علي المفيدي... الفنان الشامل وملك الميكروفون الإذاعي (2-4)

أصبح عضواً عاملاً بفرقة مسرح الخليج العربي عام 1968

نشر في 10-06-2018
آخر تحديث 10-06-2018 | 00:05


يعتبر الفنان الكبير الراحل علي المفيدي واحداً من أعمدة الفن والإعلام الذين أثروا المكتبة الفنية الخليجية والكويتية بكثير من الأعمال الإبداعية المتميزة، والتي تركت بصمات واضحة في مسيرة الحركة الفنية بالكويت خصوصاً، والحركة الفنية الخليجية بصفة عامة، وقدم الفنان القدير على مدى أكثر من 4 عقود مشواراً فنياً متنوعاً وشاملاً في الإذاعة والمسرح والتلفزيون والسينما.

اقرأ أيضا

وسيظل المفيدي مدرسة خاصة تنهل منها الأجيال، فكم من نجوم تلألأت في سماء الفن والإعلام بفضل علمه، ومنذ عانقت حنجرته ميكروفون الإذاعة، انطلق منها نحو آفاق التقديم والتمثيل، وكان كل من يعاني خللاً في اللغة العربية يلجأ على الفور إلى «ملك الميكروفون» المفيدي ليشكّل له الكلمات، ويعلمه كيفية نطقها السليم، واستعان به المعهد العالي للفنون المسرحية ليدرّس مواد الإلقاء واللغة العربية والإذاعة.

قدم شخصيات خالدة، الساحر «شبروح» و«قحطه» و«حنظل» في مسلسلات الشاطر حسن، ودرب الزلق، وخالتي قماشة على التوالي، وبرامج إذاعية ذات بصمة، كـ «نجوم القمة» ونافذة على التاريخ، والكويت كلمة السلام، وأدوارا سجلت في تاريخ الحركة المسرحية عبر أعمال كثيرة بينها «حامي الديار» و«هالو دوللي» و«بخور أم جاسم».

على مدى أربع حلقات، نسلط الضوء على سيرة حياته وبعض المحطات من مشواره الفني الثري.

وفي الحلقة الثانية، نلقي الضوء على مسيرته مع فرقة مسرح الخليج العربي، التي انضم إليها فور تخرجه في معهد الدراسات المسرحية عام 1968، حيث التحق المفيدي بالفرقة عضوا عاملا، في 6 ديسمبر من العام نفسه، وشارك معها في مسرحيات كثيرة حققت نجاحا جماهيريا واسعا، والتي تضمنت مسرحيات فرقة مسرح الخليج العربي، وتولى المفيدي عددا من المهمات الإدارية والفنية داخل الفرقة إيمانا منه بدورها وقدرتها على إحداث تغيير في الحركة الفنية بالكويت، ومن هذه المهمات: عضو الجمعية العمومية، وعضو مجلس الإدارة، وعضو العلاقات العامة، وعضو لجنة المسرح والسينما، ومساعد مخرج.

وظل المفيدي مرتبطا بفرقة مسرح الخليج العربي، وكان يحظى بعلاقات طيبة مع رفاق دربه في الفرقة، وعلى رأسهم أستاذه صقر الرشود وحياة الفهد وسعاد عبدالله ومحمد المنصور وعبدالعزيز السريع ومحمد السريع ومنصور المنصور، وكان المفيدى أحد أعضاء الفرقة المؤثرين، وشهد كثيرا من الأعمال والإنجازات التي حفرت اسمها وجعلتها في مقدمة الفرق المسرحية التي استطاعت أن تؤصل للفنون المسرحية في الكويت، وتتعداها إلى منطقة الخليج العربي.

«ثم غاب القمر»

وشارك المفيدي في أعمال الفرقة الناجحة، منها مسرحية "ثم غاب القمر"، التي قدمتها الفرقة في 31 مارس 1969، على مسرح كيفان، من تأليف الكاتب الأميركي جون شتاينبك، وإعداد حسين مؤنس، وإخراج كمال حسين، وتمثيل محمد المنصور، ومحمد السريع، وسليمان الياسين، وسعاد حسين، وغافل فاضل، ونور الهدى صبري.

تعالج فكرة هذه المسرحية الآثار التي يخلفها الغزو العسكري على نفوس كل جنود الاحتلال والمجتمع الذي تعرض للغزو، وذلك من خلال تركيز الأضواء على ما أحدثه اجتياح قوات النازي لمدينة صغيرة بالنرويج في بداية الحرب العالمية الثانية.

