نوائب النواب وأوزار الوزراء

نشر في 24-06-2018
آخر تحديث 24-06-2018 | 00:15
No Image Caption
لم نعتد أن ندافع باطلاً عن طرف ما، ولا مصلحة لنا في ذلك، لكننا نرى كما يرى كثيرون مثلنا، أن هناك أزمة مستحكمة تعانيها سلطتنا التنفيذية في تعاملها مع نوابنا الأماجد، فالوزراء غدوا مدانين من وجهة نظر الكثير من النواب، في كل الأحوال، أساؤوا أم أحسنوا، أخطأوا أم أصابوا، بما يناقض روح العدالة، وبما يصب في تحويل المحسن إلى مسيء، وراغب الإصلاح إلى معرض عنه.

من تأتي بهم الحكومة وزراء فإنها لا تختارهم من كوكب آخر، بل من بين أبناء الشعب، بمزاياهم وأوزارهم، منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، وإذا كنا نتفهم موقف النواب، بل ندعمهم ونشيد بهم، عندما يأخذون على أيدي الفاسد الذي تيقنوا من فساده، ونطالبهم بعدم غض البصر عن أي فساد يرونه، فإننا لا نستسيغ ولا نقبل وقوفهم في وجه أي وزير يريد إصلاح خلل أو تقويم اعوجاج.

إذا كان الهدف، كما يدعي الجميع، هو خدمة الوطن، فلماذا يمتطي النواب صهوة الاستجوابات لإرغام الوزراء على السير كما يريدون، بتمرير معاملات، وتوقيع استثناءات، وتقديم خدمات يعلمون تمام العلم أنه لا حق لهم أو لمن يتوسطون من أجلهم فيها، ضاربين عرض الحائط بمبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، ثم يعودون ليحاكموا الوزارات على تخبطها وتشتتها وتردي خدماتها، مع أنهم هم من تسببوا في تلك الحال؟ وكيف يسير الوزراء في برامجهم المرسومة وخططهم وكل يوم تنهال عليهم طلبات واستثناءات من هذا النائب أو ذاك تناقض ما يسعون إليه؟! وإذا قالوا له "لا"، تثور الثوائر، وتتصاعد التهديدات، ويرفع "نائب المصلحة" عليهم صوته ويجلب عليهم بِخَيله ورَجِله، ويستعدي عليهم زملاءه، هذا إلى جانب من يحفزهم لرجم الوزراء "المعاندين" على مواقع التواصل الاجتماعي.

خذ وزارة التربية مثلاً على ما نقول، كم من نائب تدخل من أجل تعيين من لا يستحق التعيين، ونقل من لا يستحق النقل، أو إبقاء من لا يحق له البقاء، أو العفو عن "طالب غشاش" باسم التسهيل، وما أكثر مثل تلك التدخلات والتجاوزات، حتى هوى تعليمنا خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى قاع سحيق، تجلى في احتلالنا مؤخرة الترتيب العالمي في شتى مناحي التعليم، فلا عائد ولا مهارة ولا مستويات ولا إنجازات علمية على الصعيد العالمي أو حتى الإقليمي، إلا ما رحم ربي... فمن المسؤول عن هذا كله؟!

أيها النواب حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا الحكومة، ولوموا أنفسكم قبل أن تلوموها، ارفعوا أيديكم عن التدخل في صلاحياتها، لا تعرقلوا مساعيها، اتركوها تنفذ خططها وبرامجها بشفافية وعدالة، وعندئذ يحق لكم أن تنصبوا لها الموازين وتصدروا عليها الأحكام، فإنما سميتم نواباً لأنكم تنوبون عن الشعب في مراقبة مصالحه وضمان العدالة بين أبناء البلد الواحد، لا لتسببوا له النوائب والكوارث.

غير أن كل ذلك لا يعني أن حكومتنا بلا أوزار، أو أن أعضاءها ملائكة لا يخطئون، فإلى جانب الأخطاء التي قد يكون للنواب الملتزمين فيها كل الحق، هناك خطأ كبير تقع فيه الحكومة، وهو افتقادها بوصلة تنفيذ الخطط المرسومة والبرامج الشاملة المنضوية تحت سياسة البلد.

مسؤولية الحكومة إدارة البلد على الوجه الأكمل مع بيان الحقائق أمام الناس، لا أن تعقد صفقات من تحت الطاولة مع هذا النائب أو ذاك، مسؤوليتها أن تصب سياسات كل الوزارات في بوتقة الخطة العامة للبلد، لا أن تترك كل وزير "على كيفه" مع النواب بحيث يدبر أموره بالطريقة التي يراها، تارة بقبول "الواسطات"، وأخرى بالتراجع عن قرارات، وثالثة بتأدية خدمات... على الوزارات أن تعزف لحناً واحداً مستساغاً متسقاً لا يصدم الآذان، ولا يؤذي الوجدان.

back to top