الزرنيخ... يسهم في علاج السرطان

نشر في 20-08-2018
آخر تحديث 20-08-2018 | 00:00
No Image Caption
يشتهر الزرنيخ بخصائصه المضرة. لكن بعض مركباته (بجرعات مقاسة بدقة) يُستخدم في العلاجات الطبية، حتى إن أحدها يسهم في علاج السرطان، وفق مجموعة من الباحثين.
يُصنَّف الزرنيخ غالباً كمادة مسرطنة، يؤدي انتشارها في بيئة الإنسان إلى إصابته بالسرطان. لكن بعض المركبات التي تستند إليه استُعمل على مر التاريخ كعلاج لحالات طبية عدة. ما زال أحد هذه المركبات، ويُدعى أكسيد الزرنيخ الثلاثي، يُستعمل حتى اليوم، وحاز موافقة إدارة الأغذية والأدوية الأميركية ليسوَّق باسم Trisenox عام 2001.

اليوم، يتحقق باحثون من مركز بيث ديكونس الطبي في بوسطن من إمكان استخدام أكسيد الزرنيخ الثلاثي كعلاج للسرطان. يبحث الدكتوران كون بينغ لو وتشياو زين زو وزملاؤهما تحديداً عن كيفية استخدام أكسيد الزرنيخ الثلاثي مع أدوية مستعملة أخرى (حمض الريتينويك المفروق كلياً) بغية شفاء ابيضاض السلائف النقوية، وهو نوع من سرطان الدم.

لا تزال الآليات، التي يسهم من خلالها أكسيد الزرنيخ الثلاثي مع حمض الريتينويك المفروق كلياً في شفاء هذا النوع من الابيضاض، غير واضحة. إلا أن الدراسة تسلط ضوءاً على كيفية عمل هذه المواد على المستوى الخلوي، مشيرة إلى أن تفاعلها قد يكون مفيداً لعلاج أنواع أخرى من السرطان أيضاً.

عمل الباحثون مع نماذج من ابيضاض الدم وسرطان الثدي والكبد ونجحوا في التوصل إلى تركيبة من أكسيد الزرنيخ الثلاثي وحمض الريتينويك المفروق كلياً تقضي على إنزيم يُدعى «بين 1».

يؤدي «بين 1» دوراً أساسياً في ضبط شبكات الإشارات في السرطان. فينشّط هذا الإنزيم أكثر من 40 بروتيناً تغذي الأورام السرطانية، بينما يعوق في المقابل عمل أكثر من 20 بروتيناً يكبح عادةً نمو الأورام.

هذا الإنزيم مفرط النشاط في معظم أنواع السرطان التي يعانيها الإنسان، خصوصاً في خلايا السرطان الجذعية التي تحفز نمو السرطان وتؤدي غالباً دوراً مهماً في مقاومة السرطانات العلاجات التقليدية.

في الدراسة، راقب العلماء اتحاد أكسيد الزرنيخ الثلاثي مع «بين 1»، معوقاً عمله ومؤدياً في نهاية المطاف إلى تفكك الإنزيم. في الوقت عينه، سهّل حمض الريتينويك المفروق كلياً، الذي يتحد أيضاً بـ«بين 1» ويفككه، امتصاص الخلايا أكسيد الزرنيخ الثلاثي وزاده.

أدى ذلك إلى ازدياد تعبير بروتين خاص بأغشية الخلية، ما عزز امتصاص الخلايا أكسيد الزرنيخ الثلاثي.

عند العمل مع فئران مصممة خصوصاً كي لا تعبّر عن «بين 1»، لاحظ الباحثون أيضاً أن القوارض تتمتع بمقاومة عالية للسرطان.

لم تعانِ هذه الحيوانات تأثيرات سلبية نتيجة عرقلة تعبير الإنزيم طوال نصف أمد حياتها تقريباً، ما يشير إلى أن استهداف «بين 1» في منشأه مقاربة آمنة.

يذكر الدكتور زو: «يشير اكتشافنا إلى احتمال جديد مثير للاهتمام يشمل إضافة أكسيد الزرنيخ الثلاثي إلى العلاجات المتبعة في مداواة سرطان الثدي الثلاثي السلبي وأنواع أخرى كثيرة من السرطان، خصوصاً عندما يتبين أن السرطان الذي يعانيه المريض إيجابي «بين-1». قد يسهم هذا في تحسين نتائج العلاج إلى حد كبير».

معالجة النواقص

يشدِّد الدكتوران زو ولو وزملاؤهما على أن اكتشافاتهم الجديدة ربما تقود إلى إستراتيجيات فاعلة لاستهداف «بين-1»، الذي لم ينجح العلماء حتى اليوم في تطوير وسائل ناجحة لتثبيطه.

يوضح د. بيير باولو باندولفي، باحث من مركز بيث ديكونس الطبي اكتشف أن علاج أكسيد الزرنيخ الثلاثي وحمض الريتينويك المفروق كلياً المشترك ينجح في شفاء هذا النوع من سرطان الدم: «من المفرح أن نرى نجاح تركيبة أكسيد الزرنيخ الثلاثي وحمض الريتينويك المفروق كلياً هذه، التي اكتشف [مختبري] أنها تداوي ابيضاض السلائف النقوية، يتحوَّل إلى مقاربات محتملة لمعالجة أنواع أخرى من السرطان».

يضيف: «من المثير للاهتمام بالتأكيد توقع أن تؤدي هذه التركيبة أيضاً إلى علاج أنواع أخرى من الأورام لم تُكتشف بعد». رغم ذلك، يشير الفريق إلى نقص واحد في علاج تركيبة أكسيد الزرنيخ الثلاثي وحمض الريتينويك المفروق كلياً، ألا وهو قصر المدة الضرورية لتراجع كمية حمض الريتينويك المفروق كلياً إلى النصف في جسم الإنسان.

يوضح الدكتور لو: «أكدنا نحن وآخرون قدرة حمض الريتينويك المفروق كلياً على تثبيط وظائف بين-1 في سرطان الثدي، وسرطان الكبد، وابيضاض السلائف النقوية الحاد، فضلاً عن الذئبة والربو».

لكنه يستدرك محذراً: «ظلت استخدامات حمض الريتينويك المفروق كلياً محدودة جداً، خصوصاً في الأورام الصلبة، بسبب تراجع كميته إلى النصف في جسم الإنسان في غضون 45 دقيقة فقط».

رغم ذلك، يأمل معدو الدراسة أن تقدّم نتائج بحثهم دافعاً كافياً لإجراء دراسات في المستقبل تركّز على تطوير حمض ريتينويك مفروق كلياً أكثر مرونة ويتمتع بأمد حياة أطول.

يختم الدكتور لو: «تشجّع نتائجنا على تطوير حمض ريتينويك مفروق كلياً لا يتراجع بسرعة في جسم الإنسان بغية دمجه مع أكسيد الزرنيخ الثلاثي أو مثباطات أخرى لبين-1 أكثر فاعلية لأن ذلك قد يشكّل مقاربة جديدة واعدة بغية محاربة مجموعة أشمل من أنواع السرطان مع تفادي السمية العامة، كما اتضح من شفاء ابيضاض السلائف النقوية».

أكسيد الزرنيخ الثلاثي حاز موافقة إدارة الأغذية والأدوية الأميركية ليسوَّق كدواء
back to top