«High Light»: «خير من ألف شهر»

نشر في 09-06-2018
آخر تحديث 09-06-2018 | 00:09
 د. حمود حطاب العنزي ليلة القدر ليلة النقاء والصفاء، لا يوفق إليها إلا من أخذ بأسباب التوفيق طوال الشهر بل طوال العام، فهي ليست ضربة حظ يحوزها الغافلون اللاهية قلوبهم، بل يظفر بها صاحب القلب الصادق الذي أفرز صدقه عملاً صالحاً، فما ذُكِر الإيمان إلا مقترنا بالعمل الصالح، فهي ليلة شرف ومنزلة وفضل، من قامها إيمانا واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه، وما ظنك بليلة وصفها الله جل جلاله بأنها مباركة؟ فقد قال تعالي: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ" (الدخان:3)، فما وصفها الله بذلك إلا لكثرة خيرها وعظيم فضلها، ففيها يفرق كل أمر حكيم ويُفَصَّل فيها من اللوح المحفوظ إلى الكتبة ما هو كائن من أمر الله تعالى في هذا العام من أرزاق وآجال وخير وشر، وأقدار محكمة متقنة من لدن العزيز العليم.

فيها تتنزل الملائكة إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة يقول تعالي: "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ" (القدر:4)، وهي سلامة للمؤمنين وما أكثر العتقاء فيهامن النار. والأقرب أنها في السبع الأواخر لما ورد في حديث ابن عمر: "من كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر"، فمن ظفر بقيامها والطاعة فيها كان ذلك خيراً له من عبادة ثلاثة وثمانين عاماً؛ خير من ألف شهر؛ أي خير من عبادة العمر كله.

فحري بنا أن نشمر عن ساعد الجد وتحدي أنفسنا، فنبتهل إلى الله طالبين رضوانه ونسامح ونعفو ونصفح ونصل من قطعنا، فذلك هو الفوز العظيم، فيا من ضاقت عليه الدنيا بما رحبت؛ دعوة في لحظة لجوء خالص لله تُفَرِّج لك همّ الدنيا وهمّ الآخرة.

يا عبد الله ها هي قوافل الإغاثة الحقيقية والعتق أوشكت على الرحيل، فأجمع زادك وأخلص نيتك وأدرك الركب فمن وصل متأخراً خير ممن لم يصل، فقد هبت ريح الجنان ودنت عطايا الرحمن، فأكثر من الخير في الليالي الباقية تدرك ما فاتك في الماضية؛ وإن قُدِّر لك أن تعيش ستين أو سبعين أو حتى مئة عام، فبعد انقضائها لا قيمة لها بلا طاعة؛ والسؤال الفصل: هل أوصلتك دنياك إلى الفوز العظيم أم الخسران المبين؟ وليلة القدر وشهرها الكريم دورة تدريبية سنوية تؤهل منتسبيها للفوز بالجنة.

ختاماً:

وبحثتُ عن سرِّ السعادةِ جاهداً

فوجدتُ هذا السرَّ في تقواكا

فليرضَ عني الناسُ أو فليسخطوا

أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا

أدعوكَ يا ربي لتغفرَ حَوبتي

وتعينَني وتمدَّني بِهداكا

فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي

ما خابَ يوماً مَن دعا ورجاكا

فهنيئاً لأصحاب الهمم العالية المقبلة بكل حماس لإقامة هذه الليالي المباركة بإيمان واحتساب للفوز بجنة عرضها السماوات والأرض؛ اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا وعن والدينا ووالد والدينا وولاة أمورنا وعلمائنا وأحبتنا وكل المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين.

وتقبل الله طاعتكم ودمتم بخير.

back to top