ما بعد قمة سنغافورة بين ترامب وكيم

نشر في 07-07-2018
آخر تحديث 07-07-2018 | 00:00
دونالد ترامب وكيم جونغ أون خلال قمة سنغافورة
دونالد ترامب وكيم جونغ أون خلال قمة سنغافورة
من الممكن قريبا إجراء مفاوضات حول نزع السلاح النووي في مقابل ضمانات أمن والحصول على مساعدات، كما أن الدبلوماسية في الشهور القليلة المقبلة يمكن أن تفضي إلى اتفاقية تشمل كل كوريا، إضافة إلى معاهدة سلام متعددة الأطراف تنهي الحرب الكورية بصورة رسمية.
إذا أردنا رسم صورة للقمة التي جمعت بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يمكننا القول إن بيان القمة كان غامضاً ويقتصر على الوعود فقط، ولعل ما هو أكثر أهمية يتمثل فيما تعلمناه عن كيم كشخصية وقائد ومفاوض.

الزعيم الكوري الشمالي لا يزال شاباً والسؤال هو هل حدد تفكيره بعد؟ أم أنه لا يزال يتعلم وقد أصبح منفتحاً على النفوذ؟ ثم ماذا سيكون على أي حال؟

هناك ثلاثة أمور محتملة: الأولى هي أن يقتفي أثر والده كيم جونغ الثاني القائد المطلق الذي اتبع الخط الستاليني الماوي، وقد اتسمت سنوات كيم جونغ أون الأولى في الحكم بالقسوة والشدة وكان أمر بإعدام عمه والعشرات غيره، كما حافظ على سجناء سياسيين في بلاده وحكم بالأشغال الشاقة على الكثير من خصومه وعزز صورته على شكل «الخليفة العظيم».

ويتمثل الأمر الثاني في اتخاذه صورة دنغ زياو بنغ في كوريا الشمالية، وكان دنغ من الجيل الأول من رجال ماو تسي تونغ، وبشكل غير متوقع عندما أصبح «القائد الشامل» للصين في سنة 1979 بعد وفاة ماو تسي تونغ في 1976 دشن دنغ حقبة من الإصلاحات العميقة في الصين وتزعم نظاماً اقتصادياً عقلانياً، كما خفف من الحكم المطلق وفتح الصين على العالم.

ويتمثل الأمر الثالث في أن يصبح كيم نسخة كوريا الشمالية من الزعيم الروسي ميخائيل غورباتشوف الذي أطلق أفكاراً إصلاحية لم يتمكن من السيطرة عليها في نهاية المطاف، وقد ظن غورباتشوف أنه كان زعيماً عملياً فائقاً يعمل للتوجه نحو الليبرالية، ولكن في حقيقة الأمر أخفق وتعثر، وإذا اختار كيم اتباع مساره فإن ذلك قد يفضي إلى فوضى يمكن أن يعقبها انهيار النظام في البلاد.

وتقول عدة روايات أميركية وكورية جنوبية إن كيم يمكن أن يكون عرضة لنفوذ وتأثر، وكما كان متوقعاً أراد نيل الاحترام لنفسه ولبلاده وأن يعامل مثل ند على الرغم من الفارق الكبير بينه وبين ترامب والولايات المتحدة، ويتعين على كيم أن يحدث انطباعاً مؤثراً لدى الأميركيين ولدى الشعب الكوري الشمالي أيضاً.

صور المساواة

وأظهرت صور نشرت في بيونغ يانغ وقوف رجلين على قدم المساواة فوق أرض واحدة، كما أظهرت إشارة معبرة بقدر أكبر عن نظرة الناس إلى كيم وهو يقوم بأعمال جيدة، وتوضح صورة أخرى وردت في مقطع فيديو مدته أربع دقائق مستقبلاً جريئاً جديداً لكوريا الشمالية والسلام العالمي.

ويقال إن المقطع تم تصويره من قبل مجلس الأمن القومي الأميركي، وأنا لم أشهد أي تحليل يشير إلى أن ذلك المقطع المصور لا ينم عن غباء لكنه قد يثبت أنه غير فعال إلى حد كبير.

وفي خطوة مماثلة قدم الرئيس الكوري الجنوبي مون خلال اجتماعه مع كيم في شهر أبريل الماضي كتاباً الكترونياً يطرح «خريطة اقتصادية جديدة لشبه الجزيرة الكورية»، وكانت تشتمل على مصانع للطاقة الكهربائية وخطط لسكك حديدية عصرية وشبكات طرقات عامة تربط بين شطري كوريا، كما تربط بين كوريا الشمالية والصين، مع مجالات للاستثمارات الخارجية، إضافة إلى توفير فرص عمل ومساعدات الى شعب كوريا الشمالية الفقير.

وتشير التقارير الى أن كيم أوضح أنه يريد رفع مستوى المعيشة، وكان الزعيم الكوري الشمالي عبر في خطاب له في السنة الماضية عن اعترافه بالفشل في جعل النمو الاقتصادي يواكب برنامج بلاده النووي، وقال في ذلك الوقت «كانت كل رغباتي تنتهي الى الفشل طوال الوقت ولكنني أمضيت العام الماضي وأنا أشعر بالرغبة وتأنيب الضمير لعدم قدرتي على تحقيق ما كنت أصبو اليه»، ويريد كيم في الوقت الراهن دولة لا يضطر فيها كل مواطن الى شد الحزام والتقشف.

