دشتي يرصد نشأة «كشك» مبارك الصباح وأهميته

المبنى التاريخي يعد مرفقاً سياحياً وشكلاً معمارياً نادراً

نشر في 14-08-2018
آخر تحديث 14-08-2018 | 00:00
يشكل «كشك» مبارك الصباح مرفقاً سياحياً في الوقت الراهن، نظراً لأهميته التاريخية والمعمارية والسياسية والاجتماعية.
أصدر الباحث عيسى عبدالرسول دشتي كتاباً جديداً يوثق فيه "كشك" الشيخ مبارك الصباح، مركّزاً على أهمية هذا المبنى ومستعرضاً شكله العمراني.

ويعد "كشك" مبارك الصباح، مبنى تاريخياً ذا قيمة تراثية كبيرة، وقد نزعت ملكيته من الدولة عام 2009، ونفذت خطة ترميمه وإعادة إحيائه من جانب المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وافتتح تحت اسم "كشك الشيخ مبارك الصباح"، تزامناً مع احتفالات الكويت بيوبيلها الذهبي للاستقلال، ومرور عشرين عاماً على التحرير، وخمسة أعوام على تقلد صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم عام 2011.

وبالفعل تم افتتاح هذا المبنى التاريخي القيم، تحت رعاية وحضور حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وسمو ولي العهد الشيخ نواف الاحمد وكبار المسؤولين بالدولة وجمع غفير من المواطنين في احتفال وطني شعبي لا ينسى.

المباني التاريخية

وقالت الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في مقدمة الإصدار: "إن الحفاظ على كشك مبارك يجسد المعنى الحقيقي لمواد المرسوم الأميري رقم 11 لسنة 1960، بشأن الآثار، والذي يخول المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عمل مسح لجميع المباني التاريخي بدولة الكويت، وكذلك الحفاظ عليها وإعادة ترميمها، مع الحفاظ على طابعها العمراني واستخدامها كمتحف".

مرفق سياحي

يتميز الكشك بموقعه الفريد من نوعه في قلب مدينة الكويت، إذ أصبح مرفقاً سياحياً بمنطقة سوق المباركية التراثي، التي يقصدها المواطنون وزوار الكويت، ويحتوي الكشك على معروضات تتعلق بجميع الفترات التي مر بها كمبنى، باعتباره كان مجلس وديوان الشيخ مبارك الصباح ومقرا للمحكمة وللبريد، والفرع الأول لمكتبة المعارف العامة، ويعد اليوم بمثابة استديو وطني يحكي قصة وتاريخ هذا المعلم المهم للكويت والكويتيين، وهناك العديد من المباني التاريخية التي تمت اعادة ترميمها والحفاظ عليها من جانب المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مثل بيت ديكسون والمدرستين الشرقية والقبلية والمستشفى الأمريكاني وبيت بن غيث والمتحف البحري والقصر الأحمر، وغيرها العديد من المباني التاريخية التي يتم المحافظة عليها وفق المسؤولية الواقعة على عاتق المجلس بالحفاظ على الآثار والمعالم التراثية الكويتية.

الفروسية والرماية

ويقدم المؤلف نبذة عن الشيخ مبارك بن الصباح، مشيرا إلى أنه الابن الثالث لأبيه حاكم الكويت الرابع الشيخ صباح الصباح، ولد في عام 1844، ولما بلغ سن الخامسة احتضنه جده حاكم الكويت الثالث الشيخ جابر الصباح، الذي عني بتربيته وأحضر له معلماً من رجال الدين عكف على تعليمه مبادئ القرآن الكريم وآدابه. وفي سن الثانية عشرة من عمره تدرب على الرمي وركوب الخيل، وخلال عامين كان قد انتهى من تدريباته في الفروسية حتى برز بين اقرانه وخلانه، وأصبح من أبرع الفرسان والرماة، وكان نادراً ما يخطئ هدفه، وبدأ يشارك في مجالس الحكم.

