السلام الإريتري-الإثيوبي... تبدلات زلزالية في منطقة استراتيجية

نشر في 11-08-2018
آخر تحديث 11-08-2018 | 00:00
آبي أحمد و أسياس أفورقي
آبي أحمد و أسياس أفورقي
حين رحّب الرئيس الإريتري أسياس أفورقي بحرارة برئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد لدى وصوله إلى العاصمة الإريترية أسمرة كان عناقاً له تداعيات بالغة الأهمية، حيث أكد بيانهما المشترك انتهاء الحرب، التي اشتعلت بعنف بين عامَي 1998 و2000، وحالة اللاسلم واللاحرب التي ابتُلي بها البلدان والتي ساهمت في زعزعة استقرار القرن الإفريقي كله.

رغم الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها إريتريا، فإن نهاية الحرب تعود إلى تبدلات داخلية في إثيوبيا أكثر منها إلى أي خطوة اتخذتها إريتريا أو المجتمع الدولي.

تُعتبر إثيوبيا إحدى قصص النجاح الإفريقية، ولكن على هذه الخلفية نشاهد قصة بلد مضطرب وقيادة تفضل إثنية (التيغراي) على غيرها، إذ يحاول رئيس الوزراء الجديد اليوم توحيد بلد يعاني انقسامات عميقة، فقد نشر رئيس الوزراء السابق ملس زيناوي سياسة الفدرالية الإثنية التي أدت إلى تقسيم إثيوبيا بعمق على طول الخطوط الطائفية. صحيح أن وطأة الحرب كانت أشد على إريتريا منه على إثيوبيا، لكن هذا لا ينطبق على منطقة تيغراي، حيث لا يرغب كثيرون في الاستثمار فيها بسبب المشاكل الأمنية، واستحالة التجارة عبر الحدود، وصعوبة نقل الصادرات بحراً بما أن مرفأ تيغراي الطبيعي هو مرفأ مصوع الإريتري.

ينتمي رئيس الوزراء آبي إلى الأورومو، المجموعة الإثنية الكبرى في إثيوبيا، وقد وصل إلى السلطة بعد انتفاضات شعبية واسعة في أورومو، وأمهرة، وغيرهما من المناطق خلال السنوات الثلاث الماضية، وهكذا خسرت جبهة تحرير شعب التيغراي مكانتها المهيمنة بصفتها الحزب الإثيوبي الحاكم، وتعمل اليوم على تعزيز الدعم الذي تحظى به في مقر قاعدتها الشعبية تيغراي، لكن الوضع معقد. ينتشر اليوم الجزء الأكبر من قوات إثيوبيا العسكرية في تيغراي، فضلاً عن أن الغالبية العظمى من كبار القادة تنتمي إلى التيغراي، ومع إحلال السلام تستطيع إثيوبيا إعادة نشر جيشها في مختلف أرجاء البلد، إلا أن هذه الخطوة، إلى جانب التغيير المتواصل في كبار مسؤولي الدفاع، تهدد بإضعاف مكانة جبهة تحرير شعب التيغراي.

عمل رئيس الوزراء بسرعة على التخلص من معظم العناصر المقسّمة التي نشرتها الحكومة السابقة، حتى إن كثيرين بدؤوا يثنون عليه بصفته قائداً عظيماً، إلا أن من الضروري ألا نستخف بالمعارضة في إثيوبيا، لذلك يجب أن يُظهر رئيس الوزراء بسرعة ثمار السلام، فقد سبق أن أعلن الطرفان صفقات مهمة عدة، منها منح إثيوبيا القدرة على استعمال المرافئ الإريترية واستئناف الرحلات الجوية الإثيوبية إلى العاصمة الإريترية أسمرة.

أما بالنسبة إلى إريتريا، فيشكك كثيرون في ما إذا كان الرئيس أسياس، الذي يمسك بزمام السلطة منذ الاستقلال عام 1991، يريد السلام بما أن خطر الحرب شكّل مبرراً لمسائل كثيرة، منها عدم إجراء انتخابات، وإقفال وسائل الإعلام المستقلة، وسجن المنشقين، وفرض الخدمة الوطنية إلى أجل غير مسمى.

