رياح وأوتاد: «تو الناس» يا حكومات الخليج

نشر في 13-08-2018
آخر تحديث 13-08-2018 | 00:09
 أحمد يعقوب باقر طالبت الحكومة الكندية بإطلاق سراح متهمين في قضايا أمن الدولة في المملكة العربية السعودية، فاعتبرت الشقيقة السعودية أن هذا تدخلٌ في شؤونها الداخلية، واتخذت إجراءات حاسمة وقوية دبلوماسية وتجارية إزاء هذا التدخل، كما سارعت أكثر دول الخليج إلى تأييد المملكة في إجراءاتها، وأعتقد أن الحكومات الغربية قد تمادت في فرض عقائدها وقيمها وأخلاقها وحتى قوانينها على الدول الإسلامية وعلى الخليج بصفة خاصة، حتى وصل الأمر للتدخل في القضايا المعروضة على القضاء.

وكثيراً ما استغلت ذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان للتدخل في الشوؤن الداخلية للدول الأخرى، وانتقاص سيادتها، وهذا لا يؤثر إلا على الدول الضعيفة التي لا تستطيع أن تدافع عن قوانينها وإجراءاتها، فإسرائيل مثلاً لا تهتم بما يصدر ضدها من تقارير تشجب ممارساتها الإجرامية، وكذلك لم تهتم أميركا بشجب ممارساتها بحق المساجين في العراق وغوانتنامو.

ويخطئ من يظن أن هذا التدخل هو وليد هذه القضية لأنه أقدم منها بكثير، والحكومات العربية والإسلامية لا تتخذ إجراءً فعالاً تجاهه، ومن يطلع على التقرير السنوي لحقوق الإنسان للخارجية الأميركية وتقارير منظمات حقوق الإنسان المختلفة، وحتى بعض الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية المرأة المعروفة باسم (السيداو) فسيجد الكثير من التدخل في شؤوننا الداخلية، مما يصادم ديننا الحنيف وأخلاقنا وقيمنا، مثل شجب نظام الميراث في الشريعة الإسلامية واعتبارة مخالفاً لحقوق الإنسان، وشجب قوانين الأحوال الشخصية لأنها تبيح زواج الرجل بأكثر من امرأة ولا تبيح للمرأة الزواج بأكثر من رجل، ولأنها تشترط ولاية الأب في عقد الزواج، ومثل شجب قوانين الجزاء لأنها تجرم الزنى وفعل قوم لوط وتعاقب عليهما، ومثل شجب قوانين النشر والمطبوعات لأنها تجرم التعريض بالذات الإلهية والأنبياء والصحابة والإساءة إلى كرامات الناس، وسيجد كذلك المطالبة بإطلاق سراح المدونين المخالفين للقوانين الوطنية، ومن الأمثلة الصارخة أيضاً الضغط الذي مارسته منظمات حكومية وأهلية على الرئيس مبارك في مصر للسماح بالمظاهرات دون ترخيص، وكذلك السماح لجمعيات حقوق الإنسان في مصر بتلقي الدعم المالي من الخارج، والتي تبين فيما بعد أثرها الكبير في تغيير النظام.

ومن الأمثلة عندنا في الكويت ما تم تقديمه من اقتراحات مشابهة (المظاهرات والدعم الخارجي) أثناء مجلس 2003، حيث تصديت لها بحمد الله تعالى، وأيضاً ما قدم في المجلس الحالي مثل إلغاء ولاية الأب في عقد الزواج، وإلغاء جرائم المغردين المتجاوزين، وكل ذلك مدعوم من تلك المنظمات.

وبناء على كل هذه الأمثلة فليس من المستغرب أن تُهاجم دولة قطر وتُطالب بإلغاء قوانين التجريم لفعل قوم لوط بمناسبة إقامة مباريات كأس العالم على أرضها، وتهاجم السعودية والكويت من أجل إلغاء نظام الولاية في الأحوال الشخصية، ويتم الضغط الآن على تونس لإلغاء قوانين الميراث الشرعية بعد أن تم السماح فيها للمسلمة بالزواج من غير المسلم، ونخشى أن تستمر الضغوط حتى تصل إلى كيفية تربية الأبناء والمناهج الدراسية واللباس والعلاقات المحرمة بين الجنسين.

ومما يؤسف له حقاً هو استجابة بعض الدول الإسلامية لهذه الضغوط الغربية، فغيرت الكثير من قوانينها وقيمها لكي تتماشى مع هذا الفكر الغربي الذي يروج له حتى من الداخل أحياناً باسم المساواة والحريات، والذي سيؤدي إذا استمر إلى طمس الهوية والشخصية العربية والإسلامية بالكامل.

لذلك لم أستغرب محاولة تدخل دولة كندا أو غيرها في شأن قضائي داخلي لإحدى دولنا لأننا سمحنا لهم من قبل بالتدخل في قوانيننا النابعة من ديننا ووجداننا.

وعلى كل حال، وكما تقول العرب "رب ضارة نافعة"، فلعل هذه الحادثة تكفل صحوة تعلن فيها جميع الدول العربية والإسلامية أن مرجعها الوحيد هو إعلان حقوق الإنسان الإسلامي الصادر في القاهرة عام 1990، والذي وقعت عليه جميع الدول الإسلامية، وهو الوحيد الذي يشكل التزاماً لهم، أما ما عداه من تقارير وقرارات واتفاقات فهي اجتهادات إنسانية تقبل الصواب والخطأ، ولا يُقبل بأي حال من الأحوال إدانة أو اتهام أو تجريح لأي دولة على مخالفة تلك الاجتهادات، أو حملها على تغيير قوانينها لكي تتماشى معها.

وعندما كنت وزيراً للعدل قمت بتشكيل لجنة من العدل والأوقاف والداخلية والخارجية والشوؤن لكي تتولى الرد على هذه المنظمات وتقاريرها، كما أسست مع مجموعة من الإخوة الأفاضل الجمعية الكويتية للمقومات الأساسية لحقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية، كما نص على ذلك نظامها الأساسي، وأيضاً اقترحت في أثناء أحد اجتماعات وزراء العدل لدول مجلس التعاون أن تُنشأ لجنة دائمة تشارك فيها جميع دول مجلس التعاون الخليجي للرد على الهجوم الذي تتعرض له هذه الدول، لأن الهجوم متشابه ومكرر على كل دولة، وهو منصبّ على أحكام الشريعة التي تعتبرها هذه الدول المصدر الأول لتشريعاتها، وأن الرد المشترك يوجه رسالة أقوى وأبلغ من الرد المنفرد لكل دولة، ولكن للأسف هذا الاقتراح لم توافق عليه بعض دول التعاون.

بسبب كل هذه التجارب والمشاهدات لم أستغرب هذا التدخل في القضايا المعروضة على القضاء الآن، ولعلها تكون مناسبة وفرصة مواتية لكي تتعامل دولنا الحبيبة مجتمعة وفق شريعتنا وسيادتنا مع الدول أو منظمات حقوق الإنسان التي تتدخل في شؤوننا الداخلية لكي لا نندم غداً، ونقول "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".

back to top