وجهة نظر: النوم في النفط!!!

نشر في 20-07-2018
آخر تحديث 20-07-2018 | 00:17
 د. عباس المجرن مرة أخرى، ما أشبه الليلة بالبارحة، ها هي عشر سنوات قد انقضت على وصول برميل النفط إلى مستواه التاريخي البالغ 147 دولاراً في يوليو 2008، وهو المستوى الذي نشر الغبطة والانشراح في أوساط مصدري النفط، وصرف أنظارهم وعقولهم عن التسونامي المالي، الذي كان يجتاح العالم قاطبة بكل تداعياته القاسية والمبرحة. ونتذكر كيف هوى البرميل من تلك القمة القياسية إلى قاع قصي خلال بضعة أسابيع، ليسجل 33 دولاراً في ديسمبر من ذات السنة.

هذه حال مصدري النفط، منذ أن تحرر سعر النفط من هيمنة الشركات الكبرى في سبعينيات القرن الماضي، وبات عرضة، مثل أي سلعة أخرى، لتقلبات العرض والطلب، وأهواء المضاربين، وهذا السجال الممتد بين المنتجين والمستهلكين. منذ ذلك الحين، قلة قليلة من البلدان المصدرة للنفط هي التي أدركت خطورة الركون إلى دخل النفط، وبذلت جهوداً حثيثة ومضنية من أجل التخفيف من اعتمادها عليه، والحد من أثر تقلباته السريعة والمريعة.

أغلبية الدول المصدرة، التي لم يستقر لها حال منذ السبعينيات، ولم تخلو مسيرتها الشاقة عبر هذا الطريق الوعر الزاخر بالكبوات والعثرات والمنغصات، لم تستفد من كل ما مر بها من تقلبات مريرة وقاسية، ولم تسع جادة جاهدة لفك رقبتها من حبل النفط، بل كانت تعيد التقاط أنفاسها في كل مرة تعود فيها الأسعار إلى التحسن، وتواصل مسيرتها المعتادة منتشية بعودة الأمور إلى سابق عهدها، كما تفعل اليوم.

ولست هنا في معرض الدخول إلى متاهة الخلاف الراهن بين المتفائلين والمتشائمين بشأن مستقبل أسعار النفط. جمع المتفائلين يتوقع صعوداً قياسياً جديداً للأسعار، في ظل تسارع النمو في الطلب العالمي على النفط، وعدم قدرة الإمدادات على سد احتياجات هذا الطلب في عام 2019، وربما في عام 2020 أيضاً، بسبب توقف الاستثمار في قطاعي الاستكشاف وتطوير الإنتاج منذ سنة 2014 من جانب، واستمرار التوترات الجيوسياسية في مراكز الإنتاج الرئيسية من جانب آخر. جمع المتشائمين في الطرف المقابل يتوقع قصر فترة الانتعاش الحالية في الأسعار، بسبب قدرة النفوط الصعبة وغير التقليدية، في ظل أسعار قوية وتقنيات متسارعة التطور، على إغراق السوق بفائض من الإمدادات المنافسة.

وأياً كانت الكفة الراجحة، فإن مصير الأمم ومستقبلها، لا يجوز أن يبقى مرهوناً لمحض مصادفة، أو عنصر مفاجأة، بل لابد من علاج ناجز لهذه المعضلة الكأداء، معضلة إدمان النفط، وربط مصير الجيل الحاضر والأجيال المقبلة بمساراته الخطيرة وغير المستقرة. والعلاج ليس خفياً ولا مستحيلاً، والعمل بوصفته السحرية، وهي التنويع، ليس ضرباً من ضروب الخيال، ونجاحه لا يتطلب سوى إعداد مقتضيات البيئة المناسبة، وهي تتمثل في الإرادة الواعية، والإدارة المقتدرة، وهذا يستدعي إصلاحاً مؤسسياً يسبق الإصلاح الاقتصادي.

إن الإصلاح المؤسسي الفعال لا يمكن أن ينجح في ظل قصور تشريعي، أو عدالة نسبية، أو غياب لسيادة القانون، أو توسيد الخدمة العامة إلى غيرِ أهلها ممن يفتقرون إلى نزاهة الضمير أو نظافة اليد. ولا شك في أن تكلفة هذا الإصلاح أكبر بكثير من تكلفة الإصلاح الاقتصادي، وما لم تكن دول النفط على استعداد لتحمل هذه التكلفة الباهظة والمؤلمة، فإن خططها لإعادة هيكلة قاعدتها الاقتصادية لن تثمر مهما كانت طموحة ومبهرة.

في ظل غياب الإصلاح المؤسسي والإداري تزداد العصي، التي تعرقل عجلة الإصلاح الاقتصادي قوة، وتملأ الثقوب خطط الإصلاح وسياساته، ويتعطل تنفيذ برامجه ومشروعاته، وتتضاعف كلفة السير في طريقه، وتزداد متاعب البلاد والعباد، ومعها قد تهون على المرء مطبات وعثرات «النوم في النفط».

*أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت

back to top