وكلفه شقيقه الشيخ عبدالله الصباح حاكم الكويت الخامس بقيادة القوات الكويتية لمساعدة الدولة العثمانية في حملة الأحساء، التي قادها نافذ باشا عام 1871، فقاد حاكم الكويت الحملة البحرية، وقاد الشيخ مبارك الصباح القوات البرية، وفي عهد أخيه حاكم الكويت السادس الشيخ محمد الصباح كان مبعوثاً عن حاكم الكويت الى الصحراء، لتحمل مسؤولية المحافظة على النظام وسط قبائل في بادية الكويت، وتولى الشيخ مبارك الصباح زمام حكم الكويت في 16 مارس 1896.

اتفاقية الحماية

وفي العقد الأخير من القرن التاسع عشر وقع الشيخ مبارك الصباح اتفاقية الحماية مع بريطانيا العظمى، وبذلك يعتبر هو مؤسس العلاقات الكويتية - البريطانية بشكل رسمي، من خلال توقيع هذه الاتفاقية مع بريطانيا في 23 يناير 1899 بين الشيخ مبارك الصباح والحكومة البريطانية، وبحضور المقدم مالكوم جون ميد المقيم السياسي في الخليج، وكان الشهود على توقيع الاتفاقية الكابتن آن وكهام هور والسيد محمد رحيم عبدالنبي صفر والمستر جي كاكلون أرسيكن، وصادق عليها نائب الملك والحاكم العام في الهند اللورد كيروزن في قلعة ويليام في 16 فبراير 1899م، ومن أحد شروط الاتفاقية هو ان يلتزم الشيخ مبارك الصباح بإبقاء الاتفاقية سرية حتى لا تثير مشاكل دبلوماسية مع الدولة العثمانية وألمانيا وروسيا، ويلتزم كذلك بألا يتنازل الشيخ مبارك الصباح وخلفاؤه من بعده عن اي جزء من اراضي الكويت، وألا تؤجر اي جزء من اراضيها الى اية دولة اجنبية او شخص اجنبي دون استشارة بريطانيا، وألا تستقبل الكويت اي ممثل دولة اجنبية دون اذن من بريطانيا، وفي نوفمبر 1902 تم الاعلان عن هذه الاتفاقية التي بين بريطانيا والكويت.

في 28 نوفمبر 1903 زار اللورد كورزون نائب ملك بريطانيا في الهند وزوجته الكويت، وكان على متن السفينة "غاردينغ"، وقد اتت هذه الزيارة للتأكيد على أهمية الكويت، وقد استقبله الشيخ مبارك الصباح بكل حفاوة، ودخل الى سفينته وحياه، وفي اليوم التالي رست السفينة في ميناء الشويخ، وكان في استقبالهم الشيخ مبارك الصباح وولي عهده الشيخ جابر المبارك الصباح، ونقل الورد كورزون من الشويخ الى مدينة الكويت بعربة خيل فاخرة من الطراز الفكتوري كان قد طلبها الشيخ مبارك الصباح من بومباي خصيصاً لتلك المناسبة.

ويسرد المؤلف حكاية أول مستشفى في الكويت فيقول: "في عهد الشيخ مبارك الصباح تم انشاء اول مستشفى في تاريخ الكويت في سنة 1910 من قبل الإرسالية الأميركية، وكان يسمى باسم المستشفى الأمريكاني، كما تم افتتاح المدرسة المباركية عام 1912 في عهده".

