الرياضة متعة حياة!

نشر في 20-06-2018
آخر تحديث 20-06-2018 | 00:00
 طالب الرفاعي مؤكد، يستحق الأمر التأمل في هذا الطوفان البشري الهادر من المشجعين لمباريات كأس العالم المقامة حالياً في روسيا. فالعالم يعيش، برضاه أو رغماً عنه، عصر العولمة والقرية الكونية بامتياز، وواحدة من أهم ملامح هذا العصر وهذه القرية هي الفردانية. فقد بات الإنسان يعيش لحظته واهتمامه بعالمه الشخصي متفرداً، وبعيداً عن أقرب الناس إليه. وبات من المألوف أن يحمل كلٌ منا جهاز الكمبيوتر الخاص به حيثما ذهب، ومؤكد هو لا يستغني في أي لحظة من لحظات يومه عن جهاز التلفون الذكي. وهذا الأمر لم يعد حكراً على فئة من الناس، أو على مكان بعينه في طول العالم وعرضه.

الطوفان البشري المنتشر في ملاعب روسيا، والذي جاء حاجاً لمباريات كرة القدم، يتطلب النظر إلى الأمر بشكل مختلف. فكيف بلعبة بسيطة أن تكون ساحرة لهذا الحد؟ وكيف بلعبة أن تستحوذ على اهتمام البشر لهذه الدرجة؟ وما تراها المتعة العجيبة التي تمنحها هذه اللعبة لمتابعها فتشعره بالنشوة والمتعة؟ لدرجة أن البعض يسافر قاطعاً آلاف الكيلومترات، وباذلاً من الوقت والجهد والمال الشيء الكثير لحضور مباريات كأس العالم. وأخيراً، يكفي بلعبة فخراً وزهواً أنها، وضمن عالم متوحش، ما زالت قادرة على توحيد البشر حول لحظة لهو إنساني يلامس كل إنسان بما يخصه من المتعة والتشويق والتوتر والنشوة.

منذ بداية مباريات كأس العالم، كتبتُ أكثر من مرة على صفحتي في "تويتر": مشاهدة مباريات كأس العالم هي استرخاء حلو في التوتر. نعم، وأنا هنا أتكلم عن نفسي، أجلس متسمراً ومتحفِّزاً أمام شاشة التلفزيون، أتابع المباريات بكل الحماس والإثارة والتوتر وبعض الصرخات! أعود ولداً شاباً عاشقاً للعب كرة القدم، وعاشقاً للتمريرة الذكية، والهدف الصعب، وأخيراً النتيجة المرجوة. لكن، أنا ومعي الملايين يشاهدون كم تغيَّرت هذه اللعبة الساحرة! وكم واكب هذا التغير قوانين جديدة منظمة لها! وكم وكم لمعت وتلمع أسماء داخل مستطيل العشب الأخضر؟ وكيف أن بعض هذه الأسماء، لاعبين ومدربين، صار بطلاً قومياً حاضراً في طول العالم وعرضه بوصفه رمزاً للعبة، وصار يتقاضى مبالغ خيالية لا يمكن لأحد مجاراته فيها.

معروف لعشاق كرة القدم، خطط اللعب التي واكبت مسيرة هذه اللعبة منذ بداياتها، لكن مَن يتابع هذه الأيام المباريات يكتشف أنه لا خطة باقية في مكانها، وأن هناك فرقا تلعب بأحد عشر لاعباً، كلهم يدافعون وكلهم يهاجمون، وكلهم يحرزون أهدافاً، وكلهم يركضون بسرعة الماكينة المجنونة!

أشعر وكأن المشجعين الذين أشاهدهم على شاشة التلفزيون بتقليعاتهم وأزيائهم وحماسهم وتشجيعهم وصراخهم وحتى جنونهم أناس مختلفون عمن يحيط بي. أناس يعيشون لحظتهم العابرة كأجمل وأهنأ ما يكون. أناس تحرروا من قيد اللحظة الإنسانية المعتادة، وحلَّقوا عالياً بأرواحهم، لمعايشة لحظة لعب عابرة. مَن يتابع مجريات المباريات، وخاصة تلك اللقطات التي يتخيَّرها المخرج للجمهور الساهي، ويكشف من خلالها عن مشاعر المشجعين، يرى بوضوح التوتر والأمل والخيبة والضحك والبكاء والصراخ الهستيري، حتى ليُخيَّل لمن يشاهد الجمهور أن هؤلاء الناس نسوا تماماً أنفسهم وباعوها بفرح ولهفة للحظة اللعب العابرة! ولا أظن أثمن على الإنسان من أن يجد نفسه محلِّقاً في سماء نشوة ساحرة فيما هو جالس على كراسي المدرَّج.

مباريات كأس العالم لا تنقل لنا لعب فرقة ضد أخرى، ولا مهارات لاعبين، ولا حماسهم، وجهدهم الخرافي، وتفانيهم واندفاعهم العجيب، ولا تقدم لنا وجوه مدربين معجونة بالتوتر والفرح والخيبة. مباريات كأس العالم تقدم درساً مهماً للسلوك البشري، وللإنسان لحظة ينعتق عن كل ما يحيط به، ويتحرر من كل التزاماته البشرية، ويطير على بساط النشوة الراعفة، أو ينطمر تحت وطأة خيبته بخسارة فريقه.

مباريات كرة القدم لحظات تأخذنا لطفولتنا ولهونا وطيشنا بمتعة ساحرة قد لا نفهمها، لكننا نعيشها كأجمل ما يكون!

back to top