رياح وأوتاد: الشهادات المزورة ومسلسل إفساد الشعب

نشر في 23-07-2018
آخر تحديث 23-07-2018 | 00:00
 أحمد يعقوب باقر في أحد أيّام مجلس 2006 كنت جالسا في مكتب الأخ عبدالله الرومي، فدخل علينا مجموعة من الشباب ومعهم عريضة لتوقيع النواب عليها، وكانت العريضة تطالب بأن يُقبل جميع الشباب الكويتيين الحاصلين على الدكتوراه ليكونوا مدرسين في جامعة الكويت، أو أن يُعطوا كادر الجامعة نفسه في أماكن عملهم الحاليّة. طبعاً لم يقُبل طلبهم لأن جامعة الكويت لها اشتراطات ممتازة في تحديد الجامعات التي ترسل مبعوثيها للحصول على الماجستير والدكتوراه منها.

وليس هذا الطلب المستغرب الوحيد الذي مر علينا في المجلس، فكثير من الطلبات الغريبة والضارة قد عرضت في السابق وحالياً، ومنها ما تم إقراره بقانون؛ مثل القانون الذي يرتب زيادة مالية قدرها 400 دينار لكل من حصل على شهادة الدكتوراه من أي جامعة في جهات معينة، ومنها الامتيازات الخاصة المغرية لمدّعي الإعاقة، ومنها ما لم يتم إقراره مثل أن تدفع الدولة من المال العام (مال الجميع) ديون المقترضين من البنوك التجارية، واقتراح إعادة الأموال التي أصبحت ملكاً للدولة إلى المفلسين مرة أخرى، ومنها كذلك عدم إسقاط الجنسية عن المزوّر الذي مر على تزويره خمس سنوات دون أن يُكتشف أمره، ومنها زيادات مالية وكوادر وإجازات مدفوعة دون استحقاق، وتقييم دقيق للعمل والإنتاجية، وكذلك واسطة المتنفذين وبعض الوزراء، وتدخلات النواب في تعيين من لا يستحق، والترقية والوظيفة القيادية، وهذه في العادة تسرع بها الشهادات العليا التي تجلب من الخارج سواء كان معترفاً بها أو غير معترف بها، وهنالك أيضاً الفرز، وهو أن يفرز الوزير عدداً من الموظفين المحسوبين عليه أو على أحد النواب للانتداب في مكتب الوزير دون أن يداوموا، والأخطر من هذا كله الاستجوابات التي وجهت لبعض الوزراء الذين تصدوا لبعض الممارسات غير المشروعة مثل استجواب الصبيح والحميضي وغيرهما.

وكل هذه الممارسات يكون عنوانها أنها من مصلحة المواطن الذي يستاهل أن يحصل على ما ليس له، وويلٌ لمن يرفضها فإنه يكون ضد المواطن ومصلحته، وكلهم يحتج بمبررات لا تنتهي بشرط أن يتحقق بها الاستحواذ على رأي الزميل عبداللطيف الدعيج.

هذا السيل من الاقتراحات، خصوصا ما أقر منها بسبب الحكومة أو المجلس أو ما سكت عنه الاثنان أنشأ اندفاعاً محموماً نحو التكسب غير المستحق، وطُبقت الأقوال التي كنّا نسمعها ونستنكرها في السابق مثل: "ربيع فائت"، و"خذ ما اتخذ"، و"من صادها عشى عياله". وضُرب بكل التحذيرات التي أطلقها المخلصون عرض الحائط، خصوصا ما يتعلق بالمصيبة الأعظم الآن وهي الشهادات غير المعترف بها والمضروبة.

وللأسف فإن تراخي بعض الوزراء أو الحكومة في التصدي لكثير من هذه الاستحواذات أدى إلى الطمع في المزيد، فقد سكتت الحكومة عن الغش في المدارس فتمخض ذلك عن الشهادات المضروبة، ثم تمادى ضعاف النفوس فسعوا إلى الشهادات المزورة، وسكتت الحكومة عن عدم دوام بعض الموظفين فأصبح الإعفاء من البصمة هدفاً لكثير من الموظفين، ولم تتصدَّ الحكومة لقوانين الاستحواذ في المجلس فتم تقديم المزيد منها، وسكتت أيضاً عن تدخل رجال السلطة التشريعية في عملها خصوصا القبول والتعيين والترقية فأصبح من يريد القبول أو الترقية في بعض الجهات لابد أن يتوجه إلى النائب أولاً، وسكتت بل ساعدت بعض المتنفذين في الاستحواذ على الأراضي العامة فاندفع آخرون في البحث عن واسطة أو تزوير للحصول على الحيازات الزراعية أو غيرها، وسكتت عن مدّعي الإعاقة فوصلت الأعداد إلى أرقام فلكية، وضعفت رقابة كبار المسؤولين الكويتيين في معظم الدوائر الحكومية فنشط المتحايلون والمزوّرون من الكويتيين والوافدين فتلاعبوا بالحواسب الآلية وأدخلوا في الأنظمة غشاً وتزويراً في الجنسية والشهادة وحتى الأنساب.

لذلك شكك كثير من المتابعين في جدية الحكومة والمجلس في مواجهة هذا الملف حتى نهايته، وعلى حد تعبير الأخ مشاري العنجري: "احتقار السلطة للقانون يترك الأمور عرضة لعدالة الغوغاء".

والخلاصة فإن ما تعانيه الكويت اليوم ليس مجرد اكتشاف شهادات مزورة بل هو مسلسل مستمر لإفساد شعب بأكمله.

back to top