انطلقت إريتريا بعد الاستقلال مع مثل عليا، مثل الديمقراطية والحرية، غير أن الصراع انعكس على كل أوجه وجودها تقريباً، ففي عام 1997، صُدق الدستور، الذي شمل مواد عن الانتخابات، ووسائل الإعلام المستقلة، وحرية التعبير، والنظام المتعدد الأحزاب، وحقوق الإنسان العالمية، إلا أنه لم يُطبّق بعد بالكامل، ولكن مع إرساء هذين القائدين السلام وتطبيعهما العلاقات، من المتوقع أن تشهد إريتريا تبدلات كبيرة.

خط ساحلي استراتيجي

تتمتع إريتريا، مع خط ساحل يبلغ طوله ألف كيلومتر، ومرفأين، وأكثر من 300 جزيرة تتوزع عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، بأهمية استراتيجية كبيرة، وبما أن الولايات المتحدة تقف اليوم على الهامش فإننا نرى فيها مجموعة من اللاعبين الدوليين الجدد، مثل الصين، وتركيا، وعدد من أمم الخليج، وروسيا، ومصر، وغيرها، كذلك نشهد منافسة محتدمة على النفوذ في المنطقة بسبب أهميتها الاستراتيجية في التجارة والمسائل الأمنية.

كانت الولايات المتحدة تمتلك وجوداً في إريتريا خلال الحرب الباردة، ورغم العلاقات الصعبة بين هذين البلدين طوال عقدين تقريباً، أعلن المسؤولون الإريتريون أخيراً أنهم مع تطبيع العلاقات لا يستبعدون احتمال أن يستخدم الجيش الأميركي مرافئ إريتريا أو أن يقيم قاعدة عسكرية له فيها.

رحل الحرس القديم من إدارات كلينتون، وبوش، وأوباما الذين كانوا معنيين بالصراع بكامله تقريباً، باستثناء واحد بارز: السفير دونالد ياماموتو، دبلوماسي متمرس خدم في إريتريا وإثيوبيا على حد سواء، وهو يقود اليوم الجهود الأميركية لتجديد العلاقات مع الطرفين. ففي شهر أبريل، أصبح ياماموتو أول دبلوماسي أميركي رفيع الشأن يزور إريتريا منذ عشر سنوات، إذ يدرك الفريق الجديد بالتأكيد أهمية إريتريا الاستراتيجية ويعمل على بناء الثقة مع هذا البلد والمنطقة بأكملها.

بلغت إريتريا وإثيوبيا السلام أخيراً، وبات واقعاً قائماً، وقد نجحتا في ذلك بدون مساعدة أي لاعبين دوليين، كما يملك هذان البلدان قائدين فاعلين يؤيدان الإصلاح، وبعدما أعربا عن التقارب بينهما، يمكننا أن نفترض أنهما سيعملان معاً لحل خلافاتهما ومعالجة تحديات القرن الإفريقي وما بعده.

لن يولّد السلام تبدلات زلزالية في إفريقيا فحسب، بل سيقوم بالمثل أيضاً في سياسة الولايات المتحدة تجاه إفريقيا... وعلى الولايات المتحدة:

• العمل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بغية رفع العقوبات في الحال عن إريتريا.

• مراجعة استراتيجيتها، التي تقضي باستخدام إثيوبيا كوكيل لها في المنطقة، والسعي لإقامة علاقات أكثر توازناً، فرغم قيام قيادة جديدة في إثيوبيا، تعاني هذه الأمة الكثير من المصالح المتضاربة التي قد تهدد مصالح الولايات المتحدة الحيوية.

• دعم سعي رئيس الوزراء الجديد في إثيوبيا إلى معالجة التحديات الراهنة، وخصوصاً لأن القوات الداخلية التي تعارض عملية السلام والإصلاحات الداخلية لا تزال قوية.

• تشجيع التنمية الاقتصادية في البلدين بغية مساعدتهما في جني ثمار السلام.

• الأهم من ذلك كله إدراك أن لإريتريا قيمة استراتيجية للولايات المتحدة وأن رواية واشنطن القديمة عن إريتريا تحتاج إلى مراجعة. تنسجم تلك الرواية انسجاماً كبيراً مع ما روجت له الحكومة الإثيوبية السابقة، التي فقدت مصداقيتها إلى حد كبير، أما الحكومة الجديدة فتلتزم برواية مختلفة بالكامل وينبغي للولايات المتحدة أن تجاريها.

back to top