دائرة الجمارك

ثم ينتقل المؤلف إلى الحديث عن دائرة الجمارك التي أسسها الشيخ مبارك، ويقول ضمن هذا السياق: "عندما تلقد الشيخ مبارك الصباح شؤون الحكم في الكويت أسس دائرة الجمارك في عام 1899م وفرض رسوماً على جميع ما يرد الى الكويت من الموانئ البحرية والبرية، وكان يتخذ الصنقر، وهو احد المباني المتبقية من السور الثاني للكويت، وهو المكان الذي كانت تدار فيه أمور المشيخة من قبل حكام الكويت السابقين حتى عهد الشيخ مبارك الصباح، كما كان مقراً لإدارة شؤون الرعية ومراقبة قوافل الجمال الخارجة من الكويت لدفع الضرائب قبل خروجها من البلاد، هنا برزت الحاجة الى نقطة سيطرة ومقر رئيسي يفرض سلطته على الضرائب وغيرها من امور المشيخة، لذلك قرر الشيخ مبارك الصباح استخدام الكشكين الشمالي والجنوبي لهذه الحاجة، وكان يجلس في الكشكين تبعاً لجهة شروق وغرب الشمس، فالجنوبي كان مجلس الشيخ مبارك الصباح في الفترة الصباحية، والكشك الشمالي من فترة العصر الى المساء، وكانت تقام في الكشك الاجتماعات السياسية والاجتماعية والأمنية ومراقبة التجارة وقوافل الجمال في دخولها ومغادرتها للمدينة وتحصيل الجمرك وإيراداته، كما كان الشيخ مبارك الصباح من خلال الكشك يتابع شؤون الرعية، وذلك بالنظر في نزاعاتهم والتشاور معهم.

يشكل الكشك -بموقعه المهم- وحدة حضارية وحيزاً اجتماعيا قادراً على استيعاب مختلف الأزمنة، والتفاعل مع ترددات الحياة اليومية، متبنياً أهمية تاريخية معمارية وسياسية واجتماعية. وقد اختلفت وظيفة الكشك مع كل حاكم او حقبة تاريخية، فكان الكشك أول محكمة شرعية في عام 1934م، واستمرت الى عام 1939م حينما انتقلت الى مبنى دائرة المحاكم بالصفاة، ويفترض ان التوسعة بالكشك تمت في هذه الفترة، حيث استؤجرت الصيدلية في الطابق الأرضي للكشك، كذلك فتح مكتبان لحل مشاكل وقضايا الغواصين، وفي عام 1942 سمى الكشك الشمالي بكشك (البوسطة)، حيث كان مستقرا للبريد، ثم اتخذ الكشك مقراً للمكتبة العامة في فترة الخمسينيات تعرض فيه مجموعة من المجالات والصحف المتنوعة من مصر ولبنان والعراق، واستمرت المكتبة في الكشك الى نهاية الخمسينيات.

توسعة الكشك

بعد فترة من الزمن تقارب فترة وجود المحكمة بالكشك، تمت توسعة الكشك، وبنيت التوسعة فوق المحلات وعلى أسطحها، وهي عبارة عن غرفة مستطيلة تبدأ منتصف فتحة نافذة قاعة الكشك، والتي كانت تطل على سوق التناكة القديم (سوق الجت)، وتنتهي من الناحية الأخرى من حائط الكشك من جهة الشمال ناحية سوق التمر، وفتحت الروشنة الموجودة بالقرب من الدرج لتكون نافذة بباب صغير مطلة على القاعة، الا ان ارتفاع سقف الغرفة بعد التوسعة يختلف عن ارتفاع سقف قاعة الكشك القديمة، والتي بنيت فوق اسطح الدكاكين، مما يميز كلتا الفترتين.

مقر إدارة البريد

بعد انتقال المحكمة الى مقرها الجديد تم استخدام الكشك مقراً للبريد، والكشك هو خامس مقر تنتقل له إدارة البريد، فقد كان مقر الأول في دار المعتمد البريطاني (بيت ديكسون) والمقر الثاني هو في بيت والده الشيخ محمد الصباح، والمقر الثاني هو في بيت والدة الشيخ محمد الصباح، والمقر الثالث والمؤقت في منزل عائلة جاشنمال، والمقر الرابع المؤقت في مبنى شركة البرق واللاسلكي المحدود، والمقر الخامس هو في كشك الشيخ مبارك الصباح. وكان الكشك مقرا لمكتب البريد لمدة 10 سنوات تقريباً من عام 1942 حتى شهر فبراير 1952، حيث كان البريد يتبع إدارة البريد الهندي - البريطاني، وفي شهر ابريل في عام 1948 استلمت ادارة البريد البريطاني إدارة البريد في الكويت.

الكشك يتميز بموقعه الفريد في مدينة الكويت

المجلس الوطني للثقافة يولي المباني التاريخية اهتماماً كبيراً
back to top