تباين الحروب التجارية... دروس من الماضي

نشر في 21-08-2018
آخر تحديث 21-08-2018 | 00:00
No Image Caption
يرصد الاقتصادي الشهير إيرون كرونيكل في كتابه «نشر الحمائية: قانون «سموت» والكساد العظيم» العناصر التي يمكن بناء عليها تقييم مدى خطورة الحرب التجارية أو الاقتصادية وعمق تأثيراتها، وتشمل حجم السلع في تلك الحرب، وعدد الأطراف المتورطة فيها، والمدة الزمنية لها، واحتمالات نهايتها.
أصبح مصطلح «الحرب التجارية» مسيطراً على المشهد العالمي في هذه المرحلة، وسط ترقب واسع لاحتمالات تصاعد المواجهة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في عالمنا المعاصر، بكين وواشنطن، لاسيما بعد رد الصين على الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتهامه بإشعال «الحرب التجارية الأكبر في التاريخ» ليثار التساؤل هل هي كذلك بالفعل؟ وماذا يمكن أن تفيدنا التجارب السابقة في المواجهات التجارية والاقتصادية؟

ويرصد الاقتصادي الشهير إيرون كرونيكل في كتابه «نشر الحمائية: قانون «سموت» والكساد العظيم» العناصر، التي يمكن بناء عليها تقييم مدى خطورة الحرب التجارية أو الاقتصادية وعمق تأثيراتها، وتشمل حجم السلع في تلك الحرب، وعدد الأطراف المتورطة فيها، والمدة الزمنية لها، واحتمالات نهايتها.

«حجم» الحرب

فعلى سبيل المثال، تسببت الحرب التجارية، التي شنها الرئيس الأميركي هيربرت هوفر جزئياً بداية في زيادة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، إذ بدأت بفرض الجمارك من قبل الولايات المتحدة على حوالي 900 سلعة ثم امتدت لتشمل آلاف السلع، حتى تشير التقديرات إلى فرض جمارك على حوالي ثلث الواردات الأميركية من الخارج.

ولهذا السبب تعارض «واشنطن بوست» التصريح الصيني حول اندلاع الحرب التجارية الأكبر في التاريخ حالياً، فالجمارك الأميركية حالياً لم تصل لآلاف السلع بطبيعة الحال، والأهم أن عمرها لم يتعد أشهراً بينما امتدت الحرب الأخرى سنوات، وهذا بسبب تعدد أطرافها وصعوبة السيطرة عليها، فالجمارك الأميركية حينها لم تستهدف دولة بعينها أو سلعاً مثل الألمنيوم والصلب لكنها امتدت لتشمل «كل الدول» و»كل السلع»، لذلك فاقم تأثيرها الكساد الكبير عالمياً ولم يقتصر على طرف بعينه.

وتشير دراسة لجامعة «أوكسفورد» إلى أن المواجهات الاقتصادية بين بريطانيا وأيرلندا في ثلاثينيات القرن الماضي بدأت برفض حكومة الأخيرة دفع أقساط أراض للحكومة البريطانية، فردت الأولى بحظر استيراد سلع زراعية من أيرلندا فرفضت الأخيرة منح الموظفين الإنكليز لديها رواتبهم، وظلت المواجهات تزداد حتى أصبحت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين «صفراً» بعد أن كانا الشريكين الأكبر لبعضهما بعضاً.

تعدد الأطراف

وعلى الرغم من ضراوة الحرب بتحويلها شريكين تجاريين إلى خصمين، غير أن تأثيراتها لم تكن كبيرة لأكثر من عامل أهمها اقتصار المواجهات على الطرفين المتورطين فحسب دون انجراف أطراف أخرى في المواجهات.

لذا فالتاريخ يؤكد صعوبة السيطرة على الحرب الاقتصادية كلما زادت أطرافها، فأثينا القديمة دخلت في عدة مواجهات اقتصادية مع جيرانها اليونان قبل آلاف السنوات من حصار اقتصادي ومقاطعة تجارية وغيرها، لكن عندما نشبت حروب تجارية بين أكثر من طرف انتهى الأمر بتحول الصراع لآخر ذي بُعد عسكري.

كما تختلف «ضراوة» الحرب وتأثيراتها على مستويات التجارة والنمو العالميين باختلاف «التغير» في مستوى الجمارك أو في طبيعة الإجراءات الاقتصادية، ففي ثلاثينيات القرن الماضي جاء الرفع الأميركي للجمارك على السلع إلى نسبة 45 في المئة على الكثير من السلع، بينما لم يتخط مستوى الضرائب 25 في المئة في الإجراءات الاقتصادية الأميركية الأخيرة.

وتذكر «فوربس» حقيقة قيام الولايات المتحدة الأميركية بدخول عدة مواجهات تجارية سابقة، وكان الصراع حول «إنتاج الدجاج» مع أوروبا في الستينيات، ثم مع أوروبا أيضاً على إنتاج المعكرونة والموز في الثمانينيات والتسعينيات، لكن دون توسع المواجهات لتشمل سلعاً أخرى أو أطرافاً أخرى، بما جعل أضرار تلك المواجهات في الحد الأدنى، وإن أثارت القلق وقتها حول مستويات النمو الاقتصادي والتبادل التجاري العالميين.

كيف تضع الحرب التجارية أوزارها؟

في حالة حرب الثلاثينيات التي خاضتها واشنطن، جاء الأمر بتغيير القيادة السياسية في البلاد بانتخاب الرئيس تيودور روزفلت وتوليه مقاليد الأمور عام 1933، وانتهج الأخير سياسات اقتصادية أعادت انفتاح بلاده على العالم، فتراجعت الكثير من الدول عن الإجراءات الانتقامية في مواجهة واشنطن مما ساهم في التخفيف من آثار الكساد الكبير.

وفي الكثير من الأحيان، يرى طرف تحقيقه للأهداف المرجوة من وراء الخطوات التي أدت لنشوب الحرب التجارية، بما ينهيها. والمثال على ذلك ما حدث إبان حكم الرئيس باراك أوباما بفرض جمارك فترة زمنية قصيرة على الصلب أيضاً، وذلك لـ»جعل المستهلك الأميركي يرى البدائل الوطنية المتاحة في مواجهة الإغراق الصيني» وفقاً للإدارة الأميركية حينها، ولذلك لم تستمر طويلاً بسبب هدفها المحدد سلفاً.

أما في حالة الحروب الاقتصادية القديمة، مثلما كان يحدث في اليونان القديمة وإيطاليا، فغالباً ما كانت الحرب العسكرية تلحق بنظيرتها التجارية والاقتصادية، فيبدأ الأمر بحظر تصدير أو استيراد ليمتد إلى حصار اقتصادي قبل الوصول إلى المرحلة النهائية بالتقاء الجيوش في ميادين الصراع، لتبقى أهمية رصد التجارب السابقة وكيف تدهورت الأوضاع وكيف استقرت بعدها ضرورية في التوقيت الحالي لمحاولة التنبؤ بقادم الأحداث.

أرقام

back to top