صراعات القطاع النفطي تهدد استثمارات بـ 508 مليارات دولار!

● معظمها نزاعات بين قياديي مؤسسة البترول وشركاتها على المناصب والصلاحيات والنفوذ
● استراتيجية مؤسسة البترول تناقض خطط الدولة المعلنة في خفض الاعتماد على النفط!

نشر في 14-06-2018
آخر تحديث 14-06-2018 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
واجهت مؤسسة البترول، التي تتطلع إلى إنفاق 508 مليارات دولار في استراتيجيتها حتى عام 2040، خلال السنوات الماضية، العديد من الأزمات والخلافات، مما يحفز المخاوف بشأن جدارتها في إنفاق هذا المبلغ الضخم بصورة سليمة.
عادت صراعات القطاع النفطي إلى الواجهة مجددا، مع تقديم الرئيس التنفيذي للشركة البترولية المتكاملة «كيبك» هاشم هاشم استقالته من منصبه الأسبوع الماضي، احتجاجا على ما اعتبره «انتهاج المؤسسة بعض التوجهات التي لا تتناسب مع سياساتها العامة، وخصوصاً ما يتعلق بعلاقتها بالشركات التابعة».

ودون التحيز لموقف أي طرف في هذا الصراع أو غيره، فإن القطاع النفطي عاش خلال السنوات الماضية أجواء عالية التوتر والتصدع، سادت خلالها الانقسامات والخلافات حول العديد من القضايا الإدارية والعمالية، وبعض القضايا المتعلقة بالتدخلات السياسية، ولم يكن الخلاف في أي مناسبة فنيا أو يتعلق بصميم العمليات، ففي مناسبات عديدة خلال السنوات الماضية كان دور مؤسسة البترول جزءا من الأزمة لا الحل.

أزمة التعيينات

من الأمثلة على أزمات القطاع النفطي خلال السنوات القليلة الماضية يمكن استذكار أزمة تعيينات مجالس إدارات الشركات النفطية عام 2015، والتي نشبت بين قيادات المؤسسة، وعلى رأسها الرئيس التنفيذي نزار العدساني مع وزير النفط الأسبق علي العمير، والتي تمت تسويتها بزيادة عدد مقاعد مجلس إدارة المؤسسة من 9 إلى 16 عضواً (لتعيين أطراف محسوبة على المختلفين) ومن ثم إعادة عدد الأعضاء إلى 9 بعد تنحي الوزير العمير، بما في ذلك من تكريس قواعد غير مهنية بتجاهل آلية التعيين المعتمدة في القطاع النفطي، والتي تتمثل في تحديد لجنة من ذوي الخبرة والكفاءة لاختيار من يشغل المناصب القيادية في النفط، فضلا عن أنه جعل المراسلات ذات السرية العالية وسيلة في معركة إعلامية و»تويترية» غير معهودة في القطاع النفطي.

إضراب ومضاربة واستقالة

مرورا بالإضراب الشامل الذي نفذه عمال القطاع النفطي عام 2016، وكان من نتائجه هبوط العمليات بنسبة تتراوح بين 50 و60 في المئة من إجمالي الإنتاج، و50 في المئة من قدرة تكرير المصافي، وإغلاق مصنع الأسمدة، وهو ما أدى إلى خسائر كبيرة كان يمكن تلافيها لو لعبت مؤسسة البترول دور الوسيط بين العمال والنقابات من جهة والحكومة من جهة ثانية، خصوصا أن المضربين حصلوا على العديد من مطالبهم لاحقا، إما بقرارات وزارية أو أحكام قضائية، إلى جانب إعلان المؤسسة رغبتها في عام 2017 في إنشاء شركة خارج الكويت لتداول المنتجات البترولية، مما أثار الشكوك والاستغراب من توجه المؤسسة نحو المضاربة في أسواق النفط العالمية بصورة لا تتناسب مع طبيعة المؤسسة التي يفترض أن تنأى بأهم ثروة طبيعية في البلاد عن احتمالات المخاطرة في الأسواق العالمية، قبل أن يدخل ملف الشركة المفترضة في طي النسيان حتى في تصريحات وأدبيات القطاع النفطي.

