الرأفة... نحتاجها كباراً وصغاراً

نشر في 28-07-2018
آخر تحديث 28-07-2018 | 00:05
 عبدالهادي شلا الرأفة شعور وإحساس عال لا يخلو منه قلب، سواء كان إنسانا أو حيوانا، كل بشكل مغاير ونسب متفاوتة، وهذه المشاعر نلاحظها ونجدها بيننا ونحن نراقب سلوكيات البشر وبعض الحيوانات الأقرب إلى صفات الإنسان أو تعيش معه في ألفة، فكل الشرائع أوصت وحثت على الرأفة وتفشي المحبة والسلام بين البشر، لذلك حرصت الأمم وعبر العصور أن تشرع القوانين التي تصُد القـُساة من البشر وتحول بين بطشهم وقسوتهم وبين ضعفائهم أو من لا يقدرون على الدفاع عن أنفسهم.

من هذه الشرائع استمدت الأمم قوانينها الإنسانية، وأقرتها مجتمعة في ميثاق الأمم المتحدة، وَمـَنْ أحق بالرأفة والعطف من الأبوين؟! فقد حرصت الأمم وعبر العصور على أن يكون لهما في الكبر، على وجه الخصوص، رعاية خاصة ملزمة للأبناء برد الجميل لهما.

ومهما قال الحكماء والفلاسفة من مواعظ وتوصيات بضرورة وجوب الالتفات إلى حاجة الآباء وكبار السن من الرعاية والعطف فلن تصل إلى مرتبة ما أمر الله به وأوجبه على كل ابن أو بنت نحو أبويه: «فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً»، وأوصى بالنصح لهما وهو نوع من البر والرأفة حين قال: «وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً».

في كثير من الدول نجد رعاية خاصة لكبار السن وتأميناً اجتماعياً، وذلك بتخصيص معاشات شهرية تحفظ لهم حياتهم وكذلك رعاية مميزة بإنشاء بيوت خاصة للعجزة منهم وأصحاب الاحتياجات الخاصة الذين لا يقدر الأبناء على القيام بها، وتوفر لهم العلاج والدواء مجانا.

ولا يقتصر هذا على الإنسان العاجز والكبير الذي لا يقوى على الحياة بشكل طبيعي بل كذلك تقوم الدول بتوفير الرعاية للحيوان، ولا تكاد دولة تخلو من جمعية للرفق بالحيوان، بل أكثر من هذا، في بعض الدول تقدم الرعاية الطبية والإيواء للحيوانات، ونحن نعرف أن بعض البلاد لا يكاد بيت فيها يخلو من قط أو كلب أو حيوان أليف إذ يلقى المأوى والرعاية الطيبة حتى أصبح هذا من سمات تلك المجتمعات.

في عهد الخليفة عمر بن الخطاب كان هناك بيت يسمى «بيت الكلاب الضالة» مخصص لإيواء الكلاب التي لا صاحب لها، وكانت تقدم لها الرعاية والطعام وتـُعطى لمن يحتاجها مجاناً، حيث كانت الكلاب تؤدي دور الحراسة ومرافقة الرعاة مع أغنامهم، وقد يكون هذا أول مشروع إنساني يقام لرعاية الحيوان قبل أن تعرفه الأمم الحديثة التي نرى بعض مشاهير الفن فيها قد نذروا حياتهم لهذا النوع من الرعاية.

ففي عام 1974 اعتزلت الممثلة والمغنية الفرنسية «بريجيت باردو» عالم الأضواء وكرست حياتها للدفاع عن حقوق الحيوانات، وتولت المطالبة بالدفاع عن حقوق الحيوانات، وفي عام 1987 انخرطت في جمعية عالمية تدافع عنها وأصبحت قدوة للكثيرين ممن أرادو أن يقلدوها بعد أن تأثروا بعملها الإنساني نحو الحيوانات.

صعوبة الحياة الحديثة ومتطلباتها الكثيرة تلزم الأبناء خاصة والمجتمع عامة بضرورة الاهتمام بكبار السن وعدم التهاون في مساعدتهم أو الضجر من طلباتهم، فهذا حقهم على الجميع بعد أن أعطوا في شبابهم للأسرة والمجتمع خير ما عندهم من قدرات وتضحيات.

هذا يعني ألا فضل لابن أو بنت على أب أو أم إن أطاع، بل هو يطيع الله قبل أن يطيع ضميره وقلبه ومشاعره: «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً».

وبقدر ما نؤدي الرأفة نحو الآخرين كبارا أو صغارا، فنحن نحتاجها في أي وقت، وستكون حاجتنا إليها أكثر كلما تقدم بنا العمر، فلنعمل لغدنا ولنزرع الخير حتى نجده ونحصد ثمره!

* كاتب فلسطيني- كندا

back to top