قوة حركة حماية «البشتون» في باكستان

نشر في 26-05-2018
آخر تحديث 26-05-2018 | 00:00
إحدى وقفات «حماية البشتون»
إحدى وقفات «حماية البشتون»
وُلِدت حركة حماية البشتون قبل نحو أربعة أشهر للدفاع عن الحقوق المدنية للمنتمين إلى الإثنية البشتونية في باكستان، وهم مجموعة من الأقليات لا يتخطى عددهم 30 مليوناً في بلد يبلغ عدد سكانه 207 ملايين نسمة.
خلال السنوات السبعين الماضية من تاريخ باكستان، لم يسبق لمجموعة أن تحدت سلطة المؤسسة العسكرية بطريقة مباشرة إلى هذا الحد، ولم يسبق في تاريخ هذه الدولة الحديث أن تعرضت مجموعة لهذا القدر من التعتيم الإعلامي والحد من نشاطها العام، ولم يسبق لمجموعة أن تمكنت من حشد أنصارها بهذه السرعة والضخامة رغم كل هذه العقبات.

عن أي مجموعة نتحدث؟ حركة حماية البشتون... حركة ولِدت قبل أربعة أشهر تدافع عن الحقوق المدنية للمنتمين إلى الإثنية البشتونية في باكستان، وهم مجموعة من الأقليات لا يتخطى عددهم 30 مليوناً في بلد يبلغ عدد سكانه 207 ملايين نسمة.

انتشار

بدأ شعارات حركة حماية البشتون تتسلل إلى المعجم العام، فتسمع الناس يسألون بلغة البشتون: «أي نوع من الحرية هي هذه؟»، وتحولت عبارة «يقف الزي (العسكري) وراء هذا الإرهاب» باللغة الأوردية إلى نداء للاحتشاد، أما جاذبية هذه المجموعة، فلم تعد تقتصر على الأقليات الإثنية والدينية الأخرى، بل توسّعت لتشمل أيضاً شرائح من المجتمع الباكستاني تتمسك بسيادة الدستور وتحترم حقوق الإنسان، وحرية التعبير، والسلام، والديمقراطية.

قد يكون هذا أسوأ كابوس يراه الجنرالات الباكستانيون، الذين حكموا طوال 35 سنة وما زال باكستانيو الطبقة الوسطى الأقل تعليماً والأكثر فقراً يعتبرونهم المنقذ والمدافع عن الوطن، فمنذ تأسيس باكستان عام 1947، عزز قادة الجيش شرعيتهم بالتحدث عن «مرحلة مفصلية دقيقة» بالنسبة إلى البلد، ويشكّل هذا جزءاً من رواية وطنية محبوكة بدقة هدفها الدفاع عن كل خطوة مخالفة للدستور يتخذونها، من الانقلابات العسكرية إلى استخدام المجموعات المجاهدة ونعتهم وخصومهم بالكفار، والخونة، والعملاء الخارجيين.

تعرّض منظور باشتين، زعيم قبلي بارز في السادسة والعشرين من عمره، لمعاملة مماثلة أخيراً، ويُعتبر هو وزملاؤه في حركة حماية البشتون نتاج أزمة وطنهم التي تعود إلى عقود مضت. تُدعى المناطق القبلية المحكومة فدرالياً على الحدود مع أفغانستان في شمال غرب باكستان «أرضاً غاب عنها القانون» لأن الحكومات الباكستانية المتعاقبة فضلت إدارتها بموجب قوانين «تنظيمات الجرائم الحدودية» التي ترجع إلى عصر الاستعمار بدل إخضاعها لحكم الدستور، وبموجب هذه القوانين، من الممكن اعتقال رجال القبائل ومعاقبتهم وفق بند المسؤولية الجماعية من دون الحق بالاعتراض، في الوقت عينه، يمارس الصلاحيات القضائية والتنفيذية الشخص ذاته: «عميل سياسي» يُعيّن فدرالياً.

عقود من النضال

عانى أجداد باشتين الكثير بسبب نظام «تنظيمات الجرائم الحدودية» هذا وناضلوا ضده طوال عقود، كذلك واجه جيله ظروفاً مريرة عقب قدوم مجموعات طالبان المختلفة من أفغانستان، التي سرعان ما تكاثرت وأدت إلى عمليات عسكرية كثيرة في تلك المنطقة، فنتج عن ذلك دمار الممتلكات والأعمال، وتهجير ملايين رجال القبائل، وقتل الآلاف وتشويههم، ومعاملة مجحفة متواصلة، واستمرار الصمت المتأصل في إرث أعمق من الخوف.

لكن باشتين كسر الصمت، رافعاً الصوت ضد ما ادعى أنه إجحاف طال إخوانه رجال القبائل، وشكّل مقتل الشاب القبلي نقيب الله محسود، الذي طمح إلى أن يصبح عارض أزياء، في مواجهة مع الشرطة في مدينة كراتشي الساحلية في باكستان في شهر يناير محفزاً، لكن الحركة التي كان الهدف منها حماية رجال قبيلة محسود تحولت بسرعة إلى حركة حماية البشتون الحدودية.

