كم ستصمد تيريزا ماي في رئاسة الوزراء؟

نشر في 07-08-2018
آخر تحديث 07-08-2018 | 00:08
 ويكلي ستاندرد قالت فيرجينيا وولف أن تشارلز ديكنز، كلما شعر أن روايته تفتقر إلى الذكاء أو الحبكة القوية، كان "يرمي بضع شخصيات في النار"، وتعتقد أن الشخصية شكّلت بالنسبة إلى ديكنز البديل عن ميزتَي التنظيم والذكاء التقليديتين، وتستطيع بفضل شخصيتك أن تحقق إنجازات كبيرة في إنكلترا، وقد تصل إلى مقر رئاسة الحكومة، لكنك لا تستطيع البقاء هناك من دون تنظيم وذكاء.

بعدما طعن الوزراء الموالون للاتحاد الأوروبي ماغريت تاتشر في الظهر في عام 1990، شكّل جون مايجور، الذي يفتقر إلى الشخصية القوية، الوريث الذي توافقت عليه كل الأطراف، وعقب حملة منظمة وذكية فاز مايجور في انتخابات عام 1992 بعدد من الأصوات فاق ما حققه أي مرشح محافظ سابق. على نحو مماثل، بعد الاستفتاء بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، واستقالة كاميرون، وتعثر ترشح بوريس جونسون الذي يتمتع بشخصية فذة، وصلت تيريزا ماي بدون أي ضجة إلى رئاسة الوزراء. كان يُفترض أن تكون منظمة وذكية، ولكن اتضح أنها أسوأ رئيس وزراء في الذاكرة.

أولاً، خسرت ماي أكثريتها البرلمانية بسبب حملة انتخابية خرقاء وسيئة التنظيم في عام 2017، ثم اتبعت استراتيجية تفاوض كارثية مع الاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا، وأخيراً استدعت في نهاية الأسبوع الحكومة إلى منزل رئيس الوزراء "تشيكرز" وضمنت تحملها كلها مسؤولية سياسة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هذه السياسة هي التي تتجاهل وعود ماي خلال الحملة الانتخابية عام 2017 وما تلاها من تصريحات بشأن هذه السياسة.

كي تتمكن ماي من النجاة من هجوم حزبها الشرس، اضطرت إلى القبول بتعديلات تعارضها وتعارض أخرى تريدها، وإذا كان أحد ما زال يشك في أن ماي تواجه وضعاً يفوق مقدراتها، يكفي أن يتوقف عند الإهانة المجانية التي وجهها لها ميشال بارنيه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، برفضه استباقياً اقتراحاتها.

يعتبر الجميع في الحكومة البريطانية ماي امرأة تتحلى بشخصية جيدة، فهي ابنة قس تحاول أن تقوم بالصواب، لكنها تتحول راهناً إلى إنسانة متهورة وغير صادقة، كانت ماي من مؤيدي البقاء في الاتحاد الأوروبي في عام 2016، وقضت خطتها في مقرها في "تشيكرز" بدعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي صورياً. تدّعي ماي أن هذه الخطة تستوفي شروط الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها ليست كذلك، وها هي تحاول اليوم فرض الخروج الأسوأ على الشعب، فبموجب خطة "تشيكرز"، تدفع بريطانيا نحو 40 مليار جنيه كمستحقات للاتحاد الأوروبي وتظل عضواً في الاتحاد الجمركي، إلا أنها تخسر في المقابل صوتها في مجالس الاتحاد الأوروبي، ولا تستعيد سيادتها البرلمانية.

بدل السعي إلى التوفيق بين السيادة البرلمانية والاقتصاد العالمي، تقترح ماي أن تصبح بريطانيا دولة تابعة لإمبراطورية فاسدة ومتداعية، وحاول فريقها بكل وقاحة إطالة عطلة البرلمان الصيفية بنحو خمسة أيام بغية الحفاظ على حكومتها حتى شهر سبتمبر.

تشهد عضوية الحزب المحافظ حالة تمرد مفتوحة، ويحقق حزب العمال التقدم في استطلاعات الرأي، رغم خضوعه لقيادة جيريمي كوربن، وهو اشتراكي ثوري انتُقد لصداقته مع الإسلاميين والحركات المعادية للسامية، فضلاً عن ذلك لا تزال غالبية المحافظين في البرلمان، التي أظهر استفتاء عام 2016 أنها بعيدة كل البعد عن الشعب، بعيدة كما كانت، ويفوق عدم ثقة هؤلاء المحافظين ببوريس جونسون خوفهم من كوربن، مع أن جونسون المحافظ الوحيد الذي يتمتع بالذكاء الكافي ليستميل الأصوات المتأرجحة.

علاوة على ذلك، لم تتقبل غالبية المحافظين في البرلمان ما سبق أن أدركه الشعب وما ردده المناهضون للوحدة الأوروبية دوماً: فلا يملك الاتحاد الأوروبي أي نية لمنح بريطانيا صفقة وفق الطلب.

تواجه بريطانيا اليوم احتمالين فقط: أن تنهار عائدة إلى الاتحاد الأوروبي أو تتحطم منحنية إلى الأمام نحو "خروج قاسٍ من الاتحاد الأوروبي". يحوّل الخيار الأول الإخفاق الحالي إلى أزمة ديمقراطية لأنه يخون نتائج الاستفتاء، أما الاحتمال الثاني، فسيكون له وطأة اقتصادية قوية، ولكن ستحتفظ بريطانيا على الأقل بنحو 40 مليار جنيه وستصبح حرة لتتفاوض بشأن صفقات تجارية جديدة مع سائر دول العالم، كذلك ستُعتبر دولة ديمقراطية فاعلة لأن قادتها المنتخبين التزموا بوعودهم.

قبل أيام، توقعت الصحف أن يؤدي الخروج القاسي من الاتحاد الأوروبي إلى الفوضى عند الحدود وأن ينفد أيضاً مخزون الأدوية، وقد يُضطر الجيش إلى التدخل لفرض الأمن، ولكن يُفترض ألا يكون أي من هذه الاحتمالات وارداً، فقد تعهدت حكومة ماي بالاستعداد لكل حالة طارئة.

يشكّل هذا إشارة إلى تصرف ماي المشين وعدم التزامها بما تعهدت به، كذلك يعكس سلوك نوابها المعيب لأنهم وضعوا الحزب قبل الوطن ولأن هذا النوع من الفوضى ما زال مقبولاً، لكن الأسوأ من ذلك أن من السهل أن نتخيل استمرار ماي في الإمساك بالدفة فيما تغرق السفينة، إما يقوم المحافظون بالصواب مع هذا المقدار الضئيل من الذكاء والمهارة أو يغرقهم هذا الإخفاق الجماعي طوال جيل.

* دومينيك غرين

* «ويكلي ستاندرد»

back to top