وجهة نظر : قواعد لعبة النفط الجديدة

نشر في 06-07-2018
آخر تحديث 06-07-2018 | 00:26
 د. عباس المجرن شهدت قواعد اللعبة في سوق النفط، على مدى السنوات الأربع الأخيرة، تحولاً جذرياً غير مسبوق، ففي مواجهة الانخفاض الحاد في سعر النفط الذي تسببت فيه إمدادات النفط الصخري الأميركي في عام 2014، اختارت "أوبك" أن تدافع عن حصتها السوقية، وأن تقبل المزيد من الهبوط في السعر، على خلاف نهجها السابق المتمثل في إعادة التوازن إلى الأسواق عبر التحكم في سقف إنتاجها من النفط.

ومع استمرار التراجع الحاد في السعر، اضطرت "أوبك" إلى العودة إلى نهجها السابق، ولكن بالتوافق مع مصدري النفط الآخرين هذه المرة، وقد نجحت في حشد موافقتهم على خفض الانتاج بدءاً من يناير 2017. بيد أنها -أي "أوبك" وحلفاءها- سارعت في 22 من الشهر الماضي، في ظل الوتيرة التصاعدية المتسارعة لأسعار النفط، إلى التخلي مبكراً عن اتفاق خفض الإنتاج، الذي كان مقرراً له أن يمتد حتى نهاية عام 2018.

وينسجم الاتفاق الجديد بزيادة الإنتاج مع الهدف المعلن لـ"أوبك"، وهو المحافظة على استقرار السوق، كما يتوافق مع التحول الجذري المتمثل في انتقال المنظمة من الدفاع عن سعر النفط إلى الدفاع عن حصتها السوقية. ولا يمثل هذا الانتقال –المفاجئ– من خفض الإنتاج إلى زيادته، والذي قادته السعودية، أكبر منتجي الأوبك، بالتوافق مع روسيا أكبر المنتجين من خارجها، إذعاناً للضغوط الأميركية، ذلك أن موقف واشنطن، وإن تطابق في هذا السياق مع موقف الرياض وموسكو، بشأن ضرورة زيادة الإمدادات، إلا أن هناك اختلافاً بين الغايات والمقاصد وبين الأسباب والمعطيات، التي أملت على هذه القوى الثلاث موقفها من الإمدادات.

هموم «أوبك»

مطالبة الرئيس الأميركي لـ"أوبك" بضخ المزيد من الإمدادات من أجل الحد من زيادة الأسعار تهدف إلى تعزيز حظوظ أنصاره من الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي البرلمانية المقبلة في نوفمبر، والحيلولة دون استعادة الديمقراطيين مقاعدهم المفقودة في مجلسي الشيوخ والنواب. ولا شك أن أسعار محروقات منخفضة تشكل مطلباً معيشياً مهماً للمستهلك الأميركي.

هموم دول الأوبك خارجة على هذا الإطار، فأي زيادة سريعة وغير منضبطة في الأسعار، مثل التي شهدها السوق في الفترة الأخيرة، تحمل في طياتها مخاطر عودة الانتعاش إلى صناعة النفط الصخري والمصادر البديلة للطاقة عامة، والتي قد تؤدي إلى الضغط على آفاق النمو المتوقع في المناطق الرئيسية للطلب على النفط. وفي الحقيقة، لم يعد توافق السعودية وروسيا على مواصلة التدخل المشترك في الأسواق عبر زيادة أو خفض الإمدادات خياراً، بل قراراً مصيرياً لا بديل له في الوقت الراهن. إن التحول المتسارع في السوق من التخمة إلى نقص المعروض بفعل النمو المتسارع في الطلب، وتراجع وتيرة الإنتاج في ليبيا وفنزويلا، وعزم الولايات المتحدة على إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، حتمت النكوص عن اتفاق خفض الإنتاج.

المبادرة الصينية

سبب آخر، قد يكون هو الأخطر في هذا السياق، يتمثل في إعادة إحياء الصين لمبادرتها التي كانت طرحتها في عام 2012 بإنشاء اتحاد لمشتري النفط يفاوض ويناهض "أوبك"، وهي مبادرة دعمتها الهند آنذاك، وتحفظ عليها الاتحاد الأوروبي واليابان.

ومن المعروف أن الصين والهند هما أكبر مستوردين للنفط بعد الولايات المتحدة. إن اتحاداً يضم الصين والهند واليابان والاتحاد الأوروبي، الذي قد يتخلى عن تحفظه على المبادرة، خصوصاً بعد أن قررت بريطانيا، أهم دولة منتجة للنفط في أوروبا، الانسحاب من عضويته، من شأنه أن يشكل تحدياً خطيراً للمنتجين.

ووفقاً لكارل بوب، الناشط بيئياً في مقاله في بلومبيرغ في 3 يوليو الجاري، فإن بإمكان هذا الاتحاد الضغط على "أوبك" عبر تهديدها بورقة التحول المتسارع إلى السيارة الكهربائية. وهذا لعمري هم ثقيل يضاف إلى هموم "أوبك".

back to top