THE WORLD AS IT IS... أسرار خطاب أوباما في القاهرة (3)

نشر في 10-07-2018
آخر تحديث 10-07-2018 | 00:02
طوال لأكثر من 10 سنوات عمل بن رودز في قلب فريق إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. بدأ مسيرته كاتباً لخطابات الرئيس أولاً ثم أصبح المستشار الثاني لقضايا الأمن القومي، وأخيراً المساعد المقرّب من الرئيس الذي كان يلجأ إلى خبراته في مجالات عدة.
روتينه اليومي كان يبدأ في البيت الأبيض بجولة أفق سياسية يحضرِّها للرئيس في مكتبه الخاص، وقد جال العالم مع أوباما ورافقه في مراحل مفصلية من رئاسته شهدت عواصف سياسية وولادة قرارات حاسمة.
في كتابه THE WORLD AS IT IS (العالم كما هو) يروي لنا رودز قصصاً مشوّقة دارت في أروقة الرئاسة الأميركية ومكاتب إدارتها، وحكايات مثيرة للاهتمام لم تتسرب إلى العلن، كذلك يتطرَّق إلى العلاقة التي ربطته برئيسٍ برهن أنه من القامات التاريخية للولايات المتحدة.
في هذه الحلقة يتحدث رودز عن خطاب أوباما في القاهرة: ظروف كتابته، ومضمونه، واستقبال الجمهور له.
أمضيتُ بضعة أيام وأنا أعمل على الخطاب الذي سيلقيه الرئيس أوباما في القاهرة. كنت أختبئ غالباً في مكتبي الثاني وغير المستعمل في مبنى مكتب «أيزنهاور» التنفيذي حيث لا يستطيع أحد إيجادي. كنتُ أنقّح النقاط الشائكة وأملأ الأقسام المرتبطة بالنهج السياسي بمعطيات مستخلصة من بقية أعضاء الحكومة.

عملتُ مع مسلم متديّن ضمن فريق الموظفين في البيت الأبيض، اسمه رشاد حسين، لاستعمال مراجع دقيقة من القرآن. ولإضفاء طابع شخصي على الخطاب، قررتُ في النهاية أن أقتبس عبارة شبه حرفية من أهم مقطع في كتاب Dreams From My Father (أحلام من أبي) لوصف أفكار أوباما حين كان يسعى إلى التواصل مع والده الغائب في كينيا. كانت تلك العبارة تعكس فكرة عالمية تنطبق على جميع الناس بغضّ النظر عن خلفيتهم أو معتقداتهم: «إنها قناعة نابضة في مهد الحضارة ولا تزال تنبض في قلوب مليارات الناس. إنه إيمان بالآخرين وهذا الإيمان هو الذي أوصلني إلى هنا اليوم».

رسالة إلى المرشد الأعلى

نظراً إلى أهمية هذا الخطاب، حاولنا أيضاً أن نطرح سياسات مختلفة. قبل أسابيع قليلة على موعد إلقاء الخطاب، كتب أوباما رسالة سرّية للمرشد الأعلى في إيران، ذكر فيها استعداده للتحاور بشأن البرنامج النووي. رداً عليها، تلقينا رسالة سرية أخرى لكنها كانت عبارة عن لائحة طويلة ومُكرّرة بالجرائم المنظورة التي ارتكبتها الولايات المتحدة، لا سيما الدور الأميركي في الانقلاب الذي أطاح بالنظام الإيراني خلال الخمسينات وأوصل الشاه القمعي إلى الحكم. أثبتت تلك الرسالة أن العلاقات بين البلدين يجب أن تُبنى على «الشجاعة والاستقامة وقوة الإرادة».

