خسوف

نشر في 31-07-2018
آخر تحديث 31-07-2018 | 00:00
 ناصر الظفيري في ليلة من ليالي الجهراء، خرجت الناس مذعورة وهي تقرع على الصفيح، وتكبر وتتضرع إلى الله بأن يلطف بهم من عذاب قادم، وقيامة وشيكة. في تلك الليلة ابتلعت "حوتة" ضخمة قمرنا، وكأننا مركز الكون. تعالت أصوات الناس وهم يصرخون:

يا الحوتة يا البلّاعة

هدّي قمرنا بساعة

يا الحوتة يا المنحوتة

لا إله إلا الله

لم يهدأ الضجيج وأصوات التكبير حتى أطلقت "الحوتة" القمر، فهدأت الأصوات، ونام الناس موقنين أن القيامة لم يحن موعدها بعد. كلفنا هذا الاعتقاد كثيراً حتى تعلمنا فيما بعد أن الخسوف ليس سوى ظاهرة فلكية يحجب فيها ظل الأرض ضوء الشمس الذي يعكسه القمر، وأن ذلك الخسوف حدث حين كانت الشمس في برج الحوت. ولكن هذا التفسير لم يقنع آباؤنا الذين أرسلونا إلى المدرسة.

تكمن المشكلة الأزلية في تقبل الحقيقة العلمية حين يتناولها رجل الدين، فهؤلاء الآباء لن يتخلوا عن رؤية رجل الدين للحدث الفلكي، وإقناعهم بأن تلك علامات إلهية ليرتدع البشر عن المعاصي. وربما الحقيقة العلمية التي اعتقدنا أننا انتهينا منها كمسلمة علمية لا جدال فيها هي كروية الأرض، ودورانها حول نفسها. أغلب رجال الدين، سواء في زمن "جاليليو"، الذي تنازل عن الفكرة كي يتقي الحرق، أو في زمن مجموعة من علماء الدين في عصرنا هذا، تبدو فكرة تناقض النص الديني، يحاولون جاهدين أن ينقضوها حين يروا فيها تعارضاً للنص، وهو تعارض غير موجود أساساً.

العلم اليوم يقدم لنا تقويماً علمياً دقيقاً للظواهر الطبيعية، وأوقات حدوثها قبل أن تحدث بعشرات السنين، ويقدم لنا أيضاً تفسيراً علمياً دقيقاً لهذه الظواهر لم يعد بإمكان رجل الدين المسيحي أن يرفضه. أما رجل الدين المسلم فمازال يصارع حاضره بماضيه، وتفشل طوائفه ومجتمعاته في الصيام والإفطار في يوم واحد. منذ عشرين سنة تقريباً توزع المدارس الكندية في بداية سبتمبر تقويماً سنوياً يحدد أعياد الجاليات وأيامهم، وضمن هذه الأيام بداية رمضان، وعيد الفطر، ولم يخطئ هذا التقويم أبداً.

لم يقدم رجل الدين تفسيراً علمياً يجعلنا نتبناه كبديل عن العلم الحديث، ولا يمكن لعاقل مثلاً أن يستمع لأحدهم وهو يشرح استحالة دوران الأرض، لأنك لن تصل إلى البلد الذي تريده وهو يتحرك دائماً مبتعداً عنك. وفي حالات كثيرة كان رجل الدين يفرح لبعض الاكتشافات العلمية التي يجدها تتطابق مع النص القرآني، ولا يخجل أنه يقرأ النص منذ أكثر من ألف وأربعمئة سنة، ولا يعرف عن أي حقيقة علمية يتحدث.

خسوف القمر، الذي حدث مؤخراً، يخبرنا أن خطابنا الديني مازال يتعارض مع الخطاب العلمي، ومازال البعض يربط هذه الظواهر الطبيعية بغيبيات دينية يحاول إقناع العامة بها قبل أن يجتهد للبحث عن أسبابها والاقتناع بها. سيجد اليوم رجل الدين من يقتنع بأطروحته، ولكنه لن يجد غداً سوى جيل متعلم لن يرفض هذا الربط فقط، ولكنه سيرفض مجمل ما يطرحه.

back to top