ما قــل ودل: موقف سياسي... قاتل الله السياسة

نشر في 03-06-2018
آخر تحديث 03-06-2018 | 00:10
لا يتأتى للوزير في المحكمة السياسية تصحيحا للإدانة، كما يحدث في المحاكم حيث تتعدد درجات التقاضي، فيباح للمحكوم عليه حق الطعن في الحكم الصادر بإدانته أمام محكمة أعلى، ثم يباح له الطعن بتمييز الحكم الصادر عن هذه المحكمة لخطأ في القانون أو في تطبيقه، ثم يحق له بعد انقضاء فترات حددها القانون رد اعتباره.
 المستشار شفيق إمام موقف سياسي

بعد تجديد الثقة بوزير النفط ووزير الكهرباء والماء السيد بخيت الرشيدي، بحصول طلب طرح الثقة به على 11 صوتاً، وعدم موافقة (34) على هذا الطلب من أصل الحضور (45)، ثار جدل عندما سحب أحد النواب المعارضين الثقة بالوزير الرشيدي، سحب اسمه من طلب طرح الثقة بوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند الصبيح، مبرراً ذلك بأنه موقف سياسي.

وفي هذا السياق علق النائب عادل الدمخي في تصريح للصحافيين بأن الجلسة شهدت ممارسات غير ديمقراطية وغير قانونية، رافضا أن يتم التعامل مع الاستجواب بطريقة "سيب وأنا أسيب".

وأكد أن مصلحة البلد واحترام عقول الناس والرأي العام فوق كل شيء، محذراً من أن ما حصل هو رأس جبل الجليد، وثمرة ونتاج نظام الصوت الواحد في الانتخابات.

وأوضح أن هذا النظام كرس الاصطفاف القبلي والطائفي والفئوي، و"الوزيرة المحسوبة على الحضر أصبح يقف معها نواب عائلات ودوائر معينة، والوزير المحسوب على قبائل معينة يقف معه أناس معينون، فهؤلاء لا يهمهم إلا قبيلتهم وطائفتهم لأن لديهم صوتا انتخابيا واحدا".

حماية العدالة في محكمة الوزراء

ولا أملك من تعليق على الموقف السياسي، وما صرح به النائب عادل الدمخي، إلا أن أنقل ما كتبته على صفحات "القبس" في عددها الصادر في 28/ 11/ 2000 تحت عنوان "محكمة الوزراء وحماية العدالة".

يقول الله تعالى: "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى".

ويقول عز وجل: "وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ". ويقول سبحانه مخاطباً رسوله، صلى الله عليه وسلم: "وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ".

ويقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: "عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة".

ويقول أبو مسلم الخولاني "إذا عدلت مع أهل الأرض جميعا وجُرت في حق رجل واحد فقد مال جورك بعدلك".

الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وأقوال العلماء هي التي ستكون النبع السياسي الذي يستمد منه قضاة مجلس الأمة قرارهم، بل حكمهم الذي خلوا إلى أنفسهم للمداولة فيه في الطلب الذي قدم إلى المجلس بطرح الثقة بالوزير، هكذا أراد الدستور ألا يصدر الحكم إلا بعد المداولة، وأن تستمر المداولة حتى النطق بالحكم بعد الاستماع إلى اثنين ممن يعيدون الطلب واثنين من المعارضين.

وفي ظلال العدل الذي هو أسمى الغايات وأنبلها قصداً سوف يصدر قضاة هذه المحكمة حكمهم، فهم أعضاء مجلس الأمة ضمير أمتهم، والوزير وديعة بين أيديهم ليحكموا في أمره بالعدل الذي هو أعز المقدسات وأعلاها، وهم فيما سوف يصدرونه من حكم مدينون لربهم ولأنفسهم بما يعتقدون أنه الحق الخاص، سواء أرضي بعض الناخبين أم سخطوا، وسواء أوافق حكمهم هوى هذا البعض أم انصرف عنه، فليس ينبغي للقاضي أن يصدر فيما يرى من حكم عما يقوله الناس فيه أو ما يمكن أن يقولوا فيه، يقول المولى عز وجل: "وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ". والعدل هو بعض ما أنزل الله إلينا في كتابه الكريم، بل هو أسمى ما أنزله.

