إمبراطورية «اتخاذ ما يلزم»

نشر في 26-06-2018
آخر تحديث 26-06-2018 | 00:19
 حسن العيسى جاء في تقرير المراقبين الماليين في جامعة الكويت (نشر بالقبس السبت الماضي) أن تصنيف جامعة الكويت تراجع إلى مراتب متأخرة، مقارنة بنظيراتها في دول مجلس التعاون، تحقيقاً لظاهرة "التلش" المستقرة في أداء مؤسسات الحكومة، وإن تحسن تصنيفها قليلاً عن السنة السابقة.

وذكر التقرير، الذي كتب ونشر ليتفرج عليه المسؤولون في الجامعة والتعليم العالي وكل أعضاء اللجنة المركزية لحزب البخاصة الكويتي الحاكم بنظرة سريعة، ثم يركن في درج مكتب منسي كي تعشش عليه أغبرة النسيان، مع بقية خطط وبرامج الحكومة المعتادة، عن المستويات الأكاديمية لجامعة الكويت "... أن النسبة الكبرى من أعضاء هيئة التدريس هم من فئة مدرس بنسبة 52 في المئة تقريباً، ويبلغ عدد المواطنين منهم 32 ضعف أعداد نظرائهم من غير الكويتيين في الفئة ذاتها...".

ويؤكد التقرير "... ضرورة اتخاذ ما يلزم لمعرفة أسباب عزوف بعض المدرسين أعضاء هيئة التدريس عن القيام بأعمال البحث العلمي للارتقاء بمستوياتهم الأكاديمية... رغم ارتفاع ما يصرف على ذلك سنوياً، والذي ناهز 20 مليون دينار خلال السنوات الخمس السابقة..."! عبارة "اتخاذ ما يلزم"، التي تتكرر بكل خواء في معظم الخطابات الرسمية، بداية من بيانات مجلس الوزراء إلى أي كتاب من رئيس قسم في أي إدارة تثير الغثيان واليأس من حال هذه الإدارة الفاشلة من ألفها إلى يائها دون استثناء.

ماذا يعني "اتخاذ ما يلزم"؟! أقسم أنكم لن تفعلوا شيئاً، ولن تتحركوا ولو نص ملم في دنيا "ما يلزم". ماذا تختلف ظاهرة الدكتور المدرس بالجامعة أو التطبيقي، الذي يقبع في مكانه براتب مجز دون أن يقدم أي بحث أكاديمي في دورية محكمة كي يرتقي إلى أستاذ مساعد ثم إلى أستاذ، عن حكاية الخمسة متخرجين كويتيين فيزياء فقط في خمس سنوات...؟! ماذا يفعل هذا المدرس بعمله الذي ظل بمكانه في الجامعة عشرة أعوام وأكثر كالطود الثابت، ولا أحد يستطيع أن يسأله ويحاسبه... لماذا أنت هكذا...؟ ماذا نفعل بشهادة الدكتوراه طالما تجمدت في بحوثك ووضعت شهادتك على رف في متحف الآثار، ولم تقدم شيئاً لوطنك وللفكر الأكاديمي العلمي...؟ ماذا سنفعل بشهادتك؟ هل "ننقعها ونشرب مايها"؟

في كل جامعة محترمة بالعالم، وليس جامعات المقاصف الدراسية التي يهرول إليها الكثيرون من أبناء الوطن في هذا الزمن الرديء حتى يسبق حرف الدال اسمه كوجاهة اجتماعية لا أكثر، لا يمكن أن يظل المدرس الدكتور ولو تخرج في أفضل الجامعات مدرساً إلى ما لا نهاية، فتخبره الإدارة الجامعية بأن يشرف للخارج ويبحث عن عمل كمدرس في مدرسة متوسطة أو ثانوية ما لم يقدم بحثاً علمياً يرتقي به إلى الأستاذية... وإلا ما معنى وجود الجامعة كمركز علمي يعد مصدراً للبحوث والفكر الذي يخدم الوطن وعالم الفكر.

يفترض بالجامعة أن تكون نبراساً علمياً تنشر العلم والمعرفة في الدولة، وتكون أداة لتطوير وتقدم المجتمع، في حالنا هنا الجامعة أضحت مرآة تعكس أمراض المجتمع، وترهل وفساد الإدارة الحكومية... ماذا يختلف الوضع في الجامعة عن أي إدارة حكومية مريضة مهترئة... موظف غير جاد في عمله لا يمكن مساءلته لأنه يحمل الجنسية الكويتية... دكتور في الجامعة بدرجة "مؤبد" لا يمكن محاسبته لأنه يحمل الجنسية الكويتية... وتظل أجهزة الحكومة تتحدث عن الإصلاح والاستغناء عن الوافدين، وتبحث وتنشر بيانات تدعو فيها إلى "... اتخاذ ما يلزم" دون نهاية... الله يوفقكم دنيا وآخرة.

back to top