وقد توقعت قوات النازي أن يرحب أهالي المدينة بها، غير أن هذه القوات فوجئت بحالة من العصيان المدني والمقاومة، وعقب احتلال المدينة وافق عمدتها على مقابلة العدو في محاولة منه لحقن دماء السكان المسالمين، وتم الاتفاق معه على تنفيذ خطة للتعايش السلمي المشترك بين قوات النازي وأهل المدينة، لكن بعد تطور الحرب وزحف قوات النازي على الدول الأوروبية المجاورة، وشك أهل المدينة بولاء العمدة ووطنيته، وبدأ سكان المدينة بتنظيم صفوفهم وإعلان العصيان المدني ومقاومة الاحتلال، ووجد جنود النازي أن الاتفاقية أصبحت مجرد حبر على ورق، واكتشفوا أن العمدة يترأس سرا إحدى مجموعات المقاومة، فيتم إلقاء القبض عليه، ومن ثم إعدامه، ويكون استشهاده حافزا لسكان المدينة على مواصلة الكفاح من أجل الحرية.

«بخور أم جاسم»

ثم شارك المفيدي بدور (أبو فهد) والد (بدرية) في مسرحية "بخور أم جاسم"، التي لاقت نجاحا كبيرا، عند عرضها في 3 نوفمبر 1969 على مسرح كيفان، ولمدة 6 أيام، ثم عرضت في البحرين في 26 يناير 1970، وهي من تأليف محمد السريع وإخراج صقر الرشود، وتمثيل: مريم الغضبان (أم سعود)، سعاد حسين (أم جاسم)، محمد المنصور (الخال بوراشد)، عبدالعزيز الحداد (سعود)، زينب الضاحي (الزوجة بدرية).

تدور أحداث المسرحية حول الأم الحماة التي لا تستطيع بسهولة أن تستوعب أن ابنها أصبح شاباً وتزوج من امرأة يحبها وترعاه، فهذه الأم تجد أنه من الصعوبة بمكان أن ترى ابنها في حضن غيرها، ومن المؤلم لنفسيتها أن تقاسمها امرأة أخرى حب ولدها، فتتشاجر مع كنتها، وتتصاعد الأحداث الدرامية إلى أن تكون العقدة في إصرار الأم على ألا تكون في البيت إلا امرأة واحدة، ثم يهبط الحدث من قمة التأزم إلى طريق الحل في تدرج جميل، إذ تخرج الزوجة برضاها إلى منزل والدها، ريثما تهدأ الأمور، ثم تخرج الأم في رحلة مع الجيران إلى البصرة، فتخلو الدار لتكون هناك فرصة للتفاهم بين الزوجين ووالد الزوجة، ويتعهد الوالد لابنته بإنهاء المشكلة التي تؤرقهما.

وتعود الأم من الرحلة وتعرف أن كنتها زارت ابنها في غيابها، وتنصحها جارتها "أم جاسم" باستخدام بخور له مفعول سحري في تطويع الرجال، وتستخدمه كوصفة تعيد الابن إلى استحواذها، لكن والد الزوجة يعود إلى استرضاء الأم بكل الطرق، وتنصاع الأم له، لأنها ظنت ما حدث جعله لهذه الدرجة من التوسل إليها هو بخور أم جاسم، فيعود الصفاء إلى المنزل بفضل حكمة الصهر. وقد اشتهر المفيدي في دور "أبوفهد" ولزمته الشهيرة: "يا أم سعود أقول عود".

«الجحلة»

وهناك مسرحية "الجحلة"، وهي من إعداد صقر الرشود، المقتبسة من مسرحية "الجرة" للكاتب المسرحي الإيطالي لويجي برانديللو، ومن إخراج د. صالح حمدان، وعُرضت من 2 إلى 6 مارس 1971 على خشبة مسرح كيفان، وهي من بطولة الفنانين محمد السريع، وأحمد الضرمان، وابتسام حسين، وهيفاء عادل، ومنصور المنصور، ومبارك سويد، وعبدالله الحبيل، وعبدالرحمن العقل، وحسين المنصور.

