زمن عبدالله السالم ٥ مكتب الاستثمار والمفاجأة

نشر في 06-06-2018
آخر تحديث 06-06-2018 | 00:20
 أ.د. غانم النجار مع مرور الزمن تحول مكتب الاستثمار في لندن من مجرد مكتب صغير يدير الفوائض المالية الكويتية في بورصة لندن، ومن مجرد استفادة بريطانية لدعم منطقة الإسترليني سنة ١٩٥٣، وهو هدف محدود، إلى أن أصبح المصدر الثاني للدخل في الكويت، وشب ذلك المكتب المشكوك في بعده الاستراتيجي عن الطوق إلى أن أصبح مؤسسة كبرى، ثم صندوقاً سيادياً يعد واحداً من أكبر الصناديق السيادية في العالم، بغض النظر عن الاختلالات الهيكلية والسياسية. هكذا هي الكثير من الأفكار تبدأ بتصور معين، قد يكون مرفوضاً، ثم يصبح ذلك التصور شيئاً آخر، خادماً لأهداف متعددة.

توجه الشيخ عبدالله السالم للوفد المالي البريطاني، الذي جاء ليقنعه بضرورة استثمار الفوائض النفطية الكويتية في بورصة لندن، بالسؤال التالي: "بصرف النظر عن أنني غير متحمس لفكرة الاستثمار، هل ممكن أن توضحوا لي باسم من ستكون هذه الفوائض المالية؟"، لم يفهم رئيس الوفد السؤال، لأنه ضمني فإن الأموال الخاصة بالكويت في بريطانيا يتم تسجيلها عادة باسم الحاكم، أخذاً بالاعتبار أن الأموال الموجودة بحساب خاص لم تكن كبيرة. أما الآن فالمسألة مختلفة تماماً. أدرك الشيخ حيرة رئيس الوفد فتوجه بسؤال آخر أكثر تركيزاً وأكثر دقة: "كيف تطبق ضريبة التركات عندكم في بريطانيا؟ ألا تقوم الدولة بخصم نسبة كبيرة من أموال المتوفى؟"، واستطرد الشيخ: "في حالة أن هذه الفوائض مسجلة باسمي الشخصي فإنه عند وفاتي ستقوم الدولة البريطانية بخصم نسبة كبيرة من هذه الأموال، أياً كان شكل تلك الأموال، عقارات أو نقداً أو أوراقاً مالية أو غير ذلك؟ هل هذا صحيح؟"، استغرب الوفد من دقة السؤال، ولكن الإجابة كانت واضحة: "نعم فخامتكم هكذا هي القوانين البريطانية". وهنا كان الموقف الذي أثار المزيد من الاستغراب، حين قال الشيخ: "ولكن هذه الأموال هي ليست أموالي الشخصية، بل هي أموال الكويت والكويتيين. فكيف ستحلون هذه المشكلة؟"، واستمر الشيخ: "لو كانت أموالي الشخصية فلا بأس ولكنها ليست كذلك". جرى ذلك في غرفة مغلقة دون إعلان.

لم يتوقع الوفد سؤالاً من هذا الوزن، فلم يكونوا قد هيأوا أنفسهم لذلك، خاصة أنهم لا يملكون الصلاحية في البت في مثل هذه الموضوعات، واستثنائها من أي التزامات ضريبية أو غير ذلك، فالمسألة بالنسبة لهم كانت مجرد إقناع الشيخ باستثمار فوائضه. لذلك توقف مسار النقاش، وسيطر على الموقف هدوء مزعج، وكأن على رؤوسهم الطير، فلا طاروا ولا طار الطير.

اضطر الوفد إلى المغادرة ليحلوا المشكلة التي لم يكونوا قد حضروا لها، وعادوا من حيث جاءوا بخفي حنين، وهو مثل يضرب عادة على اللاشيء. المسألة لم تنته هنا.

back to top