دماغنا... ما مدى اختلافه بين الرجل والمرأة؟

نشر في 25-07-2018
آخر تحديث 25-07-2018 | 00:00
No Image Caption
هدفت دراسات عدة إلى تفحّص الاختلافات الكامنة بين دماغ الرجل ودماغ المرأة. لكن نتائجها تتفاوت كثيراً أو نلاحظ تناقضاً كبيراً في تفسير اكتشافاتها الرئيسة.
في الدراسات الراهنة، تأمل الباحثون الاختلافات الفزيولوجية بين دماغ الرجل ودماغ المرأة، ثم درسوا أنماط النشاط في أدمغة المشاركين من الجنسين بغية تحديد ما إذا كان الرجال والنساء يتفاعلون مع المحفزات الخارجية والمهام المعرفية والحركية ذاتها بالطريقة عينها.

أخيراً، نشأ السؤال: هل يؤثر أي من هذه الاختلافات في الطريقة التي يؤدي بها الرجال أو النساء المهام ذاتها؟ وهل ينعكس أي من هذه الاختلافات في قابلية الرجال في مقابل النساء لاضطرابات الدماغ المختلفة؟

لا يتوصل العلماء غالباً إلى أجوبة واضحة، ويميلون إلى الاختلاف حول عدد من الأوجه الأساسية، مثل: هل ثمة اختلافات فزيولوجية ملحوظة بين دماغ الرجل ودماغ المرأة؟

نعرض فيما يلي بعض أحدث الدراسات التي تتناول هذه الأسئلة، ونمنحك لمحة شاملة عن موقف البحوث اليوم من هذه المسألة.

هل ثمة اختلافات في تركيبة الدماغ؟

يزداد في الآونة الأخيرة اعتماد المقالات على شبكة الإنترنت والكتب العلمية الموجهة إلى العامة على الدراسات العلمية الجديدة بغية الحصول على توضيحات سهلة وسريعة عن «لمَ يأتي الرجال من المريخ والنساء من الزهرة»، حسبما يشير كتاب حقّق أعلى المبيعات عن إدارة العلاقة بين الجنسين.

من هذه الأمثلة كتاب صدر عن معهد «غوريان» يشدِّد على ضرورة التعاطي مع الأطفال الذكور والأطفال الإناث بطريقة مختلفة بسبب اختلافاتهم العصبية الكامنة. ويؤكد معدو الكتاب أن التربية التي لا تميّز بين الجنسية ربما لا تكون صحية.

هل السيارات للصبية والدببة للفتيات؟

يذكر أيضاً الدكتور نيراو شاه، بروفسور متخصص في علم النفس والعلوم السلوكية في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا، أن عدداً «من أنماط السلوك الأساسية، التي تُعتبر ضرورية للاستمرار والانتشار» وترتبط بالتكاثر والحفاظ على الذات، يختلف بين الرجال والنساء.

يتابع موضحاً أن أنماط السلوك هذه «فطرية لا مكتسبة «في الحيوانات»، لذلك يُفترض أن تكون الدارات المعنية جزءاً عضوياً تطوَّر في الدماغ، ومن المتوقع أن تختلف باختلاف الجنس الذي نتأمله».

تأتي أمثلة رُبطت بهذه «الاختلافات الفطرية» غالباً من دراسات شملت رئيسات متنوعة، مثل قردة المكاك الريسوسي. قدّمت إحدى التجارب للقردة الذكور والقردة الإناث ألعاباً تقليدية للفتيات («محشوة») وللفتيان («مدولبة») وراقبت نوع الألعاب التي يفضلها كل منها.

اكتشف فريق الباحثين أن ذكور المكاك الريسوسي مالت طبيعياً إلى الألعاب «المدولبة»، في حين اختارت الإناث عموماً اللعب «المحشوة».