تآمر مع «طالبان»

سمّت قيادة حركة حماية البشتون مباشرةً الجيش ووكالاته الاستخباراتية واتهمتها بخطف الناس، وتدمير الممتلكات، والتآمر مع طالبان. في بيشاور، وقف الآلاف على أقدامهم وهللوا فيما اعتلى علي وزير، ثاني أكثر قادة حركة حماية البشتون شعبيةً، المنبر ليلقي خطاباً، ادعى وزير أنه خسر 17 فرداً من عائلته وتكبّد خسائر مادية ضخمة في منطقته القبلية، ومن دون أي مواربة، اتهم وزير صراحةً الجيش الباكستاني بالتعاون مع حركة طالبان بشكل لصيق.

ينكر الجيش بالتأكيد دعمه حركة طالبان، لكن هذه التهم أثارت بكل وضوح استياء البعض، فعلى سبيل المثال، ذكر قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوه في خطاب ألقاه خلال احتفال أُقيم في مقر الجيش الباكستاني في روالبندي في 12 أبريل أنه لن يسمح «للتظاهرات المخطط لها» بأن تعكس المكاسب التي حققتها عمليات مكافحة الإرهاب، لكن السلطات الباكستانية استغلت أخيراً تدابير مكافحة الإرهاب لاعتقال ناشطي حركة حماية البشتون، ومضايقتهم، وتخويفهم.

غير أن قيادة حركة حماية البشتون، بمواجهتها مباشرةً الجيش بسبب ما دعته انتهاكات فادحة لحقوق الإنسان وإجراءات تعسفية، تتحدى سمعة الجيش بصفته المؤسسة الأعلى مصداقيةً في باكستان وادعاءات ضباطه بأنهم أكثر نزاهة وصدقاً من القيادة السياسية التي تُنتقد غالباً.

صحيح أن غالبية الأحزاب السياسية وقياداتها تنأى بنفسها علانية عن حركة حماية البشتون لأنها لا تريد إثارة استياء الجيش ولم يتبقَّ على الانتخابات البرلمانية سوى أشهر قليلة، إلا أنها تؤيد بسرور في المجالس الخاصة انتقادات باشتين للجيش، فيقول هذا الرجل الشاب من المناطق القبلية ويقوم بما يتمناه السياسيون ولا يجرؤون عليه.

جاذبية الحركة

تشمل العوامل الأخرى التي تخيف الجنرالات جاذبية حركة حماية البشتون بين القوى التقدمية والديمقراطية الأخرى، فقد حصد باشتين دعماً كبيراً من الشبان والمثقفين البنجاب التقدميين، فضلاً عن أنه استمال ناشطين من أقلية الإثنية البلوشية ومجتمع الهزارة، الذي يتعرض أعضاؤه لاضطهاد المقاتلين في مدينة كويته ومحيطها. وهكذا تحفز حركة حماية البشتون الأقليات المظلومة على النهوض للدفاع عن حقوقها التي يمنحها إياها الدستور، مشجّعةً السياسيين على تحدي الجيش وفارضةً على الوكالات الاستخباراتية إنهاء دعمها المزعوم لأنصارها من الإرهابيين في الهند وأفغانستان باسم «المصلحة الوطنية».

تعزيز التعاطف

صحيح أن عدد داعمي حركة حماية البشتون الناشطين قد لا يتعدى الخمسة عشر ألفاً إلى العشرين ألفاً، أي أقل بكثير من داعمي الأحزاب السياسية، إلا أن هذا كافٍ لأحداث فارق. فهؤلاء مؤيدون متشددون عانوا المشقة أنفسهم خلال العمليات العسكرية التي نفذتها الدولة أو شهدوا عذابات أقاربهم وجيرانهم، أما المتعاطفون معهم في مختلف أنحاء باكستان، فيبلغون الملايين.

بالإضافة إلى ذلك، ثمة وجه اختلاف مهم آخر بين ناشطي حركة حماية البشتون ومؤيدي الأحزاب السياسية، إذ يناضل هؤلاء في سبيل حقوقهم وإنهاء الحرب، لا لمجرد منصب سياسي رفيع. وتُظهر استطلاعات الرأي أن كل تدبير قمعي يُتخذ ضد حركة حماية البشتون، من التعتيم الإعلامي وعمليات الاعتقال العشوائية إلى رفض منحها التراخيص لتنظيم التجمعات، يعزز التعاطف مع هذه المجموعة في باكستان.

ومهما حدث بعد ذلك، تدحض تظاهرات حركة حماية البشتون السلمية وغير العنيفة ضد السلطة تدريجياً الأفكار النمطية السائدة عن أن شعب البشتون أشخاص همجيون، قساة، أفظاظ يؤيدون حركة طالبان، فقد أظهر باشتين لباكستان والعالم وجهاً آخر من وجوه إخوانه رجال القبائل، مثبتاً أنهم ليسوا إرهابيين ولا داعمين للإرهاب، بل ضحايا. وإذا حققت هذه الحركة النجاح على الأمد الطويل، فقد يتحوّلون أيضاً إلى قوة تغيير إيجابية.

داود خطاك - أميركان إنترست

استطلاعات الرأي تُظهر أن كل تدبير قمعي يُتخذ ضد الحركة من تعتيم إعلامي واعتقال عشوائي ورفض منحها تراخيص لتنظيم التجمعات يعزز التعاطف مع هذه المجموعة
back to top