عبادة المشاهير

نشر في 16-06-2018
آخر تحديث 16-06-2018 | 00:07
القوة العسكرية هي التي تجلب كل أنواع الشرف، العلمي والطبي والفلكي بل حتى الديني، فبسبب ريادة أميركا العالم أصبح للمغنين والممثلين وضعٌ منقلب عما سلف حول العالم، ففي السابق كان دور مشاهير الفن محصورا في التسالي والترفية، أما الآن فأصبحت الراقصة تُسأل في برنامج ثقافي عن رأيها الفقهي في الحجاب.
 جري سالم الجري الشرف هو العلو والرفعة في المجتمع، والشريف هو أعلى القوم ممن يشرّفه الناس ليكون مسؤولا عن شؤونهم؛ وإذا رحب ذوو المكانة العالية (الشرف) بالشخص في بيوتهم تراه يقول: "هذا شرف لي أن توجهوا لي الدعوة"، بمعنى أنهم رفعوا من شأنه، كشُرفة البيت التي تطل من علو على المنطقة، أما المشهور في الفن فله تشريف من نوع خاص، وهذا هو تركيز مقالي.

ليس المجتمع إلا اجتماع مجموعة من الناس تنظمهم قيم وأخلاق، وليس كل الأخلاق نبيلة وليس كل القيم سديدة، فلا ينبغي الظن بأن الشرف معياره موحد حول العالم، فقد جرى اتصال عمل بيني وبين مديرة صحافة أميركية عن سبب اعتلاء رئيس دور "الكازينو" دونالد ترامب رئاسة أميركا وقبله ممثل هوليوود رونالد ريغان، فأجابت قائلةً: "في بريطانيا الأسرة الملكية لها التشريف وفي اليابان تشريف الأسر الإمبراطورية يأتي من ظن الناس أنها أبناء الإله، وأما عندكم العرب فعندكم شيوخ قبائلكم، أما عندنا فهم الممثلون والمغنون". ولكن لماذا؟

أنا أرى أن علة ذلك هو عدم تكوين حضارة أميركا من عرق واحد أصلي، فإذا اختلطت الأعراق بالعنف الذي تمازجت فيه بأميركا فسيكون معيار تشريفهم للأعلى صوتا والأوسع انتشارا، لا الأنسب منطقا أو حكمةً بينهم، لأنه ليس عندهم هيكل أخلاقي واحد يتبعونه، ولا تنطق فيهم إلا لغة الأموال، فأنسب وصف لأميركا هو "الدولة الشركة"، حيث تكون الهيمنة للشعبية لا الأصالة، ولكن كيف تفشت عبادة المشاهير عبر العالم؟

القوة العسكرية هي التي تجلب كل أنواع الشرف، العلمي والطبي والفلكي بل حتى الديني، فبسبب ريادة أميركا العالم أصبح للمغنين والممثلين وضعٌ منقلب عما سلف حول العالم، ففي السابق كان دور مشاهير الفن محصورا في التسالي والترفية المقدم منهم، أما الآن فأصبحت الراقصة تُسأل في برنامج ثقافي يضم دكاترة ومشايخ عن رأيها الفقهي في الحجاب، أو عن قراءتها للأجندة الخاصة للأحزاب المتصارعة في شبه الجزيرة العربية، ناهيك عن سؤال ممثل كوميدي في رمضان عن وجهة نظره في إيمانيات الملحدين.

أختم بموقف مضحك ومؤلم: العبادة في السابق كانت بصناعة صنم من تمر بأيدي من يعبدونه ومنحه هيبة خيالية، أما الآن فصارت بإخراج عمل فني وتوهم الممثل فيه كمال الشخصية المجتمعية. أتذكر بنتاً في الثانوية اشتهرت قصتها لما علقت صورة المغني الذي تعشقه على طول الباب، وتسجد له كل يوم دراسي.

حركتها هذه تمثل انجراف الناس نحو أقوال رواد الهوى في كل مجال، وإهمالهم كلام المختصين، وهذه ظاهرة غير طبيعية عما كانت عليه المجتمعات في السابق، ولكنها ستستمر حتى بعد زوال أميركا، ولعلها من علامات الساعة.

back to top