نجاح الشراكة مع الصين يتطلب استقراراً في العراق وإيران

مبررات أهمية موقع الكويت الجغرافي اختلفت حاضراً بسبب تطور وسائل النقل والاتصال

نشر في 22-07-2018
آخر تحديث 22-07-2018 | 00:02
No Image Caption
ذكر «الشال» أن عنصر القوة في شراكة الصين مع الكويت، يكمن في موقع البلاد الجغرافي، وتلك القوة في القديم كانت لمبررات اختلفت عن الحاضر، بسبب تطور وسائل النقل والاتصال، وباتت كامنة في شمال الكويت.
استكمل تقرير "الشال" عرضه لموضوع الشراكة مع الصين الذي عرض له في الأسبوع الفائت، مذكرا بأنها شراكة سعت لها الكويت في توجه صحيح، لكنها شراكة ضمن استراتيجية صينية بعيدة المدى، هدفها عودة السيادة الاقتصادية إلى الشرق بتفوق وقيادة الصين، ليعود الوضع كما كان منذ قرنين من الزمن.

ولكي تنجح أي شراكة، لا بد أن تبنى على أفضلية الكويت فيما تملك من مناحي القوة والميزة النسبية، وحتى هذه اللحظة، تتفوق دولة الإمارات، التي زارها الرئيس الصيني الأسبوع الفائت لنفس الغرض، في شراكتها التجارية مع الصين على كل المنطقة العربية.

فشراكة الصين الاستراتيجية مع الإمارات بدأت عام 2012، ومن ضمن نتائجها الحالية، منح الصين امتيازات في حقول نفط أبوظبي البرية بنحو 12 في المئة، والبحرية بنحو 10 في المئة، وميناء خليفة المشترك الإدارة بطاقة 2.4 مليون حاوية سنوياً، وسوف يفتح في عام 2019، والإمارات مقصد لمليون سائح صيني و3.5 ملايين عابر ترانزيت في عام 2017، ذلك كله، إلى جانب اتفاقات ضخمة في حقل الطاقة النظيفة واتفاقات مالية ونقدية.

وقال "الشال": عنصر القوة في شراكة الصين مع الكويت، يكمن في موقع الكويت الجغرافي، كانت تلك القوة في القديم لمبررات اختلفت عن الحاضر، بسبب تطور وسائل النقل والاتصال، وباتت كامنة في شمال الكويت.

وأهمية شمال الكويت تأتي من جوارها لنحو 121 مليون نسمة حالياً، نحو 39 مليونا في الشمال، أي في العراق، ونحو 82 مليونا في الشرق، أي في إيران.

وبسبب عنف العقود القليلة الماضية، أصبحت هاتان الدولتين مع الأسف، متخلفتين في وضع بناهما التحتية، وحاجتهما كبيرة إلى منافذ مساندة لتزويدهما باحتياجاتهما السلعية والخدمية المتطورة، وما لم تبني الكويت شراكتها مع الصين على إمكانات التمدد الجغرافي في خدماتها إلى الشمال والشرق، فسوف تفقد أهم المزايا النسبية المتوافرة لها من هذه الشراكة، ولن تتمكن من تسويق ما يشبع مصالح الصين.

وشدد "الشال" على أن مبرر هذه المقدمة، هو ما جرت عليه العادة في الكويت من غلبة العاطفة على الوعي الاستراتيجي لمصالح المدى الطويل، وما قد يعزز ذلك، هو ما يمكن أن يجعل من أحداث العنف الحالية في العراق، وتحديداً في جنوبه المجاور، وفي إيران، مبرراً لأخذ موقف مناهض لبناء الشراكة على ذلك الامتداد الجغرافي.

وما سوف نحاول الاجتهاد في تغطيته في فقرتين من هذا التقرير، هو تحليل الأوضاع الاقتصادية والمالية الحالية لكل من العراق وإيران، والتي ربما قد تسوء على المدى القصير، ولكن خيارنا الاستراتيجي من الواجب ألا يتغير لتحقيق أهداف المدى المتوسط إلى الطويل.

