القلق... الغوص في كيمياء الدماغ الوراثية

نشر في 11-08-2018
آخر تحديث 11-08-2018 | 00:00
No Image Caption
نجح باحثون بتفحصهم أدمغة مئات القردة المرتبطة جينياً في تحديد مناطق الدماغ وشبكاته التي تؤدي دوراً في القلق. كذلك أظهروا أن التبدلات في الترابط بينها وراثية.
تُعتبر اضطرابات القلق مشكلة عالمية، إذ تصيب واحداً من كل خمسة بالغين حول العالم، وقد يكون لها تأثير كبير في نوعية حياة الإنسان.

قد تسبب أيضاً اضطرابات القلق، التي تتسم بمشاعر خوف حادة، أعراضاً جسدية مثل الرعشة وتسارع نبض القلب.

ولكن على غرار كثير من اضطرابات العقل، لا نعرف كثيراً من آليتها. على سبيل المثال، ما الخلايا، والمناطق، والمسارات المسؤولة؟ نتيجة لذلك، تميل الأدوية إلى معالجة الأعراض لا مصدر المشكلة.

تسهم دراسة جديدة في تعميق فهمنا كيمياء الدماغ الكامنة وراء اضطرابات القلق، وتشكّل درجة إضافية في السلم المفضي إلى علاجات أفضل.

استند باحثون من كلية الطب والصحة العامة في جامعة ويسكونسن في ماديسون إلى الاكتشافات السابقة ليتحققوا من القلق لدى مجموعة من نحو 400 قرد من قردة الريص. استخدم هؤلاء الباحثون تكنولوجيا المسح بالرنين المغناطيسي كي يسلطوا الضوء على مسارات مضاءة بشكل خافت تؤدي دوراً في القلق. ونشروا النتائج التي توصلوا إليها في مجلة JNeurosci.

كشف شبكة القلق

ركّز العلماء بقيادة الدكتور نيد كالين على التثبيط السلوكي والطباع القلقة التي تتجلى في سن مبكرة. وتُعتبر هاتان الخاصيتان مثيرتين للاهتمام لأنهما تتوقعان بدقة عالية مدى احتمال الإصابة باضطرابات القلق في مرحلة لاحقة من الحياة.

كذلك قد يقدّم اكتشاف أسس هاتين الخاصيتين فهماً أعمق عن كيفية ظهور اضطرابات القلق وأسبابها.

في دراسات سابقة اعتمدت على التصوير بالرنين المغناطيسي، حدد الدكتور كالين وفريقه شبكات الدماغ التي تؤدي دوراً في توليد السلوك القلِق عموماً. تشمل هذه الشبكات خصوصاً اللوزة الدماغية المركزية الموسعة، التي تشكّل جزءاً من نظام المكافأة في الدماغ. وتضم هذه الشبكة مجموعة من النوى، ترتبط كلها باللوزة.

يشمل قسمَا اللوزة الدماغية المركزية الموسعة الرئيسان نواة اللوزة المركزية والنواة العميقة للسطر الانتهائي. وتبين أن عملية الأيض في هاتين المنطقتين المتشابكتين بإحكام ترتبط باختلاف الطبع القلق. بكلمات أخرى، ينبئ مقدار النشاط في هاتين اللوزتين بمقدار القلق الذي يشعر به الإنسان.

بغية التعمق في بحثهم، قيّم الباحثون أولاً مستوى القلق الطبيعي لدى كل حيوان شاب من هذه الرئيسات. عرّضوه بذلك لدخيل بشري وسجلوا سلوكه: كانت الحيوانات الأكثر قلقاً أقل تنقلاً وإصداراً للأصوات. كذلك قاس الباحثون معدلات الكورتيزول، معتبرينها أحد مقاييس القلق.

ترابط موروث

تتحدر الحيوانات المستعملة في هذه الدراسة من السلالة ذاتها، لذلك كانت كلها مترابطة جينياً بدرجات متفاوتة. ولما كان نسلها وُثّق بدقة، فعرف الباحثون مَن يرتبط بمن ومدى قوة صلة القرابة هذه. نتيجة لذلك، تمكنوا من احتساب مدى قابلية انتقال القلق بالوراثة وما إذا كانت هذه القابلية تنسجم مع تبدلات في نشاط الدماغ.

اكتشف الباحثون أن مستويات الترابط بين نواة اللوزة المركزية والنواة العميقة للسطر الانتهائي متوارث إلى حد كبير.

يوضح هذا الفريق: «في الدراسة الحالية، برهن تحليل القابلية المشتركة للانتقال بالوراثة أن الترابط الوظيفي بين نواة اللوزة المركزية والنواة العميقة للسطر الانتهائي «والطبع القلِق» ينتقلان معاً في شجرة العائلة، ما يدعم فرضية أن الترابط الوظيفي بين نواة اللوزة المركزية والنواة العميقة للسطر الانتهائي «والطبع القلِق» يتشاركان في الأسس الجزيئية ذاتها».

تدعم هذه النتائج نظرية أن التفاعل بين نواة اللوزة المركزية والنواة العميقة للسطر الانتهائي يؤدي دوراً مهماً في القلق. وتقدّم أيضاً أدلة إضافية على أن القلق قابل للانتقال بالوراثة، وتشير إلى مجالات بحث جديدة.

صحيح أن هذه الاكتشافات لن تؤدي مباشرةً إلى علاج جديد لاضطرابات القلق، إلا أنها تشكّل خطوة نحو الأمام. ولما كان القلق في مراحل الحياة المبكرة ينبئ بوضع صحة الإنسان العقلية في مراحل لاحقة، فيُعتبر فهم كيفية تطوّره خطوة مهمة نحو التدخّل ومنعه من التفاقم.

اضطرابات القلق تسبب أعراضاً جسدية مثل الرعشة وتسارع نبض القلب
back to top