لن نشيخ!

نشر في 31-05-2018
آخر تحديث 31-05-2018 | 00:00
 مسفر الدوسري أنتِ وأنا لن نشيخ، لن تشيب خطواتنا مهما لهث الطريق، سنكبُر نعم، وسترمي السنين على أكتافنا أثقالها، سنشعر ببعض الضعف والوهن في أجسادنا، ولكننا لن نشيخ، سيسقط من أغصاننا كثير من الأوراق الصفراء الجافة مع تقدم العمر، ولكن سنبقى أنت وأنا شجرتين استوائيتين ولن نتخلّى عن ثيابنا الوارفة الخضراء، سنبقى وطناً تأمن فيه الموسيقى على أعشاشها، ومحجّاً لكل طائر يحمل آلته الموسيقية في حنجرته، لن تتوقف السماء عن منحنا بركاتها ولا قوس قزح عن إغداق كرامات ألوانه علينا، ولن يخلف الوسم لنا موعداً، ولن يقطع الندى عادته بغسل وجوهنا كل صباح، وسنبقى أنت وأنا: أبناء المطر وأنشودته التي لا تجف.

تُكدّس الأيام في ذاكرتنا دروباً وأزقّة ضيقة وطرقات وعرَة تنمو داخلنا لتشكّل متاهة تضيق بنا، ولكن أنتِ وأنا لن نضل أبداً طريق طفولتنا ولا درب ابتسامة قلوبنا، ولن نتوه أبداً عن عناوين نهاراتنا المشرقة فينا، ولن نفقد قدرتنا على اقتفاء جرّة الماء مهما تدثّرت بالرمال، كما لن تفقد عروقنا حساسيتها في اشتمام رائحة الآبار عن بُعد ولن تتوانى في السفر إليها ولو حبواً، وسنُنهك الجفاف بطول الانتظار حدّ اليأس قبل أن يصل اليباس إلى أطرافنا، قد نمنح من بعض أغصاننا حطباً للنار في الفصول الباردة فقط لشد أزر الدفء وتضامناً معه ولكننا لن ننتمي إلى قبيلة الرماد.

أنتِ وأنا لن نشيخ، لن يأخذنا الذبول على حين غفلة ولن يعتري قناديل أرواحنا الشحوب، قد نسقط من عربة الحياة في بعض المنعطفات الصعبة، وقد نتعرض لبعض الإصابات والرضوض والكسور، ولكننا لن نكفّ عن ملاحقة عربة الحياة اليومية وجمع الهدايا الصغيرة التي تتساقط منها والفرح بها ومشاركتها فيما بيننا، كلما نسيتنا عربة الحياة في محطة ستجدنا بانتظارها في المحطة القادمة، لن نبقى في المحطة "مُسَمّرين" على المقاعد الخشبية، مُكْتفين بما نغنم من أحاديث القادمين والمسافرين وما يمنحوننا من خبز تجاربهم وما يطعموننا من زاد معرفتهم، ولن يسد رمق دهشتنا ما تقدمه دهشتهم لنا من حلوى، ولن تشبعنا الفرجة، بل سنشاركهم صناعة حلوى الحياة بنكهة دهشتنا الخاصة، ومذاق رؤيتنا للحياة، وسنشارك الآخرين حياكة سجادة المسافة بيننا وبين أمانينا، وسنشاركهم كتابة الأغاني الموسرة احتفاء بالشمس كلما أشرقت، وبالقمر كلما أهلّ، وكلما احتفلت الحياة بولادة نهر جديد سنهبّ أنت وأنا لغسله بماء الورد ورشّ جسده بالبودرة المعطرة، وكلما فتحت نجمة شباكها مساء تعالت هتافاتنا بتحيتها والتصفير لها ونثر الزهور وإلقاء كلمات الغزل على مسامعها، وكلما تبرعم معنى من عود مفردة سنحمل البشائر مسرعين للقواميس، صحيح أننا نتفاءل بالنوارس ونطمئن لأحضان الموانئ، ولكن المراسي ليست عنوان إقامتنا الدائم ولا مستقراً لأشرعتنا.

أنتِ وأنا ستظل قلوبنا مقاومة للصدأ ما حيينا، فالحب يجعلنا نحيا مثمرين ونموت ونحن مورقون!

back to top