الرسائل ما كانت لِتُغيّر اللهجة المستعملة بين البلدين، فحاولنا أن نُجدد أسلوب الدعوة إلى الحوار مع إيران في الخطاب من خلال الاعتراف بحوادث الماضي، على اعتبار أنّ تقبّل التاريخ الشائك ضروري لتجاوزه والمضي قدماً. كان الرئيس سيقول في خطابه: «في ظل الحرب الباردة، أدت الولايات المتحدة دوراً في إسقاط حكومة إيرانية مُنتخَبة ديمقراطياً. ومنذ الثورة الإسلامية، شاركت إيران في عمليات خطف الرهائن وأعمال عنف ضد جنود ومدنيين أميركيين. هذا التاريخ معروف على نطاق واسع. لكن بدل أن نبقى عالقين في الماضي، أوضحتُ لقادة إيران وشعبها أن بلدي مستعد للمضي قدماً». لتوجيه رسالة إلى كل من يشاهد الخطاب بحذر في إيران، أضفنا كلمات كان المرشد الأعلى استعملها بنفسه وأعدنا توجيهها له: «سيكون تجاوز عقود من انعدام الثقة صعباً، لكننا سنتسلّح بالشجاعة والاستقامة وقوة الإرادة للمضي قدماً».

إسرائيل والفلسطينيون

كان الجزء الذي خضع لأعلى درجات التدقيق يتعلق بإسرائيل والفلسطينيين، وارتكزت هذه المسألة أيضاً على خلفية أوباما المتنوعة. من جهة، كانت علاقته عميقة مع المجتمع اليهودي في شيكاغو الذي يُعتبر تاريخياً مقرّباً من إسرائيل. ومن جهة أخرى، كان يتعاطف مع الأزمة الفلسطينية (خلال نقاش تحضيري للحملة الانتخابية، ثار في وجهي حين اقترحتُ عليه التساهل في موضوع المستوطنات الإسرائيلية، فقال لي: «إذا كنا نعجز عن انتقاد المستوطنات، فمن الأفضل أن ننسحب»).

في إسرائيل، كان بنيامين نتنياهو انتُخب للتو رئيساً للوزراء وراحت حكومته، بالإضافة إلى الفئات التي تؤيدها في واشنطن، تعبّر عن خوفها من أن يستغل أوباما ذلك الخطاب لطرح خطة سلام. حمل بعض المستشارين في البيت الأبيض المخاوف نفسها، منهم كبير موظفي البيت الأبيض رام إيمانويل، وتوم دونيلون الذي كان نائب مستشار الأمن القومي. اعتبر هؤلاء أن الخطاب يجب ألا يركز على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كي لا تترسّخ الفكرة القائلة إن مشاكل الشرق الأوسط تشتق في الأصل من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

كانت الرسوم الكاريكاتورية تُصوّر رام دوماً وهو يشتم، وكان يشتم فعلاً. لكنه كان يتصرف بهذه الطريقة على ما يبدو كي يتماشى مع تلك الصورة المأخوذة عنه ولم يكن يقصد أن ينتقد الناس أو يهينهم دوماً.

لم يكن رام مجرّد شخصٍ كلامه بذيء، بل إنه كان كثير الحركة أيضاً: حين اتصل بي للمرة الأولى لإجراء تعديلات على الخطاب، كان يسبح. كذلك، كان يعترف علناً بدعمه إسرائيل وتأييده خطة السلام وكان يراقب السياسات الإسرائيلية بحذر دوماً. بحسب رأيه، عقد السلام بين حكومة يسارية وسطية في الولايات المتحدة وبين حكومة يمينية وسطية في إسرائيل هدف صعب أو شبه مستحيل. لكنه كان يؤيد متابعة المحاولات في هذا المجال. حين سئم من سماعي وأنا أتكلم عن ضرورة أن يعبّر أوباما عن تعاطفه مع الفلسطينيين، بدأ يناديني «حماس». كان يقول: «حماس هذا سيمنع ابني من إقامة حفلة بلوغه في إسرائيل».

بدل طرح خطة سلام، وافق أوباما على إطلاق دعوة لوقف بناء المستوطنات الإسرائيلية التي كانت تخترق مساحات إضافية من الأراضي اللازمة لإقامة دولة فلسطينية. كان رام وديفيد أكسلرود يعارضان أي ضغط نفكّر بفرضه على إسرائيل، لكننا كنا نردّ عليهما في معظم الأحيان عبر تكرار كل ما نفعله لدعم إسرائيل. في واشنطن، تولّت «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية»، إلى جانب منظمات أخرى مقرّبة من نتنياهو، تقييم المظاهر الداعمة لإسرائيل ولم تكن تتسامح مطلقاً مع أي ضغوط يمكن فرضها على الحكومة الإسرائيلية، كما أنها كانت تتمتع بنفوذ كبير في الكونغرس. كان الأميركيون في معظمهم يشعرون من جهتهم بأنهم مقرّبون طبيعياً من إسرائيل.