ولم يكد عام 2018 ينتصف حتى جاءت استقالة هاشم هاشم لتزيد التصدع وتكشف عن جوانب مخفية جديدة في صراعات القطاع النفطي تتعلق هذه المرة بالصلاحيات والاستقلالية.

508 مليارات

هذه المشكلات والتصدعات المتكررة، والتي كان يمكن تلافيها بقدر معين من الحكمة والحوكمة، تطرح أكثر من تساؤل حول مدى كفاءة وقدرة مؤسسة البترول على تنفيذ الاستراتيجية التي أعلنتها بداية هذا العام لإنفاق 508 مليارات دولار للاستثمار في القطاع النفطي حتى 2040، بهدف رفع الطاقة الإنتاجية للكويت إلى 4.75 ملايين برميل يومياً بحلول 2040، مقابل نحو 2.7 مليون حالياً، وهذه الاستثمارات تتضمن 114 مليار دولار سيتم إنفاقها خلال السنوات الخمس المقبلة، على أن يتم إنفاق 394 مليارا حتى عام 2040.

ومع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الاستراتيجية تناقض كل أدبيات خطط الدولة المعلنة على المدى البعيد، التي تتحدث عن تقليل الاعتماد على النفط، وخلق مصادر دخل بديلة أو مساندة للمالية العامة فإن السؤال الذي على المجلس الأعلى للبترول الإجابة عنه هو: هل يمكن لقطاع يواجه سنويا أزمات معظمها غير مبرر أن يكلف بإنفاق مئات المليارات على استثمارات قد تتأثر بنزاعات وتصدعات القطاع النفطي، التي يبدو أنها تسير نحو الأسوأ مقارنة بالسنوات السابقة؟ فضلا عن أن الخطط الاستراتيجية الكبرى في أي قطاع تحتاج إلى استقرار وتفاهم لا نزاع وصراع.

خلافات غير فنية

معظم أزمات القطاع النفطي ليست فنية بل تتعلق بصراعات قياديين في مؤسسة البترول وشركاتها التابعة على المناصب والصلاحيات والنفوذ، وفي سبيل ذلك يمكن أن تتغير وتتناقض خطط استراتيجية بعيدة المدى وفقا لصراع معين، وهو ما يفسر وجود توجه لإلغاء الشركة الوليدة «كيبك» أو دمجها مع شركة أخرى، رغم أنها المسؤولة عن مشاريع متعددة كمصفاة الزور ومجمع البتروكيماويات ومرافق استيراد الغاز الطبيعي المسال، ليس لحاجة فنية إنما لتجاوز أزمة إدارية أقل بكثير من حجم القطاع النفطي... إلى جانب اتخاذ قرارات متوقعة بتدوير القياديين أيضا، وفقا لقواعد تمليها الخلافات غير الفنية.

«الأعلى للبترول»

إصلاح القطاع النفطي مسؤولية أساسية للمجلس الأعلى للبترول، خصوصا في ظل تعثر مؤسسة البترول الكويتية عن معالجة الأوضاع والصراعات وتفاقمها في كل مناسبة، فالأولوية اليوم في إحياء قواعد التعيين بالمناصب القيادية، والتي تم تجاهل العديد منها في السنوات الماضية، إلى جانب تحديد صلاحيات الشركات التابعة في تعاملاتها مع مؤسسة البترول، إضافة إلى ضبط إنفاق المؤسسة على استراتيجيتها، بحيث لا تتناقض مع خطط الدولة في خفض الاعتماد على النفط... فواقعنا المالي والاقتصادي يشير بصراحة إلى أن النفط هو المصدر الأساسي للدخل، وبالتالي الإنفاق وأي إهمال أو حتى مجاملة في إصلاح قطاعه أو تأجيل معالجته سيدفعنا ثمنا غاليا في المستقبل.

الخطط الاستراتيجية الكبرى تحتاج إلى استقرار وتفاهم ونقاش فني لا نزاع وصراع
back to top