د. عايد الجريد... والنادي الأدبي الكويتي 1924 (7)

نشر في 19-07-2018
آخر تحديث 19-07-2018 | 00:10
د.عايد الجريد يوجز حديثه في أربع نقاط أو أربعة مجالات: إصلاح النشء وإعداده، وتنمية مواهب الشعراء، ومحاربة البدع والخرافات، وأخيرا التوعية السياسية، وربما تسببت هذه الأخيرة في إغلاق النادي مبكراً.
 خليل علي حيدر ما الدور الذي قام به "نادي الكويت الأدبي" خلال الفترة القصيرة التي أتيحت لاستمراره؟ أو بتعبير عصري، ماذا قدم للمجتمع يومذاك في مجال "الإصلاح" والفكر والثقافة، ابتداء من إشهاره عام 1924؟

الباحث، د. عايد الجريد يوجز حديثه في أربع نقاط أو أربعة مجالات: إصلاح النشء وإعداده، وتنمية مواهب الشعراء، ومحاربة البدع والخرافات، وأخيرا التوعية السياسية، وربما تسببت هذه الأخيرة في إغلاق النادي مبكراً كما سنرى.

ويقول د. الجريد إن إصلاح النشء وإعداده يعتبران "مدخلا من المداخل الأساسية للإصلاح، وهذا ما كان يهدف إليه القائمون على النادي الأدبي، بغرس الأخلاق الحميدة ومبادئ الدين الإسلامي في الناشئة".

وكانت أبرز وسائل الوصول إلى العقول والأذهان إقامة المحاضرات، وخصوصا تلك التي كان يقدمها الشيخ المؤرخ عبدالعزيز الرشيد، ويقول الشيخ عبدالله النوري إن أولى هذه المحاضرات كانت "أهمية الشباب في عهد البعثة النبوية واعتماد الإسلام على شبان الصحابة وشجاعتهم".

ويقول د. الجريد إن الرشيد "كانت لديه رؤية واضحة في الإصلاح، حيث كان يرى أنها لابد أن تنبع من رؤية إسلامية"، وكانت محاضرته الثانية بعنوان "أهمية الخطابة في إصلاح المجتمع وكيف يعد الخطيب خطبته". وقد تحدث "الرشيد" عن بعض هذه المواضيع في مقالاته التي نشرها في "مجلة الكويت" عام 1929 مثلا.

وعن مدى تأثير محاضرات الرشيد، يقول د. الجريد، إن رئيس النادي الشيخ عبدالله الجابر وصفها بأنها "قوية ومؤثرة" وكان الشيخ عبدلله النوري كذلك من المعجبين بأحاديث الرشيد وقدراته الخطابية، وقد كتب الشيخ النوري مشيدا بها: "إن عبدالعزيز قادر على ارتجال ما يقول من خطب، يرتجل الكلمة في المناسبة دون أن يعد لها العدة، وكان رغم ارتجاله لخطبه يعطي كل موضوع يتكلم فيه حقه، ويغطيه من كل الجوانب في لغة محببة، وأسلوب جميل، وكان يستعمل العامية في خطبه بأسلوبه المتميز وبطريقة تأسر السامعين".

إن استخدام العامية في مخاطبة الجمهور ظاهرة واسعة الانتشار اليوم في الكويت والعالم العربي، ولا شك أنها وسيلة شديدة التأثير في الأوساط المحدودة التعليم والثقافة والتجمعات الشعبية، كما أنها تلغي الكثير من الحواجز النفسية والاجتماعية والفكرية بين المتحدث والجمهور، غير أن خطر الشعبوية واللا موضوعية والعاطفية والتعميم وعدم الدقة وسوء اختيار المصطلحات تظل من الأخطار التي تهدد هذا النوع من الخطابة.

غير أن الشيخ الرشيد، بدوره الرائد وعطائه المعروف للثفافة في الكويت، كان كذلك في عصر الحث على إصلاح المجتمعات العربية والإسلامية، ولم يكن العرب والمسلمون متفقين على المجتمع المطلوب، وإن كانوا أكثر إجماعا على ما لا يريدون، ولا تزال هذه هي الحال للأسف في قضايا كثيرة معلقة.