مع اقتراب موعد الخطاب، زاد اندفاع جماعات الضغط. طُلِب إليّ أن أجتمع مع لي روزنبرغ، أحد قادة «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية» وأحد المسؤولين عن جمع التبرعات لحملة أوباما. أراد روزنبرغ أن يتأكد من أننا لن نطلق مقاربة جديدة لدعم الفلسطينيين ولن نعتبر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سبب جميع المشاكل في الشرق الأوسط. دعاني كذلك لمطالبة العالم الإسلامي بالاعتراف بإسرائيل كـ«دولة يهودية». لم تكن الولايات المتحدة اتخذت هذا الموقف رسمياً بعد لأن أي موقف مماثل كان ليعني أن ملايين اللاجئين الفلسطينيين سيخسرون حق العودة إلى إسرائيل كجزءٍ من اتفاق السلام. جلستُ هناك ودوّنتُ طلبه ثم أكدتُ له أننا لم نكن ننوي تغيير طريقة دعمنا الفلسطينيين. كان الإسرائيليون حتى اللحظة أقوى فريق في هذا الصراع ولكننا كنا نتصرف وكأن الوضع معاكس.

تعلّق قرار أخير بصوابية أن يسافر أوباما إلى إسرائيل بعد القاهرة. نظراً إلى المخاوف من أن ينحصر الخطاب بالصراع العربي الإسرائيلي، قررنا عدم الذهاب إلى إسرائيل. كانت المفارقة الكبرى تتعلق باضطرارنا إلى مواجهة انتقادات من مؤيدي نتنياهو طوال سنوات بسبب ذلك القرار، مع أن هذا التوجّه كان كفيلاً بإخماد مخاوفهم. أدى هذا الوضع إلى ترسيخ نمط دائم يرتكز على انتقاد أوباما لأنه لا يؤيد إسرائيل بدرجة كافية مع أن هذا الموقف يتجاهل امتناع الرئيس عن تطبيق أي إجراءات ملموسة لدعم الفلسطينيين ويُبرّئ الحكومة الإسرائيلية من فشلها في اتخاذ خطوات فاعلة لإقامة السلام.

في السعودية

حين انطلقنا نحو المملكة العربية السعودية، أي المحطة التي تسبق القاهرة، كان أوباما أعطاني مسودة خطاب مليئة بتعديلات خطّية، على الهوامش وعلى ظهر الأوراق وعلى صفحات ممزقة من مستند قانوني. كان مستاءً من كمّ التعديلات التي أضيفت إلى النقاط التي أراد التطرق إليها. قال لي بكلمات مقتضبة: «لن آخذ عناء الذهاب إلى القاهرة لإلقاء هذا الخطاب ثم أندم عليه». شعر أكسلرود بالقلق لأن الخطاب لا يحمل عنواناً رئيساً ويبدو نظرياً أكثر من اللزوم بالنسبة إلى الجمهور الأميركي. حين كان زملائي ينامون من حولي عشية الرحلة، سهرتُ لوقت متأخر فيما كان حاسوبي المحمول يسلّط الضوء على خط اليد الصغير على صفحات خطاب أوباما أمامي. سرعان ما خفّ قلقي من العمل على خطابٍ سيخضع لتحليل دقيق حول العالم نتيجة ثقتي بأن أوباما سيرفع مستوى الخطاب وقد يكون هذا التعديل المكثّف مبرِّراً لتجاهل سيل الملاحظات التي كنت أتلقاها على بريدي الإلكتروني.