وخيارنا الاستراتيجي هو النأي الكامل عن التدخل في الشأن الداخلي لأي منهما، والعمل على دعم التهدئة فيهما، وربما المساعدة عند الحاجة إلى أسباب إنسانية ومصلحية. فالاستدامة الاقتصادية للكويت، ومعها الاستقرار السياسي، مرتبطان على المديين المتوسط والطويل، على نجاح علاقة مصالح تربطها بالبلدين، وفي الأمل والعمل على دعم استقرارهما وازدهارهما.

العراق والشراكة

وبين "الشال" أنه من نظرة على الأرقام والمؤشرات الاقتصادية والمالية، لا يبدو أن الوضع العراقي سيئ، ذلك صحيح لعام 2017، وحتى أفضل لعام 2018 وما بعد، ورغم ذلك، بدأت أعمال عنف صاخبة وحاشدة بدءا من جنوبه، أي المناطق الجغرافية المتاخمة للكويت.

الأرقام، وفقاً لتقرير يونيو لوحدة المعلومات لمجلة الإيكونومست، تذكر بأن الاقتصاد العراقي سيحقق نمواً حقيقياً موجباً بنحو 1.1 في المئة في عام 2018، يقفز إلى 5.6 في المئة في عام 2019، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2018 يبلغ بالدولار الأميركي مقوماً بقوته الشرائية -ppp- نحو 16.8 ألف دولار وهو معدل مريح.

وإنتاج النفط سيراوح حول 4.4 ملايين برميل يومياً في عام 2018، وعليه، وخلافاً لعجز كبير متوقع في تقديرات مشروع الموازنة الحالي على سعر لبرميل النفط بحدود 43.4 دولارا، بلغ متوسط سعره الحقيقي حتى شهر يونيو نحو 61.2 دولارا، بما ينتج عنه احتمال تحقيق الموازنة العامة فائضا بحدود 2.1 مليار دولار، بدلا من عجز افتراضي بحدود 19.3 مليارا.

والتضخم بحدود الصفر -0.3 في المئة -، وسعر الفائدة الأساس منخفض عند نحو 4 في المئة، وسعر صرف الدينار العراقي مستقر تقريباً وبحدود 1.884 دينار لكل دولار، أو نحو 6.000 دينار عراقي لكل دينار كويتي.

والموازين الخارجية في فائض، مثل صافي التعاملات مع العالم الخارجي أو الحساب الجاري، الذي من المتوقع له أن يحقق في عام 2018 فائضاً بحدود 29.8 مليار دولار. حالة سلبية واحدة تحتاج إلى علاج، وهي ارتفاع قيمة الدين الخارجي البالغة في عام 2018 نحو 79.6 مليار دولار، ومستحقات سداد أقساطه وفوائده البالغة نحو 5.8 مليارات، أو نحو 13.4 في المئة من جملة الإيرادات العامة المتوقعة لهذه السنة، وحجم الدين الخارجي أكبر من احتياطيات النقد الأجنبي البالغة نحو 53.6 مليار دولار.

وأشار "الشال" الى أن في العراق نحو 39 مليون نسمة، أغلبيتهم الساحقة باختلاف دياناتهم ومذاهبهم وأعراقهم، تشكو من شح الضرورات، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة وسوء توزيع للدخل، ولعل الأهم استشراء كبير للفساد، وتلك مكونات حالات الانفجار في أي بلد في العالم، وهو ما نشاهد مؤشرا له في العراق حالياً.

فالوفرة النسبية في الموارد، تحتاج إلى حصافة شديدة في توظيفها، بينما نزع العراق في إدارته إلى اللبننة - الديمقراطية اللبنانية - بعد الاحتلال الأميركي، والمحاصصة وصفة سحرية لسوء وفساد توظيف الموارد.

ولأن وضع العراق هش بسبب صراع مكوناته البشرية الثلاثة الرئيسة، ولأنه خارج من أتون حرب أهلية مدمرة، ولأن حروب الوكالة بتوظيف نظام المحاصصة تهديد مستمر، فإن من واجب الكويت أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر على المدى القصير.

