استجابة رحيمة بالمناخ لتصرفات ترامب وسياسة الحماية

نشر في 13-06-2018
آخر تحديث 13-06-2018 | 00:06
مع الاستجابة المدروسة التقدمية لسياسة الحماية الضيقة الأفق التي ينتهجها ترامب، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يعمل على ترسيخ دوره كرائد طليعي في السعي إلى إقامة نظام تجاري أكثر عدالة واستدامة، وفي القيام بذلك لن يساعد الاتحاد الأوروبي في حماية البيئة التي نعتمد عليها جميعا فحسب، بل يعزز أيضا من نفوذه الدولي.
 بروجيكت سنديكيت بينما يترجم الرئيس الأميركي دونالد ترامب استراتيجيته "أميركا أولا" إلى تعريفات جمركية على الواردات، ومع استعداد الاتحاد الأوروبي لتبني تدابير مضادة تدفع الاقتصاد العالمي نحو مواجهة تجارية، يلقى التحدي الحقيقي الذي يواجه اقتصاد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- بل اقتصاد العالَم بأسره- التجاهل. يتلخص هذا التحدي في تشكيل الاقتصاد العالمي، بما في ذلك التجارة، على النحو الذي يجعله يحترم أخيرا الحدود الطبيعية لكوكب الأرض.

الواقع أن أجندة ترامب التجارية تضع التقدميين في موقف لا يخلو من مفارقة، فعلى مدى سنوات عديدة، كانوا يشجبون النظام التجاري الحالي على أنه غير عادل ومدمر بيئيا، ولكن في مواجهة سياسة الحماية القومية التي يفرضها ترامب، مع تردد أصداء الأخطاء المهلكة التي ارتكبت في ثلاثينيات القرن العشرين، يشعر بعض الناس بأنهم ملزمون بالدفاع عن النظام الحالي.

الآن يرى المدافعون عن الوضع الراهن من النيوليبراليين فرصة سياسية، فمن خلال وضع التقدميين في الفئة نفسها مع ترامب بوصفهم من "أنصار سياسة الحماية"، يشجبون الاحتجاجات المبررة الواسعة النطاق من قِبَل منظمات المجتمع المدني ضد الصفقات الإقليمية الضخمة مثل الاتفاقية التجارية الشاملة للاقتصاد والتجارة بين الاتحاد الأوروبي وكندا، واتفاقية شراكة الاستثمار والتجارة عبر الأطلسي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

لكي تنجح السياسة التقدمية يتعين على أنصارها أن يتجاوزوا الدفاع عن النظام التجاري القائم ضد ترامب، فهم يحتاجون إلى اتخاذ موقف هجومي، وهذا يعني الضغط من أجل تنفيذ الإصلاحات التي تهدف إلى خلق نظام تجاري دولي عادل ومنصف وقائم على القواعد، وإلا فإن القومية الاقتصادية على طريقة ترامب ستظل تخلف صدى لدى شريحة كبيرة من السكان في الولايات المتحدة وأماكن أخرى.

بادئ ذي بدء، في ظل مناقشة الاتحاد الأوروبي للتدابير المضادة للتعريفات الأميركية بنسبة 10% على الألمنيوم و25% على الصلب، يستحق الأمر أن ننظر إلى ما هو أبعد من الأهمية الاقتصادية لهذا النزاع، إلى الجوانب البيئية فيما يتصل بالسلع المعنية. على سبيل المثال يمثل إنتاج الصلب، الذي يستخدم الفحم المعدني وفحم الكوك، نحو 5% من الانبعاثات العالمية من ثاني أكسيد الكربون.

وهذا ليس قدرا محتما، فمن الممكن استبدال الصلب والفولاذ بمواد بديلة أقل إنتاجا للانبعاثات الغازية، كما يمكن إنتاجه مع إطلاق قدر أقل كثير من الانبعاثات، فالآن يبحث المنتجون السويديون في إنتاج الصلب الخالي من ثاني أكسيد الكربون تقريبا باستخدام الكهرباء والهيدروجين المستخلص من مصادر الطاقة المتجددة، وتعمل شركة تيسين كروب الألمانية على تطوير عملية تستخدم أبخرة العادم الناجمة عن إنتاج الصلب كمادة خام لمنتجات كيميائية والغاز الطبيعي الاصطناعي، وخفض التلوث الكربوني.