حين هبطت الطائرة، قصدنا واحداً من المجمعات السكنية الكثيرة التي يملكها الملك السعودي عبد الله. بدا الموقع أشبه بوحدة سكنية فرعية في أريزونا وكان يشمل عربات غولف لنقل المقيمين إلى وحدات سكنية مشابهة في وسط الصحراء. حين فتحتُ الباب المؤدي إلى مكان إقامتي، وجدتُ حقيبة كبيرة في داخلها جواهر. بما أنني كنت محروماً من النوم، ظننتُ أن هذه الهدية قد تكون شكلاً من الرشوة للشخص الذي يكتب خطاب القاهرة، إلى أن سمعتُ من أشخاصٍ آخرين أنهم تلقوا الحقيبة نفسها. لكن لا يُسمَح لأحد بالاحتفاظ بتلك الهدايا ما لم يكن الشخص مستعداً للتعويض عن كلفتها التي قد تصل إلى عشرات آلاف الدولارات. أخذتُ قيلولة فيما كان أوباما يقابل الملك.

في وقت متأخر من تلك الليلة، انضممتُ إليه فيما كان يعيد تقييم مسار ذلك اليوم. بدا مستاءً! خذله السعوديون حين رفضوا استقبال معتقلين من سجن غوانتانامو وامتنعوا عن الموافقة على مبادرة سلام مع إسرائيل. مرَّر لي أوباما بعض التعديلات الإضافية على الخطاب ثم سهرتُ لوقت متأخر من الليل وأنا أراجعها في مكتب للموظفين كان يقع في غرفة شاسعة ومزخرفة فيها ستائر ثقيلة والكراسي تشبه العروش الملكية. ثم حضر أوباما قبل وقت قصير من حلول منتصف الليل لمناقشة بعض أجزاء الخطاب معي ومع دينيس ماكدونو.

أخبرتُه عن وجود انزعاج كبير عند استعمال كلمة «احتلال»، في إشارة إلى التعديلات المتواصلة في موضوع إسرائيل.

فسألني: «أية كلمة أخرى يُفترض أن نستعملها؟».

في نهاية المطاف، اتفقنا على ضرورة التأكيد على علاقتنا «المتينة» مع إسرائيل واعتبار إنكار محرقة اليهود موقفاً «جاهلاً وبغيضاً وغير مبرر»، فضلاً عن اعتبار «تهديد إسرائيل بالدمار، أو تكرار العبارات النمطية الدنيئة بشأن اليهود، موقفاً خاطئاً بالكامل». كذلك حاولنا أن نقيم توازناً في الخطاب عبر استعمال لغة تعبّر عن «الإهانات اليومية التي تترافق مع الاحتلال، سواء كانت كبيرة أو صغيرة»، تزامناً مع اعتبار «وضع الشعب الفلسطيني غير مقبول».

في القاهرة

في صباح اليوم التالي، توجهنا بالطائرة إلى القاهرة وهبطنا فوق مساحة من المنازل المنخفضة والطرقات الفارغة. في طريقنا من المطار، وقفت قوى الأمن المصرية وأدارت ظهرها للموكب. كان العناصر على مسافة قريبة من بعضهم. لم نشاهد أحداً في الشارع مع أننا كنا في واحدة من أكثر المدن ازدحاماً في العالم. تلقى آلاف العناصر أوامر بإشاحة نظرهم عن السيارات والنظر بعيداً بحثاً عن أي مصدر تهديد.

كان أوباما سيلقي خطابه في جامعة القاهرة، فانتظرتُ معه في غرفة عادية فيما كان الحاضرون يأخذون أماكنهم في القاعة. قال لي أوباما: «هذا الخطاب سيرفع سقف التوقعات».

أجبتُه: «أظن أننا كنا حذرين بما يكفي حين قلنا إن خطاباً واحداً لن يحلّ هذه المشاكل كلها».

أردف قائلاً: «هذا صحيح. كان خطاب بوش في حفل تنصيبه الثاني عظيماً لكن لا يمكن أن يتعهد أحد بـ«إنهاء الاستبداد» في العالم». بقيت تلك الفكرة عالقة في ذهنه لأنه كان قابل للتو حسني مبارك، الحاكم الاستبدادي الذي حكم مصر طوال عقود. ثم أضاف: «كانت اللغة المستعملة ممتازة. كان على الأرجح أفضل خطاب ألقاه بوش يوماً».

