الفتى الطائش

نشر في 04-06-2018
آخر تحديث 04-06-2018 | 00:00
 فوزية شويش السالم الفتى الطائش رواية يابانية من تأليف نتصُميه صُوسِكِ وترجمة أ. د. ماهر الشربيني المتخصص باللغة اليابانية. صدرت الرواية 1906 أي بعد عام من تاريخ ولادة والدي وهذا فقط لتوضيح الفارق الكبير بين اختلاف ثقافة الأمكنة ومدى تطورها، والفارق الكبير بينهما، فبينما كان التعليم في الخليج لم يشق دربه بعد أو ربما كان يحبو بخطواته البدائية الأولى، نجد بالمقابل تعليما متقدما في اليابان منذ ذاك الزمن الذي كتب فيه المؤلف روايته عن مدرس للرياضيات بعمر الرابعة والعشرين، والكاتب ذاته اشتغل مدرسا، وقد تكون هذه الرواية عن تجربته الحقيقية في مجال التدريس.

الرواية تصور حياة المدرسين والطلاب وكل ما فيها من مؤامرات ودسائس بين المدرسين، وتكشف الروح الحقيقية في البشر، الطيبة والشر، والخبث والصفاء، والنور والظلام الإنساني فيهم.

القدرة على "الحكي" بكل سهولة وبساطة طبيعية متناهية بعيدة عن الاصطناع والحذلقات والتكلف، والقص بعفوية وسهولة عجيبة تدخل القلب من شدة صدقها وبراءتها، هذا إلى جانب تميزها بالسخرية أو اللمز أو ما نطلق عليه باللهجة الكويتية "طنازه" ولم أتوقع أن توجد لدى شعب له سلسلة تقاليد وطقوس تبجيل واحترام مقيدة ومعقدة من شدة تعودها على الطاعة والانضباط، لكن هذه الرواية كشفت عكس ذلك وقدمت صورة للشعب الياباني مختلفة عما نظنه عنه.

الرواية تبدأ بالمدرس يحكي عن طفولته ويحلل شخصيته الانفعالية من خلال تصرفاته بدءاً من شقاوته المؤذية لنفسه ولغيره، فهو طفل شقي ثم بعد ذلك صبي شيطان مؤذٍ بسبب تسرعه بردود أفعاله، وهذا مقتطف منها حينما كان يطل برأسه من الطابق الثاني لمبنى المدرسة: "إذ بزميل من زملاء الفصل يصيح في وجهي مداعبا إياي فيقول بسخرية: أنت مغرور، إنك شجاع ولكن الحقيقة أنت جبان، والدليل على ذلك أنك لا تستطيع القفز من هنا، فقفزت، وعدت إلى المنزل محمولا على ظهر عامل المدرسة، فاندهش أبي بشدة، وقال: هل هناك عاقل يقفز من الطابق الثاني فيتسبب في إصابة نفسه؟

فرددت عليه: في المرة القادمة سوف أقفز دون أن أصيب نفسي".

وحينما تحداه صبي آخر أن نصل سكينه اللامع لا يقطع قام بتجربة قطع أصبعه، مثل هذه التصرفات هي محور شخصيته وتنطبق أوصافها على كل تصرفاته حتى بعد أن يعين مدرسا في قرية نائية وبعيدة عن مدينته طوكيو، طبعه الانفعالي الصادق هذا يغضب أسرته فتموت أمه بحسرتها وبعدها يموت والده، ويكون الإرث من نصيب الولد الأكبر الذي يعطيه مبلغا قليلا، ليكمل به تعليمه وتنتهي علاقته به.

مربيته هي الوحيدة التي تحبه وتراه إنسانا صادقا جميلا، ورغم أنه يحبها فإنه لا يصدق كلامها ويسخر من الصورة التي تراه فيها.

طريقة تفكير هذه الشخصية الهازئة التي ترى وتصف ما حولها بألفاظ وجمل في غاية الظرافة، برغم أنها تهكم وسخرية حادة فإنها ذات روح كوميدية تجبر القارئ على الضحك والابتسام وتقدم له الشخصيات وتصرفاتها بشكل هزلي مضحك وإن كانت شخصية القائل بمنتهى الصدق الجاد، لكن القارئ لا يستقبلها إلا بالضحك.

وهذا مقتطف من وصفه للمدرسين يطلق عليهم أسماء تعكس طبيعتهم: "فقلت لنفسي في هذه الدنيا ناس مثل (صبي العالمة) صفيق اللسان والذي يأتي في أوقات لا تريد رؤية وجهه فيها، وهناك ناس مثل (عاصفة الجبل) الذي تشعر من نظرات وجهه أن اليابان سوف تقع في مشكلات إن لم يكن موجودا، و(أبو قميص أحمر) الذي يعتبر نفسه خبيرا في الإيقاع بالنساء وخبيرا في الماكياج، والمدير (الكلب الراكون) الذي يعتبر نفسه رمز التربية والتعليم عندما يرتدي الجاكيت الطويل الذي يصل إلى الركبتين، جميعهم مختالون جدا ولكن لم أقابل شخصا مثل (القرع الأزرق)، فهو إنسان موجود ولكن لا تشعر بوجوده، هادئ وصامت وكأنه رهينة، وجهه متورم ولكن أن تترك المادونا رجلا جيدا كهذا وتميل بقلبها إلى أبو قميص أحمر يعني أنها متسرعة لا تزن الأمور جيدا، فإن (القرع الأزرق) كزوج أفضل من نصف دستة أزواج من أبو قميص أحمر هذا".

لم أقرأ أي رواية من قبل يشبه أسلوبُها أسلوبَ هذه الرواية ذات الوقائع الجادة، لكنها تحمل لقارئها كمية من الضحك خاصة عندما تنشب المعارك بين المدرسين والناظر ومدير المدرسة.

رواية مضحكة مبهجة.

back to top