الأصول التي لا يمكن تجاهلها

نشر في 19-06-2018
آخر تحديث 19-06-2018 | 00:08
 بروجيكت سنديكيت كتب بينجامين فرانكلين «أن الاستثمار في المعرفة يحقق أفضل الفوائد»، وفرانكلين الذي كان من أشد مناصري التعليم العام ومؤسس للمكتبات وجامعة بنسلفانيا كان ينظر إلى التعليم كأساس للتقدم البشري، ولو كان حيا اليوم لشعر بصدمة شديدة من حال التعليم في الدول النامية، ولكان من شبه المؤكد أن يدعم المرفق الدولي لتمويل التعليم الذي اقترحته المفوضية الدولية لتمويل فرص التعليم الدولي بقيادة رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون.

في اقتصاد عالمي يعتمد على المعرفة بشكل متزايد فإن التعليم الجيد هو أهم من أي وقت مضى لكن العالم يواجه أزمة تعليم، فنحو 260 مليون طفل لم يلتحقوا بالمدارس وأكثر من ضعف ذلك الرقم موجودون بالمدارس بالفعل لكنهم يتعلمون القليل، لدرجة أنهم يتخرجون من المدرسة بدون مهارات القراءة والكتابة والحساب الأساسية، وهي المهارات التي يحتاجونها للتقدم في حياتهم، وهذا لا يحطم آمال الشباب فحسب، بل هو يعوق تقدم بلدان بأكملها والعالم بشكل عام.

لقد التزم قادة العالم قبل ثلاث سنوات بهدف التنمية المستدامة رقم 4 الذي يدعو إلى توفير تعليم جيد شامل ومنصف للجميع بحلول سنة 2030، ولكن لو استمرت التوجهات الحالية بهذا الشكل فإن أكثر من 800 مليون طفل لن يحققوا ذلك الهدف، ونظرا لأهمية التعليم لكل مؤشر مفيد للتنمية– من بقاء الأطفال إلى صحة الأمهات وتخفيض الفقر– فإن هذا الفشل سيؤثر سلبا على بقية أهداف التنمية المستدامة.

إن قلة الاستثمار هي جوهر أزمة التعليم، فالفشل في إدراك العوائد المرتفعة جدا للتعليم يعني أن حكومات الدول النامية تنفق بالمعدل 4% من الدخل القومي على التعليم، وحتى لو رفعت تلك الحصة إلى 6% فإن العجز التمويلي العالمي يصل إلى 40 مليار دولار أميركي سنويا، وهو رقم مرشح للارتفاع بحلول سنة 2020.

إن التمويل العالمي للتنمية يؤدي دوراً حاسما في تضييق الفجوة، فالأخبار الجيدة المتواضعة هي أنه بعد ست سنوات من الجمود فإن المساعدات المقدمة للتعليم قد ارتفعت سنة 2016، أما الأخبار السيئة فهي أن حصة التعليم في إجمالي المساعدات في انخفاض والقليل من المساعدات تذهب إلى التعليم الأساسي في البلدان منخفضة الدخل.

لكن ليس البلدان الأفقر التي تحتاج للمساعدة فحسب، فنقص التمويل يؤثر أيضا على 53 بلدا من الشريحة الدنيا من البلدان المتوسطة الدخل بدخل يترواح بين 1000 و4000 دولار أميركي، علما أن هذه البلدان التي تمتد من بنغلاديش وزامبيا إلى إندونيسيا والفلبين، تضم 500 مليون طفل تقريبا، والذين لن يلتحقوا بركب التعليم بحلول سنة 2030.

إن العديد من البلدان التي تنتمي إلى الشريحة الدنيا من البلدان المتوسطة الدخل تجد نفسها لا تخضع لأي من التصنيفات المتعلقة بالتمويل، فبينما ترتفع دخول تلك البلدان، يتلقون مبالغ أقل من المنح بدون الفوائد المخصصة للدول الأفقر، ولكن تلك البلدان غير قادرة- أو غير راغبة- على اللجوء إلى أشكال أخرى من التمويل التنموي، وخصوصاً القروض من البنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية، فهذه القروض متوافرة بشروط تفضيلية أفضل بكثير من القروض التي كان يمكن لدول الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل الحصول عليها من الأسواق العالمية وذلك بفضل التصنيف الائتماني للبنك الدولي.

إن جزءاً من المشكلة هو أن حكومات الدول النامية لا تطلب التمويل من أجل التعليم، فالغالبية تعطي الأولوية للقروض من أجل رأس المال المادي مثل البنية التحتية المتعلقة بالنقل والطاقة على الاستثمار في رأس المال البشري مثل التعليم، وهذا سيئ بالنسبة إلى الاقتصادات، فالدول التي لديها أفضل الطرق والجسور على مستوى العالم ولكن لديها أنظمة تعليمية محدودة الجودة، لا تؤدي بشكل جيد وسريع ما يتعلق بالنمو الاقتصادي طويل المدى والتنمية البشرية.

