د. عايد الجريِّد... والنادي الأدبي الكويتي 1924 (10- 12)

نشر في 09-08-2018
آخر تحديث 09-08-2018 | 00:10
استمر حماس النخبة الشابة المنفتحة متوقداً حتى عام 1967 وما بعده، وتغذى محلياً من حركتي 1921 و1938 الهادفتين إلى ترسيخ السلطة التشريعية والرقابية، وخارجياً من تطور الصراعات والأفكار والأحزاب السياسية في المحيط العربي ودوله التي كانت تشهد تطورات اجتماعية وسياسية واسعة وراديكالية في بعض الأحيان.
 خليل علي حيدر كانت الطموحات وإرادة التغيير لدى النخبة الشابة المنفتحة والمتحمسة للتغيير من أقوى الدوافع في تأسيس الهيئات والأندية الثقافية والاجتماعية في الكويت خلال القرن العشرين، والتي كان النادي الأدبي الكويتي عام 1924 أحد تجلياتها.

وقد استمر هذا الحماس متوقداً، ربما حتى عام 1967 وما بعده، وتغذى محلياً من حركتي 1921 و1938 الهادفتين إلى ترسيخ السلطة التشريعية والرقابية، وخارجياً من تطور الصراعات والأفكار والأحزاب السياسية في المحيط العربي ودوله التي كانت تشهد تطورات اجتماعية وسياسية واسعة وراديكالية في بعض الأحيان، ولهذا شهدت علاقة النخبة الإصلاحية بالسلطة حالات من التوتر والصراع.

حين بدأت التجربة النيابية في عام 1938 يقول د. خليفة الوقيان، "كانت الثقافة حاضرة في سلم الأولويات، إذ لم تشغل الهموم السياسية أعضاء المجلس التشريعي عن إدراك أهمية الثقافة في خلق قاعدة شعبية عريضة تدعم العهد النيابي، وتوظف الطاقات الشابة لتحقيق أهدافه، المتمثلة في النهوض بالمجتمع وتعميق المشاعر الوطنية والقومية".

ويستعين د. الوقيان بمذكرات خالد سليمان العدساني، أحد أهم المساهمين في تأسيس النادي المذكور الذي يشيد بدور النخبة الشابة المجددة والمؤسسة لتيار تحديث الكويت. ويقول العدساني في اقتباس طويل يورده الوقيان في كتابه عن الثقافة في الكويت: "كان الشباب الوطني الناهض من رعاة العهد والمبشرين بمحامده ومزاياه قد دشنوا صرح الحرية بافتتاح معهدهم الجميل (نادي كتلة الشباب الوطني)، تلك الكتلة لعامة المتآزرة التي يشرف على تنظيمها فريق من خيرة الشباب وصفوتهم، وقد بلغ عدد المنتسبين إليها ما يقارب المئتي شاب، كلهم يهزجون أهازيج الوطنية، ويرتلون أنشودة العرب المثلى".

ويضيف العدساني في مذكراته عن ثمار هذا المجهود، ويقول: "لقد آتت هذه الكتلة أكلها بأن غرست فيما ينوف عن "المئتي شاب" بذور الإحساس القومي، قسمّوا أنفسهم إلى فرق ولجان لخدمة النهضة الحالية عن طريق بث الدعاة لغرس الروح العربية في السواد الأعظم من الأهالي وتعليم الأميين أصول القراءة والكتابة بفتح الصفوف الليلية مجاناً، والتطوع لخدمة المنكوبين وجمع التبرعات الخيرية وتوزيع الكساوي على الفقراء المعوزين، كما واظبوا على إقامة الحفلات الأسبوعية لنشر الثقافة، وتلقين الجمهور ماهية الحقوق الشعبية وأنظمة الحكم الديمقراطي وغير ذلك من الأسباب النافعة التي لا يستطيع غير الشباب أن يضطلع بها، ويتفرغ لأدائها".

(د. الوقيان، الثقافة في الكويت، ص 162-163).

إن مسألة الإصلاح، كما يقول د.عايد الجريِّد، "كانت تشغل بال المثقفين الكويتيين منذ أن كانوا في مشروعهم الثقافي الأول المكتبة الوطنية".

كانت "مسألة الإصلاح" قضية كبرى فكرياً واجتماعياً، وبالتالي سياسياً في سائر الدول العربية، ويقول د.الجريِّد "كان أعضاء النادي يتابعون في اجتماعاتهم أحوال البلدان العربية وأخبارها، ونتج عن ذلك أنه بعد عامين من تأسيس النادي تأثر بعض أعضائه بالسياسة، وبما كان يحدث في مصر أيام "عدلي يكن باشا" و"ثروت باشا"، وسعد زغلول".