ولم يكن "الفكر الإصلاحي" الذي كان يستقطب الكثير من حماس النخب الفكرية العلمانية والدينية وتأييدها يراد بها مثلا سبل "النهوض بالعالم العربي والإسلامي" أو "اللحاق بالغرب" أو "التجديد الديني"، فمثل هذا الفكر لم تتضح معالمه إلا مع نهاية القرن العشرين، ولا تزال الانقسامات مستمرة بخاصة بين التوجه الإسلامي والتوجه الليبرالي العلماني، أو بين ما يسمى عادة "الأصالة" و"المعاصرة".

ولا شك أننا بحاجة ماسة إلى المزيد من دراسة أفكار الشيخ الرشيد وخطبه من هذا الجانب، وبخاصة أنه كما بينا غيّر بعضها، وكان منقسم الشعور بين المحافظة والعصرنة، وبين السلفية والحداثة وربما بين مستلزمات "الإصلاح الديني" فكريا واجتماعيا. وإن كان لنا أن نشير إلى مثال واحد في مجال غموض الفكر "الإصلاحي" الشديد الرواج في تلك المرحلة، فهو ما كان يردده الشيخ الرشيد وجيل الشيخ محمد رشيد رضا وعموم التيار الإصلاحي من اعتبار "الدعوة السلفية" تجديدا للدين.

وقد انقسمت اليوم بعد تجارب مريرة دعوة التيار الديني التي بدت واحدة في بداية القرن، وبخاصة عند احتدام الصراع مع الغرب والاستعمار، وتعددت الأحزاب الدينية وأولوياتها ووسائلها في زمننا هذا، وانقسمت الدعوة السلفية نفسها، وبدأت الفجوة بالاتساع بينها وبين التجديد!

غير أن جهود الشيخ عبدالعزيز الرشيد الفكرية والاجتماعية الإصلاحية تبقى محل تقدير كبير، رغم غموض مصير "الدعوة الإصلاحية" التي تحمس لها جيله، وربما لا يعرف الكثيرون عن الرشيد ما يقوله د.الجريد من أن المؤرخ كان فاقد الإبصار في إحدى عينيه، ونرى أنه تغلب على هذا العجز بكفاءة!

يقول د. الجريد: "ولقد ذكر لي الدكتور يعقوب الحجي أنه قابل الشيخ عبدالله الجابر، وقال له الشيخ، "إن الرشيد كان خطيبنا وإنه خطيب مفوه رغم أنه قصير البنية والقامة و(كريم عين) لأن عينه اليسرى أتلفها الجدري منذ فترة طويلة ويرى بعين واحدة، وأن الشيخ الرشيد ركَّب عين حسين في بغداد، وهي عين كاذبة مثل قطعة من الزجاج، وتبدو وكأنها صاحية- أي طبيعية"، وقد حصل د.الجريد على هذه المعلومة في لقاء أجراه الدكتور عايد مع الدكتور يعقوب الحجي في سبتمبر 2017.

وينتقل د. الجريد إلى النقطة الثانية في استعراض ما أدى النادي الأدبي من خدمات للحياة الثقافية بعد تأسيسه، وهي قيام النادي بتنمية مواهب الشعراء الشباب، فقد فتح المجال لهم لإلقاء قصائدهم في مناسبة افتتاح النادي الأدبي بغية النهوض بالشعر. وكان للمبادرة دور في شهرة عدد من الشعراء المنتسبين إلى النادي وغيرهم، وكانت أغلب قصائدهم "في الجانب التعليمي والثقافي والاجتماعي، لكنهم أيضا كانوا يميلون بالشعر إلى الوطنيات".

ويقول د. الجريد إن شعراء تلك المرحلة تأثروا بالشعر الجاهلي وجمال لفظه وجزالة عباراته، أما عن "الإصلاح" في شعرهم:

"فكان من أبرز الشعراء في هذا المجال الشاعر حجي بن جاسم، والذي كان من المنادين للإصلاح في الجوانب العلمية والثقافية، ففي افتتاح النادي شارك بقصيدة دعا فيها إلى العلم، واللحاق بالأمم الناهضة، وكان مطلعها:

أفق يا علم من نوم عميق

فإن القوم أضحوا ناهضينا"

(ص94)

عبدالعزيز الرشيد كان منقسم الشعور بين المحافظة والعصرنة وبين السلفية والحداثة وربما بين مستلزمات «الإصلاح الديني» فكرياً واجتماعياً
back to top