العنصري المسكين

نشر في 22-06-2018
آخر تحديث 22-06-2018 | 00:09
أنا العنصري المسكين، حواري اليومي ذو نفس عنصري مقيت، أتخيل أنني سأكون أضحوكة للبشرية أجمع لو تُرجمت محادثاتي اليومية إلى الإنكليزية وتم بثّها أمام الملأ، فلم تفدني شهاداتي ولا "ألقابي" المرموقة بشيء، أرى أنني فوق الجميع بسبب قدر لم يكن لي يدٌ فيه، وهو ولادتي على هذه البقعة الثرية من الأرض.
 دانة الراشد أنا العنصري المسكين، لم تسعفني كثرة أسفاري لإدراك أنني لست محور الكون، ولا من شعب الله المختار. أتغنى بالوطنية لكنني أتناسى مواد الدستور التي تنص على العدالة والإنسانية والمساواة، مفهومي عن الوطنية هو الاستحواذ على خيراتها لي ولعشيرتي مهما التوت الطرق. عنصريتي امتدت وطالت أبناء جلدتي من الطوائف والأصول المختلفة، فأصبحت أزدري كل من اختلف عني ولو بقيد أُنمُلة.

أنا العنصري المسكين، صدقت الخطاب العنصري المُسيّس- الذي كان توقيته استراتيجياً- بكل سذاجة، فألقيت باللوم كله على الحلقة الأضعف- وهم الوافدون- دون الاعتراف أنني أنا وأبناء جلدتي من أتينا بهم إلى هنا، وفي الكثير من الأحيان تمت المتاجرة بكرامتهم بعملية بشعة أقرب إلى الرق تُفتح الأفواه مشدوهة أمامها في المحافل الدولية.

بيدي هاتين تسببت في «الخلل في التركيبة السكانية» عن طريق استقدام الأفواج والألوف المؤلفة من البسطاء في الوظائف الهامشية– التي يمكن الاستغناء عنها تماماً- لكنني المستفيد الأول والأخير. تثور ثائرتي عندما تطالب الدول بحقوق جالياتها، عنصريتي المنفرة تمس أخي العربي القريب قبل الأجنبي، يحدث هذا كله في بلد الإنسانية.

أنا العنصري المسكين، أستخدم الوافدين كشمّاعة لتبرير فشلي وتأخري في إدارة بلدي، أطالب بكويت خالية من الوافدين وأنا لا أقدر حتى على ترتيب سريري لوحدي، أو القيام بأساسيات الحياة كإعداد الوجبات وتربية الأبناء، بل بالكاد أقوم بوظيفتي التي أرمي بجل حملها على الوافد ذاته الذي أزدري. أصابتني الدولة الريعية بخمول رهيب وسبات عميق امتد عقوداً فكم لبثت؟

أنا العنصري المسكين، حواري اليومي ذو نفس عنصري مقيت، أتخيل أنني سأكون أضحوكة للبشرية أجمع لو تُرجمت محادثاتي اليومية إلى الإنكليزية وتم بثّها أمام الملأ. لم تفدني شهاداتي ولا «ألقابي» المرموقة بشيء، أرى أنني فوق الجميع بسبب قدر لم يكن لي يدٌ فيه، وهو ولادتي على هذه البقعة الثرية من الأرض.

هذا هو العنصري المسكين، لا يسعني سوى أن أراه بعين الشفقة، ففي عام 2018 ترفع جميع الأمم رايات الحرية والعدالة والإنسانية، في حين يبقى العنصري في مكانه مقاوماً لعجلة التقدم، والتي ستمضي قدماً من دونه.

* «الرزق رزق الله، والمال مال الله، والأرض أرض الله، والفضل فضل الله، والخلق خلق الله، ومن توكل على الله أعطاه الله، ومن يبينا حياه الله». (الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان). رحمه الله.

back to top