وتدور أحداث المسرحية حول أحد رجال الإقطاع يشتغل لديه مجموعة من الفلاحين، ولدى هذا الإقطاعي (محمد السريع) "جحلة" أو جرة كبيرة عزيزة عليه، وكُسرت هذه الجرة، وهنا تقع المشكلة، فيقرر الجميع استدعاء من يصلح هذه الجرة، ويتم إصلاحها بعد أن ينسى من أصلح الجرة (عبدالرحمن العقل) نفسه داخلها وتتعقد الأمور، وفي النهاية تكسر الجرة ويخرج من أتوا به لإصلاحها وسط احتفال وفرحة الفلاحين.

وقد أعيد تقديم هذه المسرحية مع مسرحيتي "القاضي خايف" تأليف جوردون دافيوت وإعداد صقر الرشود وإخراج منصور المنصور، و"الأصدقاء" من تأليف هربت فارجيون وإعداد وإخراج عبدالعزيز السريع (وهي تجربته اليتيمة في الإخراج) في الفترة من 8 إلى 10 أغسطس 1972، وأطلق على هذه التجربة الثلاثية اسم "المسرح الضاحك".

«الدرجة الرابعة»

وهناك مسرحية "الدرجة الرابعة" التي قدمت في دمشق والقاهرة من 5 إلى 7 أغسطس 1971، ثم عرضت في الكويت على مسرح في 25 يوليو 1972، لمدة 3 ليال، وهي من تأليف عبدالعزيز السريع وإخراج صقر الرشود، وتمثيل: سعاد عبدالله، ومنصور المنصور، ومحمد المنصور، وسليمان الياسين، ومحمد المنيع.

وتدور أحداث المسرحية في قالب اجتماعي، إذ تثير موضوعاً مألوفاً يتلخص في رغبة الزوجة الشابة (ثريا) في الاستقلال عن أسرة زوجها (وليد)، لتأخذ حقها في منزل يخصها مع أسرتها الصغيرة المكونة منها والزوج وطفلين، لكن وليد يتردد كثيراً حتى يوافق مضطراً، وتبدأ الخلافات بين الزوجين، بعد استقلالهما في شقة صغيرة مستأجرة، حيث تزداد شراهة ثريا في الإنفاق على المظاهر، ولم يفلح وليد في إيجاد صيغة مقبولة للتعايش والتفاهم، وتتعثر حياتهما أمام عنادها وسوء تقديرها حيث يضيع أمله وطمأنينته فيقع ضحية الديون، ويتمرد على زوجته أخيرا، فتخضع للأمر الواقع، لكنها تعود إلى عادتها السيئة بعد مكالمة من إحدى صديقاتها.

«يا غافلين»

أما مسرحية "يا غافلين" فهي من تأليف محمد السريع وإخراج منصور المنصور، وعرضت في فترة الترويح السياحي في سبعينيات القرن الماضي، وأشرف عليها المربي الفاضل الراحل صالح شهاب، وهو أحد رواد الحركة السياحية، إذ استقطب كثيرا من الفرق الغنائية والشعبية وحفز المسارح الأهلية والخاصة على المشاركة في الفعاليات، وشاركت فرقة مسرح الخليج العربي بمسرحية "يا غافلين"، التي تلقي الضوء على شخصية مهمة في المجتمع الكويتي، خصوصاً في فترات تطور الحياة العصرية في البلاد، ألا وهي شخصية "المحقق" الذي يبذل الكثير والكثير من أجل راحة المواطنين والمقيمين، وكيف يقضي هذا المحقق يومه في الاستماع إلى مشاكل الناس والتوفيق بين الأطراف المتنازعة، ويحاول قدر استطاعته حفظ القضية حفاظاً على كيان الأسرة، وتدور الأحداث في مكتب المحقق بأحد مخافر الشرطة، وتحفل بنماذج عديدة من عامة الناس الذين لا تربطهم بالمجتمع علاقات حية، وتتكون المسرحية من فصلين فقط، وعرضت على مسرح كيفان من 31 يوليو إلى 10 أغسطس 1974.

وهي من تمثيل خالد العبيد، وحياة الفهد، ومنصور المنصور، وسليمان الياسين، ومحمد السريع، وهيفاء عادل، وعبدالرحمن العقل، وعبدالله الحبيل.

وتعد هذه المسرحية هي آخر أعماله المسرحية التي شارك فيها ممثلا مع مسرح الخليج العربي. وقد أشاد الناقد والصحافي أنطون بارا بالأداء التمثيلي للراحل المفيدي مع زميله الفنان سليمان الياسين بقوله: "شكل المفيدي والياسين كوبلا ممتازا، وكان دورهما من أجمل أدوار المسرحية".