من جهة أخرى يمكن القول إن الرد القياسي الغربي هو عدم الوثوق بأي زعيم كوري شمالي، فقد عمد قادة ذلك البلد الى الكذب في كل مرة من قبل، ولكن آخرين، بمن فيهم قادة كوريا الجنوبية الذين يعرفون كيم أكثر مما نعرفه نحن، يقولون إنهم يعتقدون أنه جاد في سعيه وأهدافه، وبعد اجتماعه مع كيم وصف الرئيس الكوري الجنوبي مون نظيره الشمالي بأنه «منفتح الذهن وعملي» فيما رد كيم مازحاً خلال حفل عشاء بأن مون إذا أراد القيام بزيارة الى العاصمة الكورية الشمالية بيونغ يانغ فيتعين عليه الحضور بطائرة «لأن طرقات كوريا الشمالية وخطوطها الحديدية سيئة جداً وسيكون ذلك محرجاً للغاية».

التغيرات التاريخية

من جهة أخرى دعونا نتخيل على الأقل إمكانية ألا يكون كيم نفسه العقبة الرئيسة في وجه التغيرات التاريخية في كوريا الشمالية، بل اللاعب المحتمل بقدر أكبر وصانع التغيير، وقد تكون الإشارة التي صدرت عن كوريا الجنوبية المرة الأولى التي يتلقى كيم فيها خطة فعلية وعملية لتحقيق إصلاح اقتصادي. وبكلمات أخرى قد لا يوجد لدى كيم أي مستشارين اقتصاديين لديهم الجرأة والاستعداد من أجل مناقشة مثل هذه الأمور معه أو حتى لديهم الخبرة اللازمة للقيام بهذا العمل.

في غضون ذلك لم ترد أي تقارير تشير الى أن كيم تصرف بشكل عدائي لخطة كوريا الجنوبية، وأنه شعر بمهانة.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو ماذا عن علاقة بيونغ يانغ مع بكين؟ من المهم الإشارة الى أن كيم قام بزيارة الصين ثلاث مرات منذ طرح الرئيس الأميركي ترامب مبادرته الدبلوماسية، وكانت الزيارة الأخيرة بعد اجتماعه مع ترامب. لماذا؟

تقول إحدى الفرضيات إن كيم في حاجة إلى دعم الصين من أجل تحقيق إصلاح اقتصادي في بلاده، وإن هذا يعني وجود تأثير قوي لبكين عليه، وهذه حقيقة من دون أي شك، ولكن بكين ليست متأكدة من السيطرة على تنمية كوريا الشمالية وذلك بخلاف الحكمة التقليدية في هذا الصدد.

ومن جديد فإن السؤال هو: لماذا يريد كيم أن تهيمن الصين على التنمية الاقتصادية والسياسية في كوريا الشمالية؟ المعروف أن كوريا الجنوبية هي بالنسبة الى كيم الشريك الأول من حيث العرق والتاريخ. والوحدة الكورية، أياً كان ما تعنيه هذه الفكرة، هي هدف بيونغ يانغ لا إقامة نوع من التحالف مع بكين ضد كل طرف آخر على أي حال.

مصالح الصين

ويتعين على كيم استيعاب مصالح الصين لكنه يريد في الوقت نفسه أيضاً تحقيق استقلال عن بكين، كما أن الكوريين لا يثقون بالصين– ليس بالقدر من الكراهية بالنسبة الى اليابان– ولكن بما يكفي للتأثير على حساباتهم الاستراتيجية.

هنا يمكن القول إنها لحظة خيار الوجود، وإذا أراد كيم أن يصبح المحرر الكبير لشعبه فإنه لن يحصل على فرصة أفضل للقيام بذلك، وهو يتعامل مع القادة الأميركيين والكوريين الجنوبيين الذين يفهمون محنته، وفي حقيقة الأمر، قد يحسب كيم أن واشنطن وسيول هما أفضل من يتحالف معهم من أجل مواجهة الهيمنة الصينية وردة الفعل المحتملة في الداخل من جانب النخبة التي تخشى على ما تتمتع به من مزايا.

واذا أدرك كيم ذلك الآن يصبح بالإمكان إجراء مفاوضات حول نزع السلاح النووي في مقابل ضمانات أمن والحصول على مساعدات، ثم إن الدبلوماسية في الشهور القليلة المقبلة يمكن أن تفضي الى اتفاقية تشمل كل كوريا، إضافة إلى معاهدة سلام متعددة الأطراف تنهي الحرب الكورية بصورة رسمية، وربما تتمثل الخطوة التالية في معاهدة جديدة متعددة الأطراف للصداقة والأمن تشمل واشنطن وبيونغ يانغ وسيول وبكين وطوكيو، ويتعين لتحقيق ذلك قيام كوريا الشمالية بتدمير ترسانتها من الصواريخ الباليستية التي تهدد الولايات المتحدة.

ويتعين على كيم العمل بسرعة من أجل تحقيق النجاح، وعليه السعي إلى صفقات مجزية ولكن من دون خداع، وفي حقيقة الأمر، لديه مصلحة واضحة في جعل ترامب يبدو في صورة جيدة بغية ضمان الفوز وتحقيق الهدف المنشود.

* رونالد تيرسكي

الخطوة التالية تتمثل بمعاهدة جديدة متعددة الأطراف للصداقة والأمن تشمل واشنطن وبيونغ يانغ وسيول وبكين وطوكيو
back to top