سور الصين العظيم

نشر في 24-07-2018
آخر تحديث 24-07-2018 | 00:09
سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، شد الرحال نحو طريق الحرير حتى جاوز سور الصين العظيم في رحلة تاريخية أعادت جميع الحسابات، وتم التوقيع على "سبع اتفاقيات" يغلب عليها الطابع الاقتصادي والاستثماري، ليعيد بناء تلك العلاقة التاريخية بين الصين والعالم العربي.
 يوسف عبدالله العنيزي في بدايات القرن التاسع عشر شهدت منطقتنا الخليجية صراعاً حاداً وعنيفاً بين القوى العظمى المعروفة في ذلك الوقت، والمتمثلة بالإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية العثمانية وألمانيا وفرنسا وبعض القوى الإقليمية التي كانت تبحث عن مكان لها تحت الشمس.

في ظل تلك الأوضاع الصعبة والتيارات الجارفة تعرضت الكويت للكثير من الأخطار التي كانت تهدد وجودها، مما دفع الشيخ مبارك الصباح (مبارك الكبير) الذي كان يتمتع بحنكة ودهاء إلى التفكير في الإبحار في ذلك البحر اللجيّ للحفاظ على الكويت وسلامة أرضها وشعبها، وكان أمامة خياران؛ إما الاتجاه نحو بريطانيا العظمى التي كانت شمسها في مرحلة الشروق والقوة، وإما الاتجاه نحو الإمبراطورية العثمانية التي كانت شمسها تتهادى نحو الغروب، إضافة إلى أن الاتجاه نحو الإمبراطورية العثمانية سيعني بالضرورة الانصهار في الخلافة الإسلامية نظراً لما يمثله الدين من محرك للمشاعر والعواطف.

وبدهاء السياسي المحنك اتجه الشيخ مبارك الكبير لعقد اتفاقية الحماية مع بريطانيا العظمى، وذلك بتاريخ 23/ 1/ 1899 على أن تقوم بريطانيا بموجبها بتقديم الحماية لإمارة الكويت وإدارة شؤونها الخارجية، ويقوم الشيخ مبارك وذريته بإدارة شؤون الإمارة الداخلية.

وبهذه الاتفاقية استطاع الشيخ مبارك الصباح الحفاظ على استقلالية القرارات الداخلية التي وضع، بناء عليها، الخطوط العريضة لنظام الدولة الحديثة، التي كانت مثالاً ليس له مثيل في المنطقة، ولعل ذلك ما جعله في مواجهة دائمة مع بقية الأنظمة المحيطة.

وما أشبه اليوم بالبارحة، فقد استقطبت منطقتنا صراع الدول الكبرى، ودخلت إلى الساحة قوى عظمى متمثلة بالولايات المتحدة الأميركية وجمهورية روسيا الاتحادية ودول أوروبا، وبروز دول إقليمية دخلت في تنافس حاد فيما بينها لزعامة المنطقة، واستخدمت تلك القوى كل الإمكانات المتاحة بما فيها الدخول في تحالفات دولية، وفي اعتقادي أن هذه القوى لن تدخل في مواجهات عسكرية مسلحة، وذلك يرجع لقوة الردع بينها.

وفي ظل هذه الأوضاع المتشابكة والصراعات الحادة استمرت دولة الكويت في حيادها، فلم تنجرف إلى أي من التحالفات، وحافظت على سياستها المتوازنة، ورغبة في تأكيد استقلالية قراراتها وسياسة التوازن التي حازت تقدير العالم واحترامه، فتصدى لهذه الأوضاع حفيد الشيخ مبارك الكبير سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، وبما عرف عنه من حكمة وخبرة سياسية.

فكان قائداً لقطار الدبلوماسية العالمية على مدى عقود من السنين، وقام، حفظه الله وبكل هدوء، بإزاله التفكير في حصار دولة الكويت، ولم يكتفِ بذلك بل شد الرحال نحو طريق الحرير حتى جاوز سور الصين العظيم في رحلة تاريخية أعادت جميع الحسابات، وتم التوقيع على "سبع اتفاقيات" يغلب عليها الطابع الاقتصادي والاستثماري، ليعيد بناء تلك العلاقة التاريخية بين الصين والعالم العربي، وخصوصاً منطقة الخليج، ولتكون الكويت نقطة الانطلاق لهذه العلاقة المتميزة، مع التأكيد أن هذه العلاقة لا تعني بالضرورة أن تكون على حساب علاقات دولة الكويت مع الدول الأخرى.

ودعاء من قلب كل مخلص ومحب للكويت الغالية أن يحفظ الله سموكم ذخراً وسنداً للكويت وأهلها، وسدد الله خطاكم على دروب الخير، وحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top