الغيرة شجرة الصبّار!

نشر في 21-06-2018
آخر تحديث 21-06-2018 | 00:00
 مسفر الدوسري الشعور بالغيرة إحساس ممقوت ليس لوجعه، فالحنين على سبيل المثال إحساس موجع ولكنه وجع لذيذ يسيّل في الشرايين عطوراً مألوفة للقلب، والشوق كذلك موجع ولكنه شعور نبيل يعوّض المتوجع منه مقابل الألم باستحضار من يفتقد وكأنه بين يديه، والانتظار جمر من الثواني يرسم وشمه مع كل نبضة للقلب، ولكنه رغم ذلك رحيم بإسقائنا ماء الأمل وتخيّل المكافأة المنتظرة كي لا نشعر بألم الكي! إلا أن الشعور بالغيرة شيء آخر، شعور لا يتحلى بذرّة خلق من أخلاق الفروسية، ولا يملك موطئ قدم من ظل السمو، فهو علاوة على ما يسببه لنا من ألم يقود خطواتنا للوحل ويعرِضُنا عراةً على مسرح السخرية، ويجعلنا مكشوفين حدّ القرف، شعور لا يقبل "شيكات" الستر وإن كانت "مصدّقة"، يعرض ملامحنا واضحة للمارة، وتصرفاتنا الحمقاء تحت المجهر، ويجعلنا رخيصين حد الغثاء الأحوى، إنه إحساس دنيء وخبيث وبشع، وأشر ما فيه أنه يعرف من أين تؤكل الكرامة، ويجعل منها مرآة لئيمة تُرينا أن لقبحنا جمالا أخاذا، وتعكس صورة حماقاتنا ذكاء ألمعيا، وتقنعنا أن خستنا حق قصاص، فتشعل في صدورنا ناراً لن تصبح رمادا حتى تلتهمنا، أو أن نصبح جمراً وعرسنا الحرائق، شعور الغيرة وسواس يعزف على وتر نقصنا ويحرضنا للثأر لكرامتنا المجروحة، وإنسانيتنا المصابة بالصميم، فيدفعنا عنوة للحضيض لانتشال إنسانيتنا من السقوط، يقرأ لنا تعاويذ "تبيح" لنا الهبوط من سلّم الدناءة للصعود بإنسانيتنا للعلو، ينمو ذلك الإحساس المرعب فينا ليصبح صوتا شيطانيا داخلنا لا يكف عن الصراخ محرضا لنا بحق رد الاعتبار بكل الطرق، لأننا أُهنّا وتم النيل من قدرنا، متخذا من كرامتنا حبل غسيل نعلق عليه ثياب أخلاقنا الرثة، صوت لن يكف عن "تشويك" قلوبنا حتى نعشق الصبّار! فمن ذا الذي يقدر على التآلف مع صوت شيطاني بين ضلوعه لا يكف عن النباح، من أجل ثمرة تين شوكي؟!

إن الشعور بالغيرة شعور مكروه، ليس لأنه موجع، ولكن لأن وجعه مهين ويحط من إنسانيتنا، حتى وإن كان جزءا من طبيعتنا البشرية، لكنه في نهاية الأمر شعور كغيره من المشاعر الأخرى الشيطانية التي تنفي عنا ملائكيتنا، ولكنها في ذات الوقت ليست صديقة لإنسانيتنا، ولجمها واجب، ولست أرى أكثر شرا من هذه المشاعر سوى من يتعمد استخدامها لإيذاء آخر، كذلك لا أرى أكثر رذالة من الغيرة سوى من يتعمد توطينها في آخر، فكيف الحال إذا كان هذا الآخر حبيبا أو كان كذلك أو حتى مشروع حب؟! أي محب ذاك الذي يحاول أن يزرع في صدر من يحب شجرة صبّار؟! أي حبيب هو الذي يدفع محبوبه لأن يكون غثاء أحوى؟! إذا كان شعور الغيرة وهمٌ يوخز صاحبه بالنقص، فنقص متعمد غرسه في آخر أكبر!
back to top