إنها ولاية القضاء التي يتولاها مجلس الأمة بنص الدستور، الذي عهد بها إليهم عندما يوجه اتهام إلى أحد الوزراء بتقصيره في أداء واجباته أو إخلاله بالثقة والمسؤولية التي يتولاها، وحظر عليهم الاشتراك في التصويت على الثقة بأحدهم، وهو الحظر الوحيد في نصوص الدستور التي كفلت للوزراء حقوقا متساوية مع سائر أعضاء مجلس الأمة تقديراً من المشرع الدستوري لطبيعة هذه الولاية التي تختلف عن سائر ولايات الحكم، والتي ينبغي أن يتحلى فيها النائب بصفات القاضي، وأهمها الحيدة والتجرد، بحيث لا يكون بينه وبين من يحكم له مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل، فضلا عن التضامن الوزاري الذي هو أصل من أصول الحكم.

إنها رسالة القضاء التي يجب على نواب الأمة أن يحملوها وإنها الأمانة التي يجب أن يؤدوها متحررين من كل الضغوط أو القيود أو المؤثرات أو الإغراءات أو التهديدات أو التدخلات، بعيدين عن الصراعات السياسية والخلافات الحزبية التي تحول بينهم وبين أداء رسالتهم المقدسة، لا تضعفهم رغبة أو تثنيهم رهبة، غير مبالين بما يحف بهم من مكاره، إذا فقدوا بضعة أصوات من رصيدهم الانتخابي في الانتخابات القادمة؛ فذلك قدرهم، وتلك مهمتهم ونبض حياتهم، ولن يحمل عنهم أصحاب هذه الأصوات وزرهم في الدار الآخرة إذا حادوا عن الحق أو تنكبوا العدل.

ويعلم نواب الأمة أن مسؤوليتهم أكبر وأخطر من قضاة المحاكم، لأن هؤلاء إنما يطبقون نصوصا مسبقة وضعها لهم المشرع تؤثم الفعل وتحدد له أكثر من عقوبة، يترك للقاضي تقدير أيها يكون أدنى إلى تحقيق العدل بحسب خطورة الفعل المرتكب، وما ترتب عليه من ضرر، أما نواب الأمة فإنهم يشرعون في المحاكمة السياسية القانون الذي يؤثم الفعل المرتكب من الوزير، ويحدد المحظورات التي يجب أن ينأى بنفسه عنها، فإذا أدانوا الوزير بها فإن الدستور قد أنزل بالوزير عقوبة واحدة هي اعتباره معتزلا منصبه الوزاري.

وهذه الإدانة إذا علقت بالثوب الأبيض للوزير فإنها تظل كذلك طيلة حياته لا يملك تصحيحا لها أو تصويبا، كما يحدث في المحاكم عندما تتعدد درجات التقاضي فيباح للمحكوم عليه حق الطعن في الحكم الصادر بإدانته أمام محكمة أعلى، ثم يباح له الطعن بتمييز الحكم الصادر عن هذه المحكمة لخطأ في القانون أو في تطبيقه، ثم يحق له بعد انقضاء فترات حددها القانون رد اعتباره ومحو آثار هذا الحكم، وكل ذلك لا يتأتى للوزير في المحكمة السياسية.

ولكن يظل للمحاكمة السياسية موئل حصين يعصم به النائب نفسه من أية مؤثرات ومن أي تدخل في قراره، وهو ما تنص عليه المادة 108 من الدستور من أن النائب يمثل الأمة بأسرها ويرعى المصلحة العامة، ولا سلطان لأي هيئة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه.

اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.

كان هذا المقال في سياق ما تناولته من ردّ على استجواب وزير الكهرباء والماء ووزير الدولة لشؤون الإسكان الدكتور عادل الصبيح، وقبل جلسة طرح الثقة التي كان محدداً لها يوم الرابع من ديسمبر 2000م.

أعضاء مجلس الأمة ضمير أمتهم والوزير وديعة بين أيديهم ليحكموا في أمره بالعدل
back to top