اعتبر الباحثون أن هذه إشارة إلى أن «الفتيان والفتيات «ربما» يفضلون نشاطات جسدية مختلفة تتطلّب أنماط سلوك مغايرة ومستويات مختلفة من إنفاق الطاقة».

توصل باحثون من المملكة المتحدة إلى نتائج مماثلة في دراسة تناولت فتياناً وفتيات تتراوح أعمارهم بين 9 و32 شهراً، علماً بأن الأولاد في مرحلة مماثلة يكونون أصغر من أن يكوّنوا أفكاراً نمطية عن الجنس، وفق الباحثين.

عُزيت الاختلافات الظاهرية في التفضيلات إلى تراكيب تفاضلية في دماغ المرأة مقابل الرجل. ولكن ثمة فيض من الانتقادات التي تنصبّ على وجهة النظر هذه.

لدحض الدراسات التي تُجرى على القردة، يؤكد بعض الخبراء أن هذه الحيوانات وغيرها قد تكون مشابهة جداً للإنسان من وجهة النظر البيولوجية، إلا أنها ليست بشراً في النهاية. لذلك من الخطأ الاستناد في فهمنا الرجل والمرأة إلى غرائز الحيوانات الذكور والإناث.

أما بالنسبة إلى الدراسات التي تشمل أطفالاً وأولاداً صغاراً، فيشير الباحثون إلى عدد من الثغرات. يعتبر البعض أن الفتيان والفتيات يستطيعون تكوين أفكار نمطية عن الجنس مع بلوغهم سنتهم الثانية، فضلاً عن أن تفضيلهم اللعب «الصبيانية» أو «البناتية» يتأثر بطريقة تفاعل ذويهم معهم، حتى لو لم يدرك الأهل أنفسهم دوماً أنهم ينقلون أفكاراً نمطية.

علاوة على ذلك، من الممكن تعليل وجهة النظر التي «ولّدت» تلك التفضيلات من خلال النشاط الهرموني. لذلك تبقى الاختلافات بين دماغَي الرجل والمرأة مثيرة للجدل.

هل ثمة أنماط نشاط مختلفة في الدماغ؟

رغم ذلك، تشير دراسات عدة إلى أنماط نشاط مختلفة في دماغ الرجل مقابل المرأة عند مواجهتهما المهمة ذاتها أو المحفّز عينه، من بينها:

التنقل البصري المكاني

قيّمت إحدى الدراسات نشاط الدماغ المرتبط بالتنقل البصري المكاني في كل جنس. استخدم الباحثون التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي بغية مراقبة كيفية تفاعل أدمغة الرجال والنساء عند مواجهتهم متاهة. كان على المشاركين من الجنسين في هذا النشاط الخروج من متاهة افتراضية معقدة.

لاحظ الباحثون في حالة الرجال أن الحصين الأيسر المرتبط بالذاكرة التي تعتمد على الإطار العام نشط بشكل تفاضلي. ولكن في حالة النساء، شملت المناطق التي نشطت خلال هذه المهمة القشرة الجدارية الخلفية اليمنى، التي ترتبط بالإدراك المكاني، والضبط الحركي، والانتباه، والقشرة الجبهية الأمامية، التي ترتبط بالذاكرة الانتيابية.

اكتشفت دراسة أخرى «اختلافات بارزة إلى حد ما» في نشاط الدماغ أثناء الراحة بين الرجال والنساء. عندما يكون الدماغ في حالة راحة، يشير هذا إلى أنه ليس مسؤولاً عن أية مهمة مباشرة، إلا أن ذلك لا يعني البتة أنه غير نشيط.

يهدف مسح الدماغ «أثناء الراحة» إلى كشف أي نشاط «أصيل» في ذلك الدماغ يحدث عفوياً. عند تأمل أوجه الاختلاف بين أدمغة الرجال وأدمغة النساء «أثناء الراحة»، لاحظ الباحثون «نمطاً معقداً، ما يشير إلى أن عدداً من الاختلافات في السلوك بين الجنسين ينبع على الأرجح من نشاط الدماغ أثناء الراحة». ولكن إلامَ تفضي هذه الاختلافات في السلوك؟ ما زال الجواب مثار جدل كبيراً.

