهديد بفرض غرامات على كل من يتأخر في سداد هذه الضريبة، واتهام وزير المالية د.محمد المعيط من يرون عدم دستوريتها بإحداث بلبلة لدى الرأي العام وإثارة الفوضى، وهذه جريمة أمن دولة قد تؤدي بمقترفها إلى محاكمة عسكرية؟

كان ذلك التصريح من وزير المالية على هامش الاجتماع السنوي للتجمع الإفريقي لبنك وصندوق النقد الدولي، بمشاركة 40 دولة إفريقية والذي عقد بمدينة شرم الشيخ خلال الشهر الماضي، وننقل هذا التصريح بالحرف الواحد كما نشرته صحيفة الأهرام في عددها الصادر في 12/ 8/ 2018.

ونفى وزير المالية بشدة و"بشكل قاطع" بما يردده أصحاب الشائعات المغرضة على مواقع التواصل الاجتماعي بعدم دستورية الضريبة العقارية بهدف إحداث بلبلة لدى الرأي العام حول الضريبة وإثارة الفوضى وحث المواطنين على الاستهانة بالحقوق المالية للدولة والتحريض على عدم سدادها بأسانيد باطلة.

ولعل التاريخ يعيد نفسه فقد ابتدع نظام مبارك وهو يعاني سكرات الموت في فترة حكمه الأخيرة هذه الجريمة، وهي التحريض على عدم تنفيذ القوانين، لكل من ينتقد قانونا من قوانين الدولة، ابتدعها بطرس غالي، وسار على دربه تلميذه النجيب د.محمد المعيط.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top