الصين في الشرق الأوسط على خطى الولايات المتحدة؟

نشر في 19-06-2018
آخر تحديث 19-06-2018 | 00:05
 معهد واشنطن تبدأ وثيقة "استراتيجية الدفاع الوطني" للولايات المتحدة، التي أصدرها وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في يناير 2018، بجملة موجزة لا تزال آثارها على السياسة الأميركية عميقة، إذ تشدّد الوثيقة على أن "المنافسة الاستراتيجية بين الدول، لا الإرهاب، هي اليوم الشاغل الرئيس للأمن القومي للولايات المتحدة". ونظراً إلى تركيز واشنطن بشكلٍ مباشر على الإرهاب منذ ١١ سبتمبر ٢٠١١، وخوضها حربين كبيرتين ومشاركتها في حروب صغيرة متعددة بحجة مكافحة الإرهاب، يعتبر هذا التحول المبيّن أعلاه في غاية الأهمية.

ولم تفسّر "استراتيجية الدفاع الوطني" المعنى الدقيق لهذا التحوّل بالنسبة إلى سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولا بالنسبة الى "استراتيجية الأمن القومي" الصادرة البيت الأبيض، فللوهلة الأولى، يبدو أن لبّ المضوع هو تخفيف التركيز على الشرق الأوسط، ولا شكّ أنّ المنطقة أساس أي سياسة لمكافحة الإرهاب، ولكنها ليست موطناً لأي قوى عالمية، ولم تكن ساحةً رئيسةً للمنافسة بين القوى العظمى منذ عدة عقود.

ومع ذلك، ثمة دلائل تُظهر أن هذا الواقع ربما آخذ في التغيير، وأوضح دليل على هذا التغيير هو التدخل الروسي في سورية الذي يشي بعودة طموح موسكو بالتحوّل كجهة فاعلة إقليمية رئيسة منذ عام 2015 فحسب، ويضع القوات الأميركية والروسية على مسافةٍ جغرافية قريبة "غير مريحة"، ومع ذلك تبقى طموحات روسيا مقيّدة في نهاية المطاف بحدود مواردها المالية.

كانت مشاركة الصين المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط أقل تفاعلاً من مشاركة روسيا، ولكن من المرجح أن تكون أكثر أهميةً على المدى البعيد، ومع نمو اقتصاد الصين ازدادت مصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط، الذي يُعد بالنسبة الى بكين مصدراً للطاقة والاستثمار، فضلاً عن أنه وجهة لرأس المال والعمال الصينيين.

وتتشابه المصالح الصينية والأميركية في الشرق الأوسط بشكلٍ لافت، فدول الخليج العربي تزود الصين بجزء كبير من نفطها وغازها الطبيعي المستورد، وهذه تبعية يمكن أن تنمو في السنوات القادمة، وفي المقابل ازدادت قدرة الولايات المتحدة على الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بإمدادات الطاقة لديها، ومع ذلك تبقى أسعار الطاقة العالمية وبالتالي الاقتصاد العالمي عرضة للصدامات الناشئة في المنطقة، حيث يعتمد حلفاء الولايات المتحدة في آسيا وأماكن أخرى وبشكل حاسم على إمدادات الشرق الأوسط.

غير أن هذه المصالح المتداخلة والرغبة المشتركة في تعزيز الاستقرار الإقليمي لم تسفر عن أي تقاربٍ استراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، ومثلما تتغيّر استراتيجية الولايات المتحدة، يحدث أيضاً تحوّل في استراتيجية الصين. فمع تنامي مكانة بكين الاقتصادية والسياسية في المنطقة، سعت الأخيرة إلى بذل مزيد من الجهد للاضطلاع بدورٍ قيادي عبر عقدها مؤتمرات دبلوماسية حول قضايا مثل سورية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويبدو أن الحليف الرئيس لبكين هو إيران، التي لا توفر إمكان الوصول البرّي إلى إمدادات الطاقة في المنطقة فحسب، بل هي أيضاً الدولة الوحيدة على ساحل الخليج غير الملزمة بعلاقة أمنية مع واشنطن.

وحتى الآن تَركّز القلق الأميركي بشأن التعاون الصيني-الإيراني على التهديدات التي تشكلها الجمهورية الإسلامية، كالمساعدات الصينية لبرنامج إيران النووي والصاروخي، ولكن مع تزايد التركيز على المنافسة الاستراتيجية بين الدول، من المحتمل أن يتعاظم هذا القلق ليشمل الطرق التي تسهّل بها إيران الجهود الصينية للتغلب على الولايات المتحدة عالمياً.

من الناحية العملية قد يتحول التركيز العسكري لواشنطن في المنطقة نحو ضمان عدم قدرة أيّ قوة أخرى على استبعاد الولايات المتحدة من المجال الجوي والممرات البحرية المزدحمة في المنطقة، ومن المرجح أن تشجع الولايات المتحدة على انخراط قوى خارجية صديقة كالهند واليابان والاتحاد الأوروبي في المنطقة، فتسعى إلى تقريب حلفاء واشنطن الإقليميين وتحسين صمودهم أمام المصاعب الاقتصادية والسياسية، وتشكّل تركيا هنا عاملاً أساسياً، فهي تثير اهتمام خصوم الولايات المتحدة بسبب موقعها الجغرافي، وبفضل احتمال أن تؤدي العلاقات المتوترة بينها وبين واشنطن إلى تصدّع حلف "الناتو".

قد تفضي المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط إلى التنازع، لكنها قد تؤدي كذلك إلى قيام تعاون بين البلدين، إذ لا يستطيع أي طرف تحمل أعباء المنطقة وحده، أو تبعات تحوّل المنطقة مسرحاً لصراع القوى الكبرى، ومهما يكن من أمر فليس التعاون هنا رهن تحديد ماهية التهديدات والفرص المشتركة في الشرق الأوسط فحسب، بل هو رهن وضع تصوّرٍ للمنافسة الاستراتيجية بين الدول، بحيث لا يكون فيها رابح أو خاسر بالمطلق، وفي حال استطاع الطرفان التوصل الى ذلك، قد تصبح المصالح المشتركة للولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط مصدراً للتخفيف من التوترات الثنائية في آسيا لا امتداداً لها.

* مايكل سينغ

* معهد لندن للشرق الأوسط

back to top