قلتُ له: «أظن أننا توصلنا إلى خطاب جيّد».

فقال: «آمل ألا يرمي أحد حذاءً عليّ!».

شعرتُ بأنني أسير بالكرسي الذي كنت أجلس عليه. كان يقع على شرفة بمحاذاة الجدار. حين افتتح أوباما خطابه بعبارة «السلام عليكم»، راح الجمهور يهتف بقوة. شعرتُ حينها بتلاشي التوتر الذي كان ينتابني. كنا اخترنا جمهوراً فيه خليط من الناشطين العلمانيين والمفكرين والقادة السياسيين ورجال الدين وناشطات في مجال حقوق المرأة وأعضاء من حزب «الإخوان المسلمين». حضرت في تلك القاعة إذاً الفصائل كافة التي عادت وتحاربت في شوارع القاهرة بعد بضع سنوات، وراحت كل مجموعة منها تهتف للأجزاء التي تفضّلها في الخطاب: راح رجال الدين يصفّقون مثلاً حين دافع أوباما عن حق المرأة في ارتداء الحجاب في الولايات المتحدة. في المقابل، صرخ الناشطون بعبارة «نحبك» حين تكلم الرئيس عن الديمقراطية. أما النساء، فقد هتفن بكل حماسة حين تكلم عن حاجة المجتمع إلى فتح المجال إزاء تطوير القدرات النسائية.

بعد انتهاء الخطاب، اتجهنا بالمروحية إلى منطقة الأهرام. قال لي أوباما: «أظن أن الوضع على ما يرام». طوال ساعة، قمنا بجولة خاصة بين المعالم القديمة التي تحدّ الصحراء في ضواحي القاهرة. رحنا نزحف بين غرف صغيرة وندقق بالكلمات القديمة المحفورة داخل الجدران وألقينا نظرة على توابيت الفراعنة. حين وقفنا لالتقاط الصور، شعرنا بأننا نحافظ هناك على درجة عالية من الخصوصية فعلاً. لم نشاهد أشخاصاً آخرين في المكان. كان مبارك خصص لنا مساحة أمنية واسعة وعكست هذه الخطوة حجم نفوذه: إنه الزعيم الاستبدادي الذي دعا رب عمله الأميركي إلى القيام بجولة بين مقابر أسلافه الاستبداديين الذين ماتوا منذ فترة طويلة جداً.

خلال السنوات اللاحقة، سألني كثيرون مراراً وتكراراً عما شعرتُ به تجاه خطاب القاهرة، لا سيما في ظل استمرار التوتر بين الإسلام والغرب وبين الإسلام والعصرنة. عند التجول بين الأهرام في ذلك اليوم، أدركتُ أن هذا الخطاب لم يكن من النوع الذي يمكن تقييمه نسبةً إلى وضع العالم في لحظة محددة. بل إنه كان يعبّر بكل بساطة عن قناعات أوباما والوجهة التي يريد اتخاذها والعالم الذي يطمح إليه. في مرحلة كتابة الخطاب وعلى مر الرحلة كلها، لاحظنا أن مختلف العوامل اصطفّت لتعوق تحقيق النتائج المرجوة: تناقضات السياسة الأميركية الخارجية، والقمع في مصر، واختباء القوى المتطرفة بانتظار الفرصة المناسبة للهجوم، والتعثر في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

بعد مرور سنوات وخروج أوباما من السلطة، قابلتُ امرأة من أصل فلسطيني كنتُ أعرفها. فقالت لي إنها لن تنسى خطاب القاهرة مطلقاً وقد ربطته بالاحتجاجات الأولية التي مهّدت لأحداث الربيع العربي. فأكّدتُ لها على استحالة تحميل خطاب واحد هذه المسؤولية كلها. لكنها أوضحت قائلة: «لا علاقة للخطاب بحد ذاته، بل «هو» السبب. لقد شاهده الشباب، ذلك الرجل الأسود الذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة. كان شخصاً يشبههم! ففكروا ما الذي يمنعنا نحن من تحقيق الإنجاز نفسه؟».

back to top