لكن هذه البدائل لن تكون صالحة للتطبيق ما دام من المسموح لصناعة الصلب الراسخة باستخدام الغلاف الجوي كمكب مجاني للانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون، ويتفق خبراء الاقتصاد من مختلف درجات الطيف السياسي على أن أحد مفاتيح الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري الكوكبي هو جعلها أكثر تكلفة من أن تتمكن الشركات من إنتاجها، فهي باهظة التكلفة إلى الحد الذي تصبح عنده الخيارات الرحيمة بالمناخ أرخص بالمقارنة، وبالتالي قادرة على المنافسة. ولهذا السبب يدعو حزب الخضر الألماني إلى تحديد سعر أدنى لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون كجزء من نظام مقايضة الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي. وقد فعلت ولاية كاليفورنيا هذا في إطار مخططها للمقايضة، ونحن نريد أن نتقدم الطريق، مع فرنسا، في أوروبا.

وقد قوبلت مثل هذه المقترحات بمقاومة قوية، إذ يزعم كثيرون أن تحديد سعر مرتفع للانبعاثات في أوروبا من شأنه أن يعطي المنتجين الأجانب ميزة تنافسية في سوق الاتحاد الأوروبي، علاوة على ذلك، ولأن الإنتاج سينتقل ببساطة إلى الخارج، وفقا لهذا المنطق، فلن تكون البيئة في حال أفضل في الإجمال في نهاية المطاف.

على الرغم من ضعفها، خلفت هذه الحجة انطباعا قويا في أذهان صناع السياسة الأوروبيين، لكن الدوران حول هذه المشكلة أمر وارد بوضوح: فربما يمكن فرض رسوم على الواردات الكثيفة الانبعاثات- مثل الصلب والإسمنت والألمنيوم- على حدود الاتحاد الأوروبي، وقد تكون هذه خطوة مهمة نحو نظام تجاري عادل ومستجيب لمتطلبات المناخ، وستكون الرسوم عادلة، لأن القواعد البيئية ستطبق بلا تمييز على المنتجات الأوروبية والأجنبية. وما دامت الرسوم نفسها مفروضة على السلع المنتجة محليا، فإن مثل هذا "التعديل الكربوني الحدي" لن ينتهك قواعد منظمة التجارة العالمية.

من خلال تمكين الدول الملتزمة بحماية البيئة من التصدي لتلك التي لا تلتزم، تستطيع هذه الاستراتيجية أن تساعد في مواءمة النظام التجاري العالمي بشكل أوثق مع الحتميات البيئية، ومن الواضح أن السياسات مثل تعديل الكربون الحدي ليست تدابير حماية وطنية ضيقة الأفق، بل هي ردة فعل ضرورية من قِبَل الدول الملتزمة بحماية المناخ. كما أنها ليست فكرة جديدة: فكل مشروع قانون مرتبط بالمناخ فشل في المرور عبر الكونغرس الأميركي في عام 2009 كان يشمل آلية كهذه.

بدلا من السماح لنفسه بالانجرار إلى ألعاب ترامب التجارية المدمرة، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يسارع إلى تقديم تعديل الكربون الحدي من أجل تعزيز نظام رحيم بالمناخ، وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون داعما قويا لهذا التوجه، وقد عملت بالفعل مجموعة من الباحثين يمثلون معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن، وغير ذلك من المؤسسات الرائدة، على تطوير مجموعة من المقترحات الملموسة فيما يتصل بكيفية تنفيذ مثل هذا البرنامج. ومن خلال القيام بذلك يسوق الاتحاد الأوروبي الحجة لصالح تجارة أكثر عدالة ونظافة.

من خلال إثبات حقيقة مفادها أن عدم الالتزام بحماية المناخ ليس بلا ثمن، فقد تحفز مثل هذه الاستجابات التغيير في أماكن أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة. على سبيل المثال ربما تشجع إدارة ترامب على إعادة النظر في الانسحاب من اتفاق باريس المناخي الذي أبرم في عام 2015، وخصوصا إذا تواصلت القوى الأوروبية مع التقدميين من ذوي الفِكر المماثل، في كاليفورنيا أو نيويورك على سبيل المثال. وحتى لو لم يتزحزح ترامب عن موقفه فإن فرض الضريبة على ثاني أكسيد الكربون ربما يردع مقلديه المحتملين في أماكن أخرى.

مع هذه الاستجابة المدروسة التقدمية لسياسة الحماية الضيقة الأفق التي ينتهجها ترامب، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يعمل على ترسيخ دوره كرائد طليعي في السعي إلى إقامة نظام تجاري أكثر عدالة واستدامة، وفي القيام بذلك لن يساعد الاتحاد الأوروبي في حماية البيئة التي نعتمد عليها جميعا فحسب، بل يعزز أيضا من نفوذه الدولي، وهذا هو ما يحتاج إليه العالَم الآن، وليس حربا تجارية.

* باربرا أونموسيج رئيسة مؤسسة هاينريش بول. ومايكل كيلنر الأمين العام لحزب الخضر الألماني.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top