إذا لم يكن من الاستعمار بُد

نشر في 07-07-2018
آخر تحديث 07-07-2018 | 00:20
 فهد البسام نحتاج إلى طبيب عبقري متمكن يجمع ما بين علم الدكتورة فوزية الدريع، الخاص جداً، و"نظريات" الدكتور زغلول النجار العامة لفهم وتحليل العقد الداخلية العميقة والتناقضات الصريحة الواضحة التي لا يراها أصحابها بأنفسهم حين يمارسون هوايتهم أو إدمانهم بتمجيد تاريخ الخلافة العثمانية، وإعلان رغباتهم وأحلامهم بإرجاع عجلة التاريخ للوراء من جديد بواسطة خليفتهم المنتظر المعاد انتخابه حديثاً في إسطنبول.

فبعد أن فاز الرجل بالانتخابات الأخيرة ليحكم بلاده الواسعة فقط، عمت الفرحة في بلادنا العربية بين أتباعه من الإخوان وتوابعهم وبعض المأخوذين بنتائج تجربته والرافضين لأدواتها في الوقت نفسه، وهذا التناقض بحد ذاته بحاجة إلى "كونسولتو" يحاول فهمه فقط لا علاجه، فالرجل يقول لهم إنه علماني ويدعوهم إلى تقليده واتباعه إذا أرادوا تحقيق ما حققه لشعبه وبلاده، وهم يردون ويخادعون أنفسهم قبل أن يخادعونا أنه خليفة المسلمين، وما ادعاءاته العلمانية إلا تقية أو خدعة لمسايرة الغرب، تمهيداً للأسلمة السرية للمجتمع والدولة، يا عيني، أما أرجحهم عقلاً فهو بعد عقود من تكفيره وتفسيقه لخصومه ورميهم بالإلحاد والخروج عن أصول الدين، عاد ولوى عنق المفاهيم والشرع وتفلسف مبرراً ومفتياً بأن العلمانية التركية هي علمانية ناعمة ومسالمة لا بأس بها، يا سيدي، قسّم وسمّعني.

عموماً، وطالما إنكم شغوفون بعودة الخلافة العثمانية بواسطة الخليفة الجديد بعلمانيته المسالمة الناعمة التي تبيح الخمور وزواج المثليين والعلاقة مع إسرائيل وغيرها مما ترفضونه وتكفرون من يريده هنا ويعجبكم من يفعله هناك، وبما إن الاستعمار ملة واحدة، والقتيل لا يتهم بجنسية ودين قاتله، وحيث إنه لا اعتراض لديكم على العلمانية من حيث المبدأ، فدعونا على الأقل نتفق لنطالب بعودة الاستعمار العلماني من بلد المنبع لا المصب، الأصلي لا التقليد، فجميع العلمانيات الآن أصبحت مسالمة وناعمة، وكثافة المساجد في لندن أكثر منها في خيطان وضواحيها، وعدد الجزائريين والعرب في باريس بعد الاحتلال الفرنسي، الذي خلّف مليون شهيد، أكثر من عددهم في تركيا بعد قرون من "الخلافة العثمانية" الطيبة الكريمة، ثم إن الاستعمار الإنكليزي كان رحيماً معنا نسبياً، وترك لنا بعض المدارس والإرساليات، وأرسى بعض الأنظمة الإدارية وأخرج لنا النفط من حيث لا نحتسب، وكذلك الاستعمار الفرنسي الذي أدخل المطبعة وحرص على نشر ثقافته ولغته من خلال المدارس والجامعات التي أنشأها ومازالت قائمة، بينما بعد قرون من الخلافة العثمانية لا أحد يتكلم التركية لدينا سوى لميس ويحيى، ولا نتذكر من إنجازاتهم إلا سفربرلك ومذابح السفاح، والخوازيق التي يبدو أنه ما زال بيننا هنا من يشتاق إليها.

back to top