ما قــل ودل: على هامش التقاعد المبكر... كرواتيا درس للكويت

نشر في 22-07-2018
آخر تحديث 22-07-2018 | 00:10
كرواتيا هزت العالم بفريقها الرياضي وأعطت درسا للعالم كله ليس في كرة القدم فحسب، بل في السياسة والوطنية والإبداع والانتماء والإصرار على النصر، وفي ذلك درس للكويت لتشابههما في بعض الظروف، من حيث المساحة الصغيرة للدولتين وعدد السكان مع أن إمكانات الكويت أقوى.
 المستشار شفيق إمام كرواتيا حديث العالم

أبهرت كرواتيا العالم كله في مباريات كأس العالم لكرة القدم في روسيا، بصعودها إلى نهائي المونديال بخمسة وعشرين لاعبا، حققوا لها النصر على إنكلترا الدولة التي تنتمي إليها لعبة كرة القدم، وعلى روسيا صاحبة الأرض، وعلى دول كبيرة الحجم بمساحاتها الشاسعة وبأعداد سكانها، التي تربو على عشرات ومئات الملايين، لم يخرج من إحداها مثل هذا الفريق المقاتل الذي حقق النصر عليها جميعا بالصبر والعمل والإبداع، ولم يكن بينهم محمد صلاح الذي ذاع صيته وشهرته في العالم كله، كأفضل لاعب كرة قدم في العالم، لأن روح الفريق هي التي حققت لكرواتيا هذا النصر العظيم، وهي التي غابت عن الفريق المصري فخرج مبكراً، بالرغم من أن محمد صلاح كان أحد أفراده، وروح الفريق في نوادي إنكلترا وأوروبا هي التي خلقت من محمد صلاح النجم العالمي الذي تفرد بالنجومية في بضع سنوات في هذه النوادي.

وجاءت كولينا غرابان كيناروفيتش رئيسة كرواتيا إلى روسيا ضمن فريق المشجعين لتؤكد أن كرواتيا كلها كانت خلف فريقها تؤازره وتعضده وتشجعه، بروح الفريق أيضا، وأن أحداً من المشجعين لم يلق على فريقه حجراً عندما انتهت المباراة النهائية بخسارته أمام فرنسا التي حصلت على الكأس، فيكفيه شرف المحاولة.

درس للكويت

ولئن كانت كرواتيا قد هزت العالم بفريقها الرياضي وأنها أعطت درسا للعالم كله ليس في كرة القدم فحسب، بل في السياسة والوطنية والإبداع والانتماء والإصرار على النصر وعلى تحقيق المستحيل، إلا أنني أختص الكويت في هذا المقال بهذا الدرس لسببين:

أولهما: التشابه في بعض الظروف، فكرواتيا لا تزيد مساحتها كثيرا على مساحة الكويت، ولا يزيد عدد شعبها كثيرا على عدد شعب الكويت.

ثانيهما: التناقض في بعض الظروف، فكرواتيا لا تملك ما تملكه الكويت من إمكانات مادية ضخمة يؤهلها لها دخلها القومي الكبير، الذي يعتبر من أعلى معدلات دخل الفرد في العالم، الكويت بهذا الدخل وبهذه الإمكانات تستطيع أن تبهر العالم في أي مجال من المجالات، إذا تعهدت الدولة ثروتها البشرية بالرعاية والتشجيع والتعضيد وبثّ ثقافة العمل والإبداع في المجتمع، لأن هذه الثروة هي وحدها الباقية بعد نضوب النفط، وليس بتشجيع المواطنين على التقاعد المبكر.

الرعيل الأول وثقافة العمل

وقد كان المعلم الأول لقيمة العمل واحترامه هو الرعيل الأول، الذي غاص في البحار بحثا عن ثرواتها، وقد أحرقت الشمس محياه وحفر الجد معالمه في أساريره، عندما لم تكن قد ظهرت قطرة نفط واحدة في هذه البلاد، والنفط هو عبقرية المكان، ولكن يبقى الإنسان القادر على التفكير والخلق والإبداع، ليعوض بقدراته ما ينضب من مخزون النفط ولينمي بها ما بقي من هذا المخزون، ليصبح النفط داعما لنشاطه وإبداعه، بدلا من أن يكون عامل نخر يأكل الجد والصبر والمثابرة التي كان عليها الرعيل الأول، فتشيع آفات التواكل والاعتماد الكامل على الدولة في كل متطلبات الحياة، ولهذا حرص الرعيل الأول على أن يجسد في دستور الكويت (قيم العمل).

قيمة العمل في دستور الكويت

ويجسد دستور الكويت روافد هذه الثفافة من أن الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة (مادة 26).

- اعتبار العمل أحد المقومات الثلاث لكيان الدولة الاجتماعي (مادة 7)، يعترف به الدستور كحق فردي له وظيفة اجتماعية ينظمها القانون (مادة 16) تعمل الدولة على توفير خدمات التأمين الاجتماعي له (مادة 11).

- العمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين (مادة 41).

- ينظم القانون العلاقة بين العمال وأصحاب العمل على أسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية (مادة 22).

- الاقتصاد الوطني هدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين، في حدود القانون (مادة 20).

تشجيع البحث العلمي

ولم يغفل الرعيل الأول العلم باعتباره ركنا أساسيا لتقدم المجتمع، وفقا لنص المادة (13) من الدستور التي ألزمت الدولة بكفالته ورعايته، كما ألزمت المادة (14) الدولة برعاية العلوم والآداب والفنون وبتشجيع البحث العلمي.

واهتم الرعيل الأول بتراث الآباء والأجداد وبالحضارة بوجه عام فأفرد هذا الرعيل لهما المادة (12) التي تنص على أن "تصون الدولة التراث الإسلامي والعربي، وتسهم في ركب الحضارة الإنسانية"، وهو ما لا يتحقق إلا بالعلم والعمل الجاد المبدع، فالثقافة في مفهومها العام هي مجموع نتاج العمل الإنساني وإبداعاته من فكر وعلم وأدب ورياضة.

إن ثقافة العمل هي التي جعلت من اليابان صرحا صناعيا شامخا في المجتمع الدولي، وأحد النمور الصناعية السبعة فيه.

والإبداع، علميا كان أم أدبيا أم فنيا أم ثقافيا أم رياضياً، هو موقف حر واع من الإنسان، ولو كان مجرد رسم أو صورة أو صوت أو عمل حركي.

والدولة في رعايتها للنشء وحمايته وفي صون التراث وكفالة التعليم ورعايته، ورعايتها وتشجيعها للبحث العلمي، إنما تقوم بهذه الواجبات بسلطاتها الثلاث، وليس قصرا على السلطة التنفيذية وحدها، بل إن على السلطة التشريعية أن تتبنى في هذا السياق سياسة تشريعية تعمل على خلق ثقافة العمل وبثه في النشء من خلال الأسرة التي اعتبرها الدستور أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها ويقوي أواصرها ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة.

ومشروع قانون التقاعد المبكر لا يخلق ثقافة العمل ولا يبث في النشء روح العمل، فالأب هو القدوة والماء لا يسيل إلا من علٍ، وتقاعد الأب أو الأم وهما في سن مبكرة لا يخلق هذه الروح، فضلا عن تداعيات ذلك الاجتماعية والاقتصادية على الأسرة والوطن.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

مشروع قانون التقاعد المبكر لا يخلق ثقافة العمل ولا يبث في النشء روحه
back to top