إشارات اجتماعية

على سبيل المثال، أظهرت تجربة هدفت إلى تقييم رد فعل الرجال والنساء تجاه تهديد ظاهري تمتُّع النساء بقدرة أفضل على تقييم هذا التهديد. اكتشفت هذه الدراسة، التي اعتمدت على التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لمسح نشاط دماغ مراهقين وبالغين من الجنسين، أن النساء البالغات تمتعن برد فعل عصبي قوي تجاه إشارات التهديد البصرية الغامضة، في حين أعرب الرجال البالغون، والمراهقون من كلا الجنسين، عن رد فعل أكثر ضعفاً.

وفي السنة الماضية، أشارت دراسة إلى أنماط تعاون مختلفة بين الرجال والنساء، مقدّمةً تفسيرات عصبية كامنة محتملة.

راقب الباحثون عدداً من الأزواج (بعضهم من الرجال فقط والبعض الآخر من النساء فقط، وآخرون من النساء والرجال معاً) فيما راحوا ينفذون المهمة البسيطة عينها التي تتطلب التعاون والتنسيق.

جاء أداء الأزواج التي تألفت من الجنس نفسه أفضل من الأزواج التي ضمّت الجنسين معاً. لكن الانسجام بين الأدمغة (أي التنسيق النسبي للنشاط العصبي بين دماغَي الثنائي الذي يؤدي المهمة) لوحظ في مواضع مختلفة من أدمغة الأزواج الرجال مقارنة بالنساء.

على نحو مماثل، كشفت دراسة أخرى، استخدمت أيضاً التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، اختلافات بارزة في كيفية تنظيم المهام بين الرجال والنساء. يوضح الباحثون أنهم رأوا أنماط نشاط مختلفة في شبكات أدمغة الرجال والنساء، ما يرتبط باختلافات بارزة في السلوك بينهما.

اضطرابات الدماغ

في المقابل، يواصل علماء كثيرون الإشارة إلى أدلة تُظهر أنماطاً فزيولوجية مختلفة بين أدمغة الرجال وبين أدمغة النساء، ما يؤدي إلى تفاوت واضح في مدى تعرضهما للأمراض العصبية المعرفية، فضلاً عن مشاكل صحية أخرى.

على سبيل المثال، تشير دراسة غطتها أخيراً شبكة MNT إلى أن الخلايا الدبقية (وهي خلايا متخصصة تنتمي إلى جهاز المناعة في الدماغ) تبقى أكثر نشاطاً في حالة النساء، ما يعني أنهن أكثر عرضة للألم المزمن مقارنةً بالرجال.

لكنّ تحليلاً آخر لصور دماغ الجنسين يُظهر أن النساء يتمتعن بنشاط أعلى في عدد أكبر من مناطق الدماغ مقارنةً بالرجال.

يذكر الباحثون أن هذا النشاط الأعلى، خصوصاً في القشرة الجبهية الأمامية والمناطق الحوفية، يرتبط بضبط الميول وتنظيم المزاج، ما يعني أن النساء أكثر عرضة لاضطرابات المزاج كالكآبة والقلق.

أنماط نشاط مختلفة

تُناقض دراسة أجريت أخيراً فكرة وجود اختلافات وظيفية أساسية. حلّل الباحثون صور أكثر من 1400 دماغ بشري التُقطت بالرنين المغناطيسي وجُمعت من أربع قواعد بيانات مختلفة، ويؤكدون: «مهما كانت الاختلافات الفزيولوجية بين أدمغة الرجال وأدمغة النساء، فإنها لا تشير إلى أنماط سلوك وتكيّف اجتماعي كامنة خاصة بكل جنس».

