رياح وأوتاد: هل يعود النزاع بين التيارات حول الصوت الواحد؟

نشر في 20-08-2018
آخر تحديث 20-08-2018 | 00:10
 أحمد يعقوب باقر ذكرتني ندوة الدكتور عبيد الوسمي الأخيرة بالمناظرة التي جمعتني وإياه في كلية الحقوق قبل سنوات، حيث حذرت فيها من النزاع والخلافات الكبيرة بين التيارات السياسية التي نشأت إثر إصدار مرسوم الصوت الواحد، وذكرت أن هذه الخلافات تحولت إلى هجوم عنيف على بعض الجماعات السياسية، وكان لها أثر مدمر على العمل الوطني ومصلحة البلاد، ودعوت إلى احترام الخلاف في الرأي حول كيفية التعامل مع الصوت الواحد، مع تنسيق الجهود للإصلاح ومحاربة الفساد.

وذلك لأن الهجوم للأسف تعدى الإعلان عن قناعة بعض المقاطعين بعدم دستورية المرسوم إلى الطعن بمن شارك في الانتخابات حتى لو صوّت ضد المرسوم في المجلس، ووصل إلى الطعن بالكرامات واتهام النيات وتشويه السمعة، واستطال أيضاً فوصل إلى الإساءة إلى القضاء، واتهام بعض كبار رجاله بتلقي الرشوة، والأخطر أيضاً وصول الإساءة إلى أمير البلاد.

وقد نال التجمع السلفي قسطاً من هذه الإساءات، لأن تجمعنا، بحمد الله تعالى، يسير وفق منهج السلف، فلم نشارك بالمظاهرات الفوضوية، ولم تصدر منا أي إساءة لرجال القضاء، وكان رأينا أن الطريق السليم للتعامل مع الصوت الواحد هو من خلال التصويت في المجلس القادم أو من خلال المحكمة الدستورية، ولم نقبل بأي إساءة لأمير البلاد، وهذا نابع من فهمنا السليم لأحكام الشريعة الغراء وفق منهج السلف، وليس فهمنا فقط للدستور والقانون الذي أكد هذه المفاهيم كما أكدتها المحكمة الدستورية أيضاً.

ووفق منهجنا أيضاً شاركنا وقدمنا القوانين الإسلامية والإصلاحية، وحاربنا الفساد، وعارضنا القوانين السيئة، وانتقدنا الأخطاء من خلال المجلس وفي الإعلام، وكل ذلك في حدود الشرع والدستور والقانون ووسع الجهد وقدر الطاقة.

وربما لا يعلم من يسيء تفاصيل مواقفنا هذه، وربما كان جهله بالأحكام الشرعية هو سبب هجومه، وربما جره تعميمه إلى أخطاء بعض الأشخاص للهجوم علينا وعلى الأساس الشرعي والدستوري السليم الذي سرنا عليه.

ولكن بعد سنوات قليلة رجعت معظم الجماعات السياسية، وعاد معظم المستقلين إلى المشاركة بعد أن أساء كثير منهم إلى من شارك، وبعد أن أيقنوا عدم جدوى المقاطعة.

وبذلك اعتقد الكثيرون أن هذه الصفحة قد طويت، وأن احتراماً قد استتب بين المختلفين، وأملوا أن يتم التنسيق الآن بين القوى السياسية والمخلصين عموماً لملاحقة الفساد، ووقف استنزاف الثروة وإصلاح الاقتصاد.

إلا أن كلمة الدكتور عبيد الوسمي الأخيرة كما يبدو حاولت إعادة ذلك الجو مرة أخرى بعد أن تم حسمه في نظر الكثيرين، وأعني به جو الهجوم على الجماعات السياسية المشاركة وإعادة الخلافات والصراعات مرة أخرى.

ومع يقيني أن إعادة ذلك الصراع والهجوم الإعلامي الحاد على القوى السياسية حول الصوت الواحد لن يتكرر الآن، إلا أنني أرى أن أداء المجلس الحالي المخيب قد ساهم وكوّن فرصة مناسبة لإعادة الحديث عن الصوت الواحد وجدواه وموقف التيارات السياسية منه.

لذلك على الإخوة أعضاء المجلس أن يعوا أن وصولهم إلى مجلس الأمة قد وضعهم على محك السلطة، وأنه حيث تكون السلطة تكون المسؤولية، وأن عليهم ألا يحتجوا بالصوت الواحد، وقد شاركوا فيه ليبرروا عدم إنجازهم أو إصلاحهم، وعندها يحق فيهم هجوم الدكتور الوسمي، لأن ما توفره صلاحيات المجلس للأعضاء من جمع المعلومات لكشف التجاوزات وفضحها وطرح اقتراحات القوانين المطلوبة، والتصويت عليها، يكفيهم لتحقيق الإنجاز، وإن لم تحصل هذه الاقتراحات على الأغلبية، لأن التصويت كفيل بكشف الحقائق وتعرية الفاسدين أو المتخاذلين تمهيداً للانتخابات المقبلة، وعندها أي عندما تنكشف المواقف يكون نقد هؤلاء النواب سواء كانوا من الكتل السياسية أو من غيرها نقداً واقعياً، وبناء على مواقفهم وتصويتهم ومصداقيتهم لا مجرد محاولة يائسة لدق إسفين بينهم لا يخدم في النهاية إلا من يفرح بالشقاق والنزاع بين القوى السياسية.

back to top