صوب الشقايا والسالمي...

نشر في 28-07-2018
آخر تحديث 28-07-2018 | 00:20
 فهد البسام بما أن الشهادات المزورة من أحدث أشكال الفساد والغش التي تميز بها المجتمع الكويتي المحافظ وأكثرها انتشاراً، فقد صار من الطبيعي في السنوات الأخيرة، ومع زيادة الإيمان بحق التعليم - وكأن الحروف اخترعت مع بداية الألفية الثالثة - أن تجد من اقتنص شهادة مضروبة أو مزورة من جامعة لم تُبنَ بعد، ليقبض راتباً وبدلات لا يستحقها، ثم يجلس بقربك في المسجد يشكو من الفساد والانحلال وسوء الأحوال العامة. أمثال هؤلاء يصعب مواجهتهم بالوسائل التقليدية القديمة، فهم كُثر، ويتزايدون انشطارياً بسرعة لا تُرى بالعين المجردة، وإذا قُدِّر لك وواجهت أحدهم بفعلته انتفض وخلط الأوراق، ثم جمع عليك "كارتل" نقابات ودواوين خريجي الجامعات المغشوشة، ليدافعوا عن أنفسهم وعن علمهم النافع وشهاداتهم المعترف بها من المحاكم.

لذلك وغيره، أظن أن الحملة لمواجهة التلاعب بالشهادات العلمية كبيرة علينا "حبتين" في الوضع الحالي، فحين كان الفساد مقصوراً على أصحاب الشهادات الحقيقية، وهواية خاصة لنخب مميزة تعرف ما تريد، أو لأفراد معدودين لا يتعدى طموحهم تخطي دور هنا، أو تمرير مخالفة هناك، لم نستطع كبحه أو تنظيمه على الأقل، فما بالكم الآن وقد تغلغل ذوو الشهادات المشكوك في أمرها بأجهزة الدولة، وقرروا وضع "خبراتهم" الأكاديمية موضع التنفيذ والممارسة في خدمة الوطن، ومن خلفهم نواب وسياسيون ومنتفعون يحمون ظهورهم، فقد نحتاج حينئذٍ، لو صدقنا في حربنا المزعومة تلك، إلى مجمعات سجون أكبر من الأفنيوز، ثم يجب ألا يفوتنا أن مناقصة بناء هذه السجون قد لا تخلو أيضاً من لمسة الفساد التاريخي المعتاد، والذي قد يعطل إنهاءها لسنوات، كحال الكثير من المشاريع التي تعرفونها، فالمُحارِب ليس بأفضل من المُحارَب في غالب الأحوال، والفاسدون بعضهم أولياء بعض، كما تعلمون بالتأكيد، بحكم خبراتكم المتوارثة على هذه الأرض الطيبة، لذا فلابد من الوصول إلى حلول بديلة تقلل التكلفة المالية والزمنية والاجتماعية، وتقضي على المشكلة من أساسها.

لكل ما سبق، وعوضاً عن تكبير الموضوع، وحرصاً على السلم الاجتماعي وسمعة "عيال الناس"، وبدلاً من إرهاق المحاكم والسجون بهم وبشهاداتهم، وطالما أنهم مقتنعون بأنفسهم وبشهاداتهم وبما تحصَّلوا عليه من علوم نافعة، فإني أقترح مُجازاتهم بذات فعلهم، فهم قد جاؤوا بشهادة مغشوشة ليتحصَّلوا بها على المكانة أو المال، فليكن، ولنعطهم ما يريدون، ونبني لهم مجتمعهم المزيف الخاص بهم- ولا يهون مجتمعنا- والجزاء من جنس العمل، فننشئ لهم مدينة خاصة بهم، على غرار المدن الطبية والرياضية، ولنطلق عليها، مثلاً، مدينة التزوير، أو المدينة العلمية، فنؤسس لها بالبداية هيئة خاصة يتكوَّن مجلسها من قدامى مزوري الشهادات، ونُرسي بعد ذلك أمر مناقصة إنشائها لأحد كبار المقاولين المعروفين بسوء المصنعية والغش التجاري، ليبنيها وفقاً لأحدث تصميمات أحد خريجي الجامعات المضروبة ممن يسهل على أمثالهم استخراج التصاريح المطلوبة من جهاز البلدية المحترم، وأكاد أجزم بعدها بأنه بفضل جهودهم المشتركة وتعاونهم اللوجيستي سينهون مشروعهم قبل المطلاع والجُزر والحرير والمطار الجديد وكأس العالم القادمة.

وبعد تمام المشروع نسكُّ لهم عُملة نقدية مزيفة خاصة بهم نفس "المونوبولي"، ونقصر الدخول للمدينة على أصحاب الشهادات المزورة والوهمية ومَن يبررون لهم ويدافعون عنهم، مع إمكانية منح استثناء خاص لذوي الإعاقات المزورة بحُكم القرابة، ونتركهم بعد ذلك يتعايشون ويتكاثرون بسلام، ليمارسوا على بعضهم ما تحصَّلوا عليه من علوم ومعارف، فيعالج طبيبهم مهندسهم، ويدافع محاميهم عن مجرمهم، ويدرِّس مدرِّسهم أبناءهم، ويطيرون مع طياريهم بطيارات تمَّت صيانتها بأيدي مهندسيهم، ويعيشون بسبات ونبات يكسبون أموالهم، والكل ينادي الآخر يا دكتور، مع غمزة خفيفة بالعين اليسار، وتستمر حياتهم، بفضل التعاضد المهني والتكافل الاجتماعي والتعاون العلمي بينهم بعيداً عنا، وبذلك ترتاح جميع الأطراف، وبلا معارك ولا مزايدات ولا فضائح، والسلام عليكم.

back to top