ويشرح كتاب د. الجريِّد هذه الظاهرة بشيء من التفصيل، ويبين تأثيراتها في الكويت، "إذ انقسم النادي الأدبي إلى ثلاثة أحزاب تأثرا بما كانت عليه الحال في مصر "حزب الوفد" الذي كان يرأسه "سعد زغلول" و"حزب الأحرار الدستوريين" برئاسة محمد محمود باشا، و"الحزب الوطني" برئاسة حافظ رمضان باشا".

ويضيف "في الكويت، كان رئيس النادي الشيخ عبدالله الجابر يمثل رئاسة حزب الوفد بالإضافة إلى نصف الأعضاء، وأما النصف الآخر، فكانوا موزعين على الحزبين الآخرين، فكان الأعضاء المتأثرون بحزب الوفد يرون أن رسالة الوفد هي الوحيدة التي تلائم الأمة في حربها ضد المستعمر وقتئذ".

عاشت مصر كما هو معروف أحد أبرز تجارب الاحتكاك والتأثر بالغرب، ومحاولات التحديث وما رافقها من صراعات وصدامات ثقافية لا تزال مستمرة!

وفي تلك الأيام عام 1924 في الكويت يشرح د. الجريِّد سبب حماس الكويتيين لحزب الوفد أنه كان بدافع "وطني يريد التخلص من الهيمنة البريطانية ولم يكن اقتناعهم بفكر الحزب". ويمثل حزب الوفد في مصر، كما هو معروف، أحد أبرز محاولات وتجارب "الليبرالية العربية"، وقد أسسه سنة 1918 الزعيم سعد زغلول- واسمه الكامل "أحمد سعد زغلول"- وبرز الحزب إلى الوجود كوفد يرأسه الزعيم سعد، ليفاوض بالنيابة عن الشعب المصري الحكومة الإنكليزية عقب هدنة الحرب العالمية الأولى، مطالباً باستقلال البلاد.

وتقول الموسوعة العربية الميسرة "إن الوفد طالب بالإضافة إلى الاستقلال القيام بإصلاحات اجتماعية واقتصادية واسعة النطاق، وقد فاز فوزا مبينا في انتخابات أواخر 1923، وألّف سعد زغلول أول وزارة شعبية في أول 1924، وعند وفاة سعد زغلول في 23 أغسطس 1927 انتخب مصطفى النحاس رئيسا للوفد".

هل تأثرت "كتلة الشباب" الكويتية التي تعدّ، كما ذكرنا، القوة الرئيسة في تحريك العمل السياسي الكويتي بفكر حزب الوفد السياسي والاجتماعي؟ وهل أعجبت بأسلوب الوفد في المفاوضات مع الإنكليز لتحقيق استقلال مصر أم أن هذه الكتلة وشرائح واسعة من الرأي العام تأثرت مع نهاية العشرينيات بالوسائل الثورية أو الراديكالية بعد ما جرى في العراق وسورية وفلسطين وغيرها؟

الواقع أننا لم ندرس حتى الآن انقسام ميول النخبة السياسية الكويتية خلال تلك الفترات بين "الاعتدال السياسي" والراديكالية أو الثورية، فكراً وتعاطفاً، وهي ظاهرة عايشت التجربة الكويتية، وعرفتها حركات علمانية مثل حركة القوميين العرب وحركات الإسلام السياسي كالإخوان المسلمين.

(لمزيد من تفاصيل الوضع داخل الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان انظر: "الجماعات السياسية الكويتية في قرن"، صلاح محمد الغزالي ص189 وكذلك "الأحزاب الإسلامية في الكويت"، د. سامي ناصر الخالدي ص 166، و"جماعة الإخوان المسلمين في الكويت" د. فلاح المديرس ص22).

ويستوقف القارئ تفسير د. الجريِّد لأسباب حماس الكويتيين وتعاطفهم مع حزب الوفد المصري وصراعه مع الاحتلال البريطاني، إذ يؤكد الباحث د. الجريِّد أن هذا الحماس والتعاطف لم يكن بدافع اقتناع الشباب بفكر حزب الوفد بل بدافع "وطني يريد التخلص من الهيمنة البريطانية".

فمن أين نبعت هذه المشاعر المعادية لبريطانيا في الكويت؟ ومن كان يشجع هذا النفور ويؤججه؟

د. الجريِّد يؤكد أن أعضاء النادي كانوا يتابعون في اجتماعاتهم أحوال البلدان العربية وأخبارها
back to top