أرجوحة: ضيفنا الكريم... وداعاً

نشر في 15-06-2018
آخر تحديث 15-06-2018 | 00:09
 د. مناور بيان الراجحي ذهب الضيف الكريم الخفيف سريعاً، وكل ما نرجوه من الله عز وجل أن يكون الضيف قد ذهب بسيئاتنا، وقبل الله فيه صلاتنا وصيامنا وسائر أعمالنا الصالحة، مر الضيف علينا سريعاً كسرعة الريح، ففي الأمس كنا نستقبله واليوم نودعه؛ ولكنها سنّة الأيام، فها نحن نستقبل الضيف الكريم في كل عام، وقد فقدنا الكثير من الأحباب والأصدقاء الذين توفاهم الله، مما يستوجب نعمة الحمد للخالق المنان أن بلغنا بالخير رمضان، وأن نتذكر إنما نحن أيضا ضيوف على هذه الدنيا، ومسافرون وقفوا يستظلون بظل شجرة من شدة الحر والهجير، ومساحتنا من الدنيا ليست السفرة بطولها، إنما هي فترة الاستراحة تحت هذه الشجرة فقط، فكم هي قصيرة، وكم هو سريع وقت الاستراحة لنكمل الرحلة إلى الله عز وجل، فتزودا فإن خير الزاد التقوى واتقوا الله لعلكم ترحمون.

ذهب الضيف إخواني الكرام، وترك فينا من الخير الكثير، وأيقظ في قلوبنا المعاني الجميلة، ونرجو الله أن نكون قد بلغنا الهدف والغاية العظمى من صيامه، وهي التقوى، ولعلها خير زاد نتزود به من رمضان، لنستمر في عمل الخيرات وترك المنكرات، فكان الصحابة، رضوان الله عليهم، يبنون جهودهم في العام كله حول رمضان، وإذا انتهى رمضان عاشوا بروحانياته وإيمانياته ستة أشهر، ثم بدؤوا الخمسة الأخرى استعداداً لاستقبال رمضان من جديد، فكان العام كله رمضان بالنسبة إلى صحابة رسولنا الكرام، رضي الله عنهم وأرضاهم، فهل نتعلم هذا الدرس ونكمل الطريق إلى الله، ونتزود من الخير في شهر شوال المحرم بصيام ست منه، لتكون بمثابة صيام الدهر كله كما أخبرنا رسولنا، صلى الله عليه وسلم، فها هي النفوس مازالت خاشعةً مطمئنة بتقوى الصيام والعمل الصالح في رمضان، فاستثمروا هذا الخير في نفوسكم وواصلوا الصوم بعد فرحة العيد ستاً من شوال، عسى الله أن يكتب لنا الأجر ويتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.

إخواني الكرام، لقد سعدت المساجد في رمضان، فلا تهجروها بعد رمضان، وقد أنارت وجوهنا من النظر في كتاب الله فلا تطفئوها، وقد طهرت ألسنتنا بذكر الله فلا تدنسوها بعد رمضان، وحافظوا على صلاة الجماعة، وقيام الليل، وقراءة القرآن، وذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب. كان الحر شديداً هذا العام في بعض أيام الصيام، وكان العطش شديداً، وهو ما يضعنا أمام حقيقة مهمة للتدبر في حر يوم القيامة الذي لا يوازيه حر، وعطش يوم القيامة الذي لا يساويه عطش، فاعتبروا يا أولي الأبصار، وتزودا من الدنيا بالعمل الصالح، وتذكروا قصر رحلة السفر، وأن كل ما نحياه في هذه الدنيا الفانية لن يساوي يوماً أو بعض يوم في ميزان يوم القيامة؛ بل لا تساوي ساعة من نهار، فالعاقل من فهم أن الدنيا هي دار اختبار، وأن الآخرة هي دار القرار، فركب سفينة الأخيار، وطلق الدنيا، واشترى ما عند الله، وما عند الله هو خير للمتقين الصابرين الأبرار.

ذهب الضيف الكريم وقلبي يتوق لعودته، فاللهم بلغنا بالخير رمضان، واغفر لنا ذنوبنا وارحمنا وكفّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، وبارك اللهم لنا في أولادنا وأرزاقنا، وارض اللهم عن آبائنا وأمهاتنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا، واكتب لنا من يد حبيبنا ونبينا شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً، وتقبل الله صيامنا وقيامنا، واحفظ الكويت وأهلها وولاة أمورها من كل سوء، واغفر لحينا وميتنا، وتقبل دعاءنا وحقق رجاءنا يا أكرم الأكرمين يا الله، وكل رمضان وأنتم بخير، وعيدكم مبارك.

back to top