إياكم والعبث بالتعليم

نشر في 17-06-2018
آخر تحديث 17-06-2018 | 00:15
No Image Caption
في بلدان العالم المتقدمة، يقف نواب البرلمان في صفوف الشعب ويدافعون عن حقوقه وقد يسقطون حكومات ويوجعون أخرى، نعم قد يفعلون هذا كله، وأشد منه، غير أن ذلك مشروط بعدم الجور على مصلحة الوطن، ومستقبل أبنائه، والعبث بمؤسساته.

هذا هناك، أما هنا فالوضع مختلف، بل مختلف تماماً، فبعض نوابنا يتدخلون في كل شيء، فيما يعرفون وما لا يعرفون، وفيما يفقهون وما لا علاقة لهم به، مع تصويرهم أن آراءهم هي الحق المطلق الذي لا يأتيه الباطل، متخيلين أنهم من يسعون إلى مصلحة الشعب، ومن يرى عكس رؤيتهم لا يريد للمواطنين خيراً ولا للبلد تقدماً، حتى أزالوا من نفوس الناس ثقتهم بدولة المؤسسات، وأهل الاختصاص، إلى أن غدا المختصون في تلك المؤسسات يشكّون في أنفسهم، وربما خضع قياديوها لما ينادي به النواب، ولو خطأ، تجنباً للتهديدات العالية الصوت التي تجد آذاناً صاغية تستمع إليها.

يوماً بعد آخر يتحفنا نوابنا الأفاضل بشواهد كثيرة على تدخلاتهم غير المدروسة التي تحمل رائحة النفعية الانتخابية على حساب الوطن وأجياله المستقبلية، وها هما نائبان من حملة الدكتوراه، بما تتضمنه تلك الشهادة من فحوى الوعي والثقافة والرؤية البعيدة، يرفعان على وزير التربية وزير التعليم العالي سيف التهديد بتحمُّل المسؤولية السياسية إذا لم يستجب لهما بإلغاء شرط "الأيلتس" الذي يوجب اجتياز الطلاب المقبولين في الابتعاث إلى الخارج، اختباراً للقدرات في اللغة الإنكليزية.

ما نفهمه أن مطالبة كهذه قد ترضي بعض من له ابن أو أخ قريب يوشك أن يبتعث دون أن يكون قادراً على التحدث أو الدراسة بالإنكليزية، ترضي من يقدم مصلحته الشخصية على حساب إتقان الخريج لتخصصه واستفادة الدولة من ابتعاثه، وفي جانب موازٍ، ترضي من لا يرى أمامه إلا صندوقاً انتخابياً وقاعدة وأصواتاً يحفر لها بمثل تلك المطالبات ممراً لتصب في مصلحته، أما عن مصلحة الوطن، فلا علاقة لتلك المطالبة بها من قريب أو بعيد.

إذا كان النائبان المحترمان، حاملا الدكتوراه، يعتقدان أن تراجع الوزير عن اشتراط إجادة اللغة الإنكليزية سيخدم العملية التعليمية ويرفع مستوى البعثات، ويكفل نجاح الطلبة في مسيرتهم التعليمية في البلاد المبتعثين إليها، فتلك مصيبة، أما إذا كانا يعلمان، ونظن أنهما يعلمان، أن إلغاء الشرط سيضعف مستوى البعثات، ويضيع على البلاد مبالغ طائلة دون أي فائدة، فالمصيبة أكبر وأضل سبيلاً.

ألم يسمع النائبان اللذان يتدخلان في أمور أكاديمية خارجة عن نطاق عملهما التشريعي والرقابي عن أعداد طلبتنا الذين يسافرون إلى بلاد الابتعاث ويقضون بها عاماً ثم يرجعون بخُفي حنين بسبب عقبة اللغة التي تحول دون نجاحهم في استكمال الدراسة، يعودون وقد ضيعوا على البلاد أموالاً وتحملوا ديوناً وضيعوا على أنفسهم أوقاتاً وتكلفوا جهوداً في غير طائل؟!، وما كان كل ذلك ليحدث لو أنهم مروا بمثل اختبار "الأيلتس".

المطالبات بإلغاء شرط تعلم اللغة للمبتعث كمن يتغاضى عن تعلم السباحة قبل أن ينزل إلى البحر، فلماذا نصر على إغراق المبتعث في بحر الفشل، معاندين منطق العدالة وتكافؤ الفرص؟! لماذا نصر على منح تلك الفرص لمن لا يستحق، وسلبها من المستحقين؟!... كلهم أبناء الكويت، فمن تتوافر فيه الشروط فليذهب مصحوباً بموفور الدعاء والتمنيات بأن يعود بعد رحلة نجاح يشرّف فيها بلاده وينفع بها مستقبل وطنه، أما من لا تتوافر فيه الشروط، فليعد نفسه أولاً، وليتسلح بسلاح اللغة كي يُبتَعث، وإلا فليبحث عن فرصته داخل الكويت، كفانا إخلالاً بمؤسساتنا... كفانا مجاملات على حساب مصلحة الوطن عامة، وعلى حساب التعليم خاصة، فإياكم والعبث بالتعليم... فليس لمجتمع أن يتقدم بدون مواطن واعٍ متعلم.

الجريدة

back to top