أنقذوا غزة تنقذوا فلسطين

نشر في 03-06-2018
آخر تحديث 03-06-2018 | 00:09
 مصطفى البرغوثي فُجعنا يوم الجمعة الماضي باستشهاد المسعفة الباسلة في الإغاثة الطبية الفلسطينية رزان النجار برصاص الاحتلال المجرم وهي تقدم الإسعاف لجرحى مسيرة العودة، وجُرح الى جانبها بالرصاص الحي ثلاثة آخرون من مسعفي الإغاثة الطبية ومئة جريح آخرون.

وذلك بعد أن اضطر ليبرمان وزبانيته لابتلاع تهديداتهم ووعيدهم وقبلوا بالعودة إلى حالة التهدئة العسكرية في غزة، لأنهم يخشون شن حرب شاملة، وبعد أن أيقنوا أن استفزازاتهم لم تفلح في إخفاء الصورة البشعة لجيشهم الذي يطلق قناصته الرصاص الحي والمتفجر على المتظاهرين السلميين، وبعد أن صار واضحا أن ألاعيبهم فشلت في كسر المقاومة الشعبية التي ستواصل النهوض بأشكال مختلفة، وبعد أن أصبحت صورة شهيدة الإنسانية رزان النجار وثيقة إدانة لحكام إسرائيل وكل من يدعمها ويتستر على سياساتها الإجرامية ضد الفلسطينيين.

ومرة أخرى، تحمل أهل غزة البواسل العبءَ الثقيل للتصدي للاحتلال واعتداءاته، رغم الظروف القاسية التي يعيشونهان ففي غزة يعاني الناس الأمرّين، فالحصار الإسرائيلي الخانق يوشك على إنهاء عامه الثاني عشر، والاحتلال ما زال قائما براً وبحراً وجواً، وفي غزة لا يحصل الناس على الكهرباء إلا أربع ساعات يوميا، قد تصلهم في النهار أو في منتصف الليل.

95 في المئة من مياه غزة ملوثة أو مالحة، و70 في المئة من شواطئها أصبحت ملوثة بمياه المجاري، أما صيادو غزة فلا يسمح لهم بالإبحار لأعمق من ستة أميال، وإن حققوا صيدا هزيلا فسيكون في مياه ملوثة، وبيوت كثيرة لا تستطيع الحصول حتى على المياه المالحة، لأتها تفتقد الكهرباء اللازمة لضخ المياه لبيوتها العالية.

80 في المئة من خريجي الجامعات، وهي جامعات ممتازة بالمعايير العلمية والأكاديمية، عاطلون عن العمل، إذ يقول موظفو القطاع الأهلي والخاص، الذين ما زالوا يحصلون على رواتبهم، "إن كل واحد منهم أصبح مسؤولا عن إعالة أربع أو خمس عائلات ممن انقطعت رواتبهم". فالتجارة انهارت، والأعمال تنهار، أما النقود فقد انطبق عليها حرفيا تعبير أنها غدت "عملة نادرة".

أنا أريد أن يتخيل كل من يقرأ هذا المقال أنه يعيش في قطاع غزة: لا ماء نظيفا ولا كهرباء، لا دفء في الشتاء القارس ولا تهوية في الصيف القائظ، ولا علاج مناسبا في الوقت المناسب، ولا حق في السفر حتى لو كان للعلاج أو للدراسة أو للقاء الأحبة، وأقارب كثيرون يطلبون المساعدة ولو في توفير بضعة أرغفة لأطفالهم الجائعين، لأن البحر ملوث والهواء ملوث، والتربة ملوثة، والناس تتساءل إلى متى؟

ولا حاجة لإطلاق مزيد من الخيال، إذ يكفى أن يتصور كل واحد منكم أنه يعيش في سجن محكم الإغلاق، مع فرق أساسي عن السجون العادية، إذ إن باحة غزة السجن مفتوحة للقصف بالطائرات، ومن السفن، وبقذائف المدفعية والدبابات كلما أراد الاحتلال.

هل يقبل أي إنسان منكم أن يرى طفله أو طفلته يعاني مرضا مستعصيا وهو عاجز عن توفير الدواء له أو لها، أو عن التخفيف من آلامه أو آلامها، أو عن نقله أو نقلها إلى مستشفى يعالج سرطانا أصابه أو أصابها، لا سمح الله.

لا شك أن أسوأ أنواع الأسى هو الشعور بالعجز أمام معاناة طفل أو طفلة، أو شخص نحبه ونعجز عن مساعدته، وهو أسى لا أتمناه لأحد.

موضوعيا، وبعيدا عن التحزب والانقسام والتعصب، فإن كل إنسان عاقل يدرك هدف السياسة الإسرائيلية وأعوانها وداعميها تجاه قطاع غزة.

إنهم يريدون فصل غزة عن الضفة والقدس بأي ثمن، أولاً للتخلص من الثقل الديمغرافي لمليوني فلسطيني يعيشون هناك، وثانياً لتسهيل ابتلاع وضم الضفة الغربية وتهويدها، وثالثاً لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة ولتكريس منظومة الاحتلال والتهويد والتمييز العنصري.

وهم يريدون بقاء الفصل والانقسام كي تنشغل معظم الطاقات والقوى الفلسطينية عن الاحتلال بالصراعات الداخلية، والانقسامات المحزنة، ولأن الفصل بين غزة والضفة هو الشرط الممهد لتمرير مخططات صفقة القرن في تصفية القضية الفلسطينية.

وإذا وقعت الواقعة وحقق حكام إسرائيل أهدافهم فإن أجيال المستقبل لن تتوقف أمام التفاصيل بالتساؤل عمن كان مسؤولا أو من لم يكن، بل ستحمل جيلنا بكامله مسؤولية الكارثة، ولهذا فإن إنقاذ غزة وأهل غزة من معاناتهم أصبح واجب الجميع، ولأن إنقاذ غزة صار شرطا لإنقاذ فلسطين ومستقبل فلسطين، ولا حاجة لمزيد من الكلام.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

back to top