رفاق دربه أجمعوا على وصفه بعملاق الفن والمعلم

أُطلق العنان للكلمات المادحة والمرثية والارتجالية في الذكرى الأولى لرحيل فقيد الفن الكويتي الكبير والمعلم علي المفيدي، الذي توفي في 28 أكتوبر عام 2008، تاركا إرثا فنيا وأجيالا لم ينضب عطاؤها لتواصل الدرب على خطى المفيدي الكبير.

أجمع أبناء الفنان القدير الراحل في ليلة ذكراه، مع كوكبة من محبيه ورفاق دربه، على وصفه بملك «المايك» وعملاق الفن والمعلم.

وبجهود فردية وشخصية من ابنة الراحل أبرار والمخرج جمال الردهان، انطلقت الذكرى الأولى في 21 أكتوبر 2009 على مسرح اتحاد نقابات العمال، بموقف طيب من الفنان طارق العلي الذي منح المسرح لإقامة هذه الليلة.

وشكرت معدة ليلة ذكراه أبرار المفيدي من حضر على رأسهم الشيخة انتصار الصباح والشيخة سلوى الصباح والشيخ دعيج الخليفة، وراعي جائزة الابن البار إبراهيم البغلي الذي "لقبني بالبنت البارة بأبيها".

وقال مخرج الليلة جمال الردهان «في الذكرى الأولى لوفاة فقيد الفن وحمامة السلام، ومعلمي ووالدي علي المفيدي، تعجز الكلمات عن التعبير عما يجيش في صدري، وعن قيمة الراحل في قلوبنا، لذا آثرت أن أترك لغيري من رفاقه هذه المهمة».

المخرج حسين المفيدي (الابن الأكبر للراحل) قال: "رحمة الله عليك يا أبي، فهذا الحضور جعلنا نشعر بأنك لا تزال موجوداً بيننا، ونعاهدك على تكملة مسيرتك التي يشهد لها كثيرون بنفس الخط والمنوال".

أما رئيس مجلس إدارة المسرح العربي، الفنان فؤاد الشطي – رحمه الله - فقد استدعى الذاكرة للحديث عن رفيق دربه: "العملاق علي المفيدي المتعدد المواهب الذي صنع نفسه بنفسه، تبلغ عشرتنا نصف قرن منذ بداية الستينيات، عندما كان يعمل في عدة مجالات، ففي العمل الرسمي هو موظف في دائرة البريد والبرق في الصباح، وفي المساء يعمل بالإذاعة، حيث تدرج من مذيع تحت التدريب إلى مذيع ثم مقدم برامج وممثل برامج شعبية، وانتقل بعدها إلى عالم التمثيل باللغة العربية الفصحى، حتى أتقنها، وأصبح علما من أعلامها، زاملته في معهد الفنون المسرحية وتشاركنا في أعمال كثيرة".

وقال الفنان جاسم النبهان رئيس مجلس إدارة المسرح الشعبي في ذلك الوقت: "علي المفيدي هو الحب، هذه الكلمة بكل معانيها من حب الوطن والعطاء وغيرهما، المفيدي حالة خاصة يمثل جيل العطاء والعصامية في الخمسينيات والستينيات، إلى أن وصل إلى الأكاديمية التقنية عام 1965 في الإذاعة، واستمررنا بعطاءاتنا، ورصدت كل حالة من الحالات التي أراه يرتقي بها المفيدي، فدخل مركز الدراسات المسرحية ثم المعهد العالي للفنون المسرحية، وأصبح أستاذاً، المفيدي يتواصل مع الكل ويثقف نفسه بنفسه».

وبعد الكلمات، عُرضت بانوراما مصورة عن حياة علي المفيدي ومشواره الفني وشهادات من عدة أجيال فنية، وكلمات جميلة من أحفاده وخاطرة لسهير المفيدي.

شارك ممثلاً في مسرحية «ثم غاب القمر» (1969)

اشتهر في «بخور أم جاسم» ولزمته الشهيرة: «يا أم سعود أقول عود»

مثّل مع سعاد والمنصور والمنيع بعروض «الدرجة الرابعة» في الكويت والقاهرة ودمشق

أنطون بارا: شكل المفيدي مع الياسين كوبلاً ممتازاً في «يا غافيلن»
back to top