إن البنك الدولي نفسه لا يولي أهمية كبيرة للتعليم، علما أن 5% فقط من محفظة قروض البنك مخصصة لقطاع التعليم والجزء الأكبر من تلك النسبة يذهب إلى حفنة من الدول متوسطة الدخل الأغنى.

إن ما يحسب لرئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم قيامه وبشكل علني بتحدي الحكومات التي تهمل الاستثمار في مواطنيها، حيث أعلن إنشاء مؤشر سيصنف البلدان طبقا لاستثماراتها في رأس المال البشري، فيجب على البنك الدولي العمل الآن مع الحكومات للتحقق من أن المزيد من محفظته الإقراضية التي تصل إلى 50 مليار دولار أميركي، ستخصص للتعليم، كما يجب أن تعمل بنوك التنمية الإقليمية الشيء نفسه.

يمكن أن يساعد المرفق الدولي لتمويل التعليم في تحفيز التغيير، حيث يمكن أن يقوم على وجه الخصوص بإنشاء مرفق جديد مخصص لضمان قروض التعليم من البنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية، ونظراً لأن تصنيف البنك الدولي الائتماني يمكنه دفع مبلغ 4 دولارت أميركية على شكل قروض لكل دولار أميركي في الاحتياط، فإن هذا يعني أن مبلغ 2 مليار دولار أميركي كضمانات يمكن أن تؤدي للحصول على مبلغ 8 مليارات دولار أميركي كتمويل للتعليم، كما أن المرفق الجديد سيتضمن كذلك برنامج منح لدعم التخفيض في اسعار الفائدة من شروط صعبة تتعلق بالقروض الى شروط ميسرة للقروض بحيث يمكن تحمل تكلفتها.

هناك مخاوف من نقاد يعتقدون أن القروض التي يرعاها المرفق الدولي لتمويل التعليم يمكن أن تخلق ديوناً غير مستدامة، ولكن هذه المخاوف ليست في محلها، فبعض الدول النامية وخصوصاً في إفريقيا تتجه إلى أزمة ديون متجددة.

وإن ضعف تحصيل الإيرادات والموازنات المهلهلة والاقتراض المتهور بالعملة الصعبة بأسعار فائدة مرتفعة في أسواق السندات السيادية كلها عوامل أدت دورا في ذلك ولكن الترياق المتعلق بالسياسات هو زيادة الإيرادات الحكومية وخصوصاً عن طريق التعامل بحزم مع التهرب الضريبي، وتبني إجراءات لتخفيض الديون عالية الفائدة.

وإن رفض تمويل التعليم الميسر للغاية بحجة ضبط أوضاع المالية العامة يعتبر وصفة لعلاج سيقتل الأمل والفرص، حيث إنه سيحرم التعليم من الموارد ويضع عب التعديل المالي على عاتق الاطفال في الخطوط الامامية لازمة التعليم مما يقوض إمكانات النمو الاقتصادي، ويشعل انعدام المساواة كذلك، وهذا بالضبط ما حصل طبقا لمقاربة صندوق النقد الدولي لأزمة الديون في الثمانينات، وذلك عندما ركزت برامج التعديل الهيكلي على التخفيضات الكبيرة في الإنفاق على أنظمة التعليم والصحة.

إن المرفق الدولي لتمويل التعليم لا يمكن أن يحل أزمة التعليم العالمية لوحده، فالحكومات بحاجة إلى السعي إلى تطبيق إصلاحات أوسع تركز بشكل لا هوادة فيه على النوعية والمساواة والنتائج، ولكن في وقت تعاني فيه الدول المانحة من التقشف المالي فإن المرفق الدولي لتمويل التعليم هو جزء من الهندسة المالية الذكية التي يمكن أن تحقق الاستفادة القصوى من دولارات المنح ودعم الإصلاح.

والأموال لا تكفي للتحقق من حصول الجميع على تعليم جيد ولكن الاموال مهمة ومبادرة المرفق الدولي لتمويل التعليم ستساعد في تمويل الاستثمارات، والتي يمكن أن تطلق إمكانات الأطفال الذين تم التخلي عنهم، وكما أدرك فرانكلين فإن عوائد تلك الاستثمارات ستكون ضخمة كما أن تكلفة عدم فعل شيء ستكون ضخمة كذلك.

* كيفن واتكنز

* الرئيس التنفيذي لمؤسسة أنقذوا الأطفال (سايف ذا تشيلدرن) في بريطانيا.

«بروجيكت سنديكت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»

العجز التمويلي العالمي للتعليم يصل إلى 40 مليار دولار أميركي سنوياً وهو رقم مرشح للارتفاع بحلول سنة 2020

غالبية الدول النامية تعطي الأولوية لقروض البنية التحتية المتعلقة بالنقل والطاقة قبل الاستثمار في رأس المال البشري كالتعليم
back to top