أزمة «الآيلتس»: قرار فني وتدخلات انتخابية... فأين العلاج؟

نشر في 21-06-2018
آخر تحديث 21-06-2018 | 00:04
وزير التربية حامد العازمي
وزير التربية حامد العازمي
ليس غريباً أن تشتعل المعارك النيابية بشأن قرار وزير التربية اشتراط اجتياز اختبار الآيلتس، أو التوفل، قبل الموافقة على ابتعاث الطلبة للدراسة في الخارج، فكل شيء أضحى مادة خصبة لهذه المعارك التي اختلط فيها الحابل بالنابل، وضاع فيها الخط الفاصل بين السلطات، وخصوصاً عندما يكون الأمر متعلقاً بقرارات فنية أو أكاديمية لا تحتمل التدخل.

فالتعليم في أدنى مستوياته بعد أن تحولت المدارس والمؤسسات الأكاديمية إلى جهات تصدر شهادات، ولا تعنى بالمعرفة والتحصيل العلمي، فالشهادة تضمن الوظيفة الحكومية المستقرة، وكلما ارتفعت الدرجة العلمية للشهادة زادت فوائدها وبدلاتها، وربما كوادر الراتب الخاصة معها، لذا أصبح الحصول على الشهادات غاية في حد ذاته، وليس دليلاً على مستوى علمي أو معرفي.

قرار الوزير فني بحت، وتدخل النواب انتخابي بحت، والضحية هو النظام التعليمي بأسره ومستقبل الأجيال التي تحمل جهلها من مرحلة تعليمية إلى أخرى، وصولاً إلى البعثات الخارجية. فطالب التعليم العام يدرس مادة اللغة الإنكليزية من السنة الأولى بالمرحلة الابتدائية إلى نهاية الثانوية العامة، يعني 12 عاماً دراسياً، هذا بافتراض نجاح الطالب في كل سنة دراسية، وبعد كل هذه السنوات يتخرج الكثير من الثانوية لا يعرفون شيئاً من هذه اللغة، وبعد ذلك يبتعثون إلى أميركا والدول الغربية للدراسة!

مؤيدو الابتعاث بدون الحصول على درجة معقولة في اختبارات اللغة يرون أن دراسة اللغة في بلدانها أفضل من دراستها في التعليم العام، بعبارة أخرى يرون أن سنة دراسية واحدة (فصلين دراسيين أو ستة أشهر) كافية لتحصيل ما لم يحصله الطالب في 12 عاماً، في حين يرى معارضو هذا الابتعاث أنه مضيعة لوقت الطالب وأموال الدولة، لأن النتائج أثبتت فشل أغلبية هؤلاء المبتعثين، سواء في اجتيازهم لاختبار اللغة، أم في حصولهم على القبول من جامعات تقبلها وزارة التعليم العالي.

وعلاج هذه الأزمة لا يكمن في استمرار التناحر بين الفريقين، بل في البحث عن سبل تمنح الجاد من هؤلاء الطلبة الفرصة للابتعاث، وتوفر على مَنْ عداه ضياع الوقت والمال. وهناك عدة حلول لعل منها ما يفيد وما يقنع طرفي النزاع كحل «لا يموت فيه الذيب ولا تفنى الغنم».

أولا: لا بد من إضافة حصص ضمن دروس اللغة الإنكليزية خلال آخر سنتين في الثانوية العامة، لتدريس هذه الاخبتارات لتهيئة الطلاب الراغبين في الابتعاث، على أن تكون هذه الدروس اختيارية لهؤلاء الطلاب، وتعد شرطاً من شروط التقديم على البعثة الخارجية، وهذا أمر يتطلب تدريب مدرسي اللغة الإنكليزية عليه من خلال إدخالهم في دورات متخصصة تنظمها مؤسسات تعليمية مؤهلة لهذا النوع من التدريب.

ثانياً: أن تتحمل وزراة التعليم العالي تكاليف دخول الطلبة دورات محلية في معاهد مؤهلة من قبل الوزارة يتقن فيها الطالب اللغة بدلاً من بلد الابتعاث، مع إمكانية التنسيق مع أقسام اللغة الإنكليزية في الجامعة و«التطبيقي» لإقامة هذه الدورات في الصيف، أو من خلال دورات خدمة المجتمع؛ لأن الراغب في تعلم اللغة سيتعلمها في أي مكان، ولا صحة لضرورة اختلاط الطلبة مع أهل البلد، فأغلب طلبتنا يتجمعون في مدن وولايات يتمركز فيها الكويتيون، ويندر أن يحتكوا بأحد من أبناء تلك البلدان، خصوصاً أن معاهد اللغة ليس فيها سوى الأجانب من شاكلتهم. وقد يقول قائل، إن هذا قد يؤخر الطالب عن بدء الدراسة، وهذا غير صحيح، ففي كل الأحوال سيحدث هذا التأخير، سواء درس اللغة في بلده أم في بلد الابتعاث.

ثالثاً: من يحصل على درجة قريبة من الدرجة المطلوبة للقبول يعطى فرصة لدراسة اللغة في بلد الابتعاث، تمهيداً لحصوله على قبول أكاديمي وبدء الدراسة.

رابعاً: من يحصل على درجات متدنية يُخيَّر بين الابتعاث الداخلي ومؤسسات التعليم العالي الحكومية، إن كان معدله مقبولاً في هذه المؤسسات.

خامساً: من لا يقبل أياً من هذه البدائل لابد أن يقتنع هو وأسرته أن الشهادة الجامعية ليست هي الوسيلة الوحيدة لاستمرار الحياة العملية، وهنا نذكر بضرورة التفكير الجدي في إعادة فتح الثانويات المتخصصة، كالثانوية الصناعية التي أُجهِز عليها، بينما تُرِكت الثانوية الدينية قائمة رغم محدودية أفق الدراسة لخريجيها.

بالطبع كل تلك الاقتراحات لا تمثل بديلاً لإصلاح النظام التعليمي المنهار تماماً، والذي يحتاج إلى ثورة جذرية تنشله من هذا الواقع المخيف، سواء على مستوى المعلمين وقدراتهم أم المناهج وتخلف أغلبها، أم حتى في قوانين الخدمة المدنية التي يفترض أن تشجع الطالب على دراسة التخصصات التي يحتاج إليها سوق العمل، وليس مجرد الحصول على الشهادة الجامعية، ليضمن الخريج وظيفة حكومية بالدرجة الرابعة بغض النظر عن التخصص والجامعة التي حصل منها على هذه الشهادة، وطريقة حصوله عليها، ومدى تحصيله العلمي، فالكل في نظر مجلس الخدمة المدنية سواء: الدرجة الرابعة لكل خريج.

علاج الأزمة ليس باستمرار التناحر بل بالبحث عن سبل لمنح الطالب الجاد فرصة الابتعاث

من الممكن إضافة حصص لدروس اللغة الإنكليزية بآخر سنتين من «الثانوية» لتهيئة راغبي الابتعاث
back to top