لا يختلف حجم المادة البيضاء والرمادية في أدمغة الناس من الجنسين كثيراً، حسبما كشفت الدراسة. بالإضافة إلى ذلك، يشير الباحثون إلى أن «البشر يملكون مجموعة متنوعة من الخصال الشخصية، وأنماط السلوك، والاهتمامات، والمواقف» تنسجم كلها مع الخصال الفزيولوجية الفردية وتتناقض مع وجهة النظر الثنائية عن «الرجولة» و«الأنوثة».

يضيفون: «يقوّض غياب الثبات الداخلي في الدماغ البشري والخصائص المرتبطة بالجنس وجهة النظر الثنائية بشأن الدماغ البشري والسلوك. علينا خصوصاً الانتقال من التفكير في أن الأدمغة تنقسم إلى فئتين، إحداهما خاصة بالذكور وأخرى بالإناث، إلى إدراك مدى تنوّع خصائص الدماغ البشري».

حالات «متحيزة للرجال» و«متحيزة للنساء»

يؤكد تحليل شامل ضمّ دراسات عن الاختلافات المرتبطة بالجنس في الدماغ أن الرجال والنساء معرضون لاضطرابات دماغ مختلفة كثيراً.

يذكر الباحثون: «تشمل الحالات الأكثر انتشاراً بين الذكور التوحّد، واضطراب نقص الانتباه/ فرط النشاط، واضطراب السلوك، وإعاقات محددة ترتبط باللغة، ومتلازمة توريت، وعسر القراءة. أما الحالات الأكثر انتشاراً بين الإناث، فتضم الكآبة، والقلق، وفقدان الشهية العصبي».

نتيجة لذلك، يشدِّد الباحثون على أهمية أخذ الاختلافات الفزيولوجية في الاعتبار بغية تحسين المقاربات الوقائية والعلاجات.

في دراسة سابقة، لاحظ الباحثون أيضاً أنماطاً مختلفة في القابلية لاضطرابات الدماغ بين الجنسين، إلا أنهم أقروا ببعض الحدود البارزة التي اصطدمت بها الدراسات.

أولاً، ذكر الباحثون أن دراسات سابقة كثيرة لم تنجح في استقطاب العدد ذاته من المشاركين من كل جنس، ما أدى إلى تحيز إلى أحد الجنسين. علاوة على ذلك، أوضحوا: «لما كانت النساء عموماً يطلبن العلاج أكثر من الرجال، فيسهل على الباحثين إقناعهن بالمشاركة في الدراسات».

يقر الباحثون أيضاً أن «هذين العاملين ربما يقودان إلى عينة مرضى تفتقر إلى توزيع متوازن بين الجنسين». رغم ذلك، يؤكدون أن النتائج التي توصلت إليها الدراسات تظل أكيدة.

يشدِّد الباحثون، مشيرين إلى فيض من الدراسات توصلت إلى التفسير ذاته، على أن «التطابق بين الجنسين أساسي في دراسات التصوير الوظيفي السريرية، وأنه يدعم فكرة دراسة الرجال والنساء كمجموعتين مختلفتين».

إذاً، هل تؤدي الاختلافات في الدماغ دوراً أساسياً في طريقة عمل الرجال والنساء؟ يبقى الجواب «ربما». صحيح أن دراسات كثيرة أظهرت اختلافات في أنماط النشاط في الدماغ، إلا أنها لا تقود بالضرورة إلى اختلافات في الأداء عند إنجاز مهمة ما.

في المقابل، ربما من المهم من وجهة النظر الصحية أخذ الاختلافات بين الجنسين في الاعتبار بغية تطوير أفضل خطة علاج ممكنة لمختلف الأفراد.

*ماريا كوهوت

النساء أكثر عرضة للألم المزمن مقارنةً بالرجال

النساء أكثر عرضة مقارنة بالرجال لاضطرابات المزاج كالكآبة والقلق
back to top