إيران والشراكة

أفاد "الشال" بأن عدد سكان إيران يبلغ 82 مليون نسمة، أو أكثر قليلا من ضعف عدد سكان العراق، أي إن الثقل السكاني اللازم لدعم مشروع "المركز التجاري" في شمال الكويت، يعتمد بشكل أكبر على استقرار وازدهار إيران، تلك ليست تزكية للسياسات الإيرانية، ولكنها ركيزة لاجتناب ما هو أسوأ بكثير. والأوضاع الاقتصادية والمالية في إيران أكثر حرجا من تلك السائدة في العراق، وبعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي معها، وما ينشر حول قائمة العقوبات المنتظرة، ربما يؤدي إلى أن تصبح أوضاعها أكثر حرجاً، ولا نملك سوى أن نتمنى لها تجاوزها بأقل التكاليف.

وأضاف أن وضع الاقتصاد الإيراني من قراءة لنفس المصدر، أي وحدة المعلومات لمجلة الإيكونومست في يونيو الفائت، يبدو صعبا، وسيزداد صعوبة على المدى القصير. فالنمو لعام 2018 بحدود 1.9 في المئة، ويتحول إلى نمو سالب وبحدود -2.6 بالمئة في عام 2019، خلافاً للمسار المتوقع لنمو الاقتصاد العراقي.

والبطالة بحدود 10.7 في المئة، وبطالة الشباب أعلى بكثير، ويقدر التقرير ارتفاع المعدل العام للبطالة في عام 2019 إلى 13.6 في المئة، ويزيد من أثر ارتفاعها بلوغ معدلات التضخم نحو 12.7 في المئة و12.5 في المئة لعامي 2018 و2019.

ولعل فقدان الريال الإيراني نحو 26.5 في المئة من قيمته مقابل الدولار ما بين 2017 ويونيو 2018، كان سببا رئيسا في التظاهرات الشعبية الحاشدة الأخيرة، وهي الثانية في أقل من سنة، ولا يبدو أن حلاً لهذه المشكلة قريب التحقق، حيث يتوقع التقرير بلوغ سعر صرف الدولار نحو 60 ألف ريال بحلول عام 2021 من نحو 42 ألفا لكل دولار حالياً.

وأشار "الشال" إلى أنه لا أحد يعرف على وجه الدقة حدود، ومِن ثَم، أثر العقوبات الأميركية على إيران بحلول موعد الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأميركية في نوفمبر المقبل، ولكنها من المؤكد أن تزيد من حجم الضغوط الداخلية. ولا نعتقد أن من مصلحة الإقليم، وتحديداً الكويت، استمرار سوء الأوضاع هناك، لا من زاوية إنسانية، ولا من ناحية أمنية، ولا على حظوظ مشروع الشراكة مع الصين في النجاح، ولكنه احتمال تزداد فرصه مع الأسف، حتى العام المقبل على أقل تقدير.

أزمة العراق في إدارته لا موارده

بيّن "الشال" أن الأرقام توحي أن في العراق ذلك البلد ذي الحضارة بالغة العمق، ما يكفي لإصلاح أوضاعه وإعادة بنائه، ولأن أمننا الوطني وواجبنا الإنساني يتطلبان الوقوف معه ودعمه، نحن نعتقد أن الموقف الرسمي صحيح من زاوية تحويل التزامات العراق المالية المستحقة للكويت إلى شراكات استثمارية، وصحيح بعرض تقديم الدعم الممكن له على المدى القصير لمواجهة معاناته.

ولأن أزمة العراق كامنة في إدارته وليس في موارده المادية والبشرية، يبدو من المرجح أن احتمالات تجاوزه لأزمته الحالية على المدى المتوسط هي الغالبة، وعلينا العمل ما استطعنا على تعزيزها.

اعتدنا غلبة العاطفة على الوعي الاستراتيجي لمصالح المدى الطويل
back to top