وهم الجمهورية الإسلامية

نشر في 21-08-2018
آخر تحديث 21-08-2018 | 00:00
 واشنطن بوست أصدر الاتحاد الأوروبي أخيراً بياناً بشأن خطة العمل المشتركة الشاملة، تلك الصفقة النووية التي عُقدت مع حكام إيران والتي انسحب منها ترامب قبل ثلاثة أشهر.

جاء في هذا البيان: "خطة العمل المشتركة الشاملة فاعلة وتحقق الهدف منها، وخصوصاً ضمان بقاء البرنامج الإيراني سلمياً حصراً، كما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 11 تقريراً على التوالي. تشكّل هذه الخطة عنصراً مهماً في البنية الهندسية العالمية للحد من انتشار الأسلحة النووية، وهي بالغة الأهمية لأوروبا، والمنطقة، والعالم بأسره، ونتوقع من إيران أن تواصل تطبيق كل التزاماتها النووية بالكامل بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة".

ولكن ثمة مشكلة: هذا البيان "مضلِّل بالكامل". هذا تحليل أولي هينون الذي عمل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية طوال 27 سنة، متبوئاً مناصب مثل نائب المدير العام ورئيس إدارة الضمانات.

هينون اليوم مستشار بارز لشؤون العلوم والحد من انتشار الأسلحة النووية في منظمة الدفاع عن الديمقراطيات (حيث أعمل) وباحث مهم في مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعة هارفارد.

أوضح هينون أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تقل بكل بساطة ما يزعم الاتحاد الأوروبي أنها قالته، وذكر: "أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقاريرها إلى أنها واصلت التأكد من عدم تحويل المواد النووية المعلنة. إلا أنها لم تؤكد بقاء برنامج إيران النووي سلمياً حصراً".

وأضاف هينون أيضاً أن إيران لا تعمل على تفكيك برنامجها النووي. على العكس، "تعمل على تطوير أجهزة طرد مركزي جديدة، وتكديس اليورانيوم (الكعكة الصفراء)، وبناء البنية التحتية بهدوء".

علاوة على ذلك، يصر أصدقاؤنا في الجانب الآخر من الأطلسي على النظر إلى حكام إيران الثيوقراطيين من منظار وردي، مجمّلين أو متجاهلين نشاطاتهم الشريرة والسرية.

حتى الجرائم المرتكبة على أراضٍ أوروبية لم يكن لها أي تأثير، على سبيل المثال نجحت السلطات الأمنية البلجيكية، والفرنسية، والألمانية في أواخر شهر يونيو في إفشال مؤامرة لتفجير تجمع كبير في باريس للمنشقين الإيرانيين في المنفى، علماً أن أوروبيين وأميركيين بارزين كثراً شاركوا في هذا اللقاء.

أما الرأس المدبر المزعوم وراء محاولة الاعتداء الإرهابي هذه، فهو أسدالله أسدي، دبلوماسي إيراني في فيينا. عندما اعتُقل في ألمانيا حيث لا يتمتع بأي حصانة دبلوماسية، أقر، حسبما يُذكر، بأنه جنّد مواطنين بلجيكيين من أصول إيرانية وزودهم بمتفجرات خلال لقاء في لوكسمبورغ.

بعد بضعة أسابيع، طردت هولندا دبلوماسيَّين إيرانيين على علاقة باغتيال أحمد ملا نيسي، منشق إيراني.

ما هذه إلا غيض من فيض مهول ومميت، فعملاء الجمهورية الإسلامية يرتكبون جرائم القتل والأعمال الإرهابية في أوروبا منذ عقود، كما أفاد بوضوح تقرير صدر في شهر يوليو عن المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، إذ ذكر هذا التقرير، الذي حمل العنوان "نشاط عملانية مختار مولته إيران في أوروبا بين عامَي 1979 و2018": "جلب النظام الإيراني المعاناة والموت للعالم ولشعبه. ففي أوروبا وحدها شوهت عمليات الاغتيال والتفجير وغيرها من الاعتداءات الإرهابية حياة أعداد لا تُحصى من الناس".

رغم ذلك، بدت الممثلة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني مسرورة وودية عندما التقت وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في فيينا الشهر الماضي.

الحق يُقال، اقترح زميل أوروبي تفسيراً متفائلاً لسلوك مسؤولي الاتحاد الأوروبي: يؤدون دور الشرطي الخير مقابل الشرطي الشرير ترامب، ويحافظون على حوار دبلوماسي مع نظام الملالي وربما يحملونه على ممارسة ضبط النفس وتأخير بعض أوجه برنامجه للأسلحة النووية.

هل أقنعك ذلك؟ ولا أنا. الأكثر منطقاً في رأيي أن القادة الألمان، والفرنسيين، والبريطانيين صاغوا سياساتهم بالاستناد إلى كرههم العميق لترامب، وترددهم في الإقرار بأنهم قبلوا بخطة العمل المشتركة الشاملة التي رعاها أوباما مع أنهم أذكياء كفاية ليدركوا خفاياها المميتة، وإيمانهم (الذي لم يزعزعه الزمن ولا التجارب) بفاعلية التهدئة والاسترضاء.

* «سوزان فيلدز»

back to top