الصين تعتبر روسيا وجهة استثمار بالغة الخطورة

نشر في 26-05-2018
آخر تحديث 26-05-2018 | 00:00
شركة النفط الروسية العملاقة روسنفت
شركة النفط الروسية العملاقة روسنفت
في مايو الجاري تهاوت الاستثمارات المزمعة من جانب شركة الطاقة الصينية "سي أي إف سي" في شركة النفط الروسية العملاقة روسنفت، وذلك بعد ثمانية أشهر على إعلانها لأول مرة، ويكشف فشل الارتباط الحدود الصارمة المتعلقة باحتمال التعاون المشترك في مجال الطاقة بين الصين وروسيا.
بدت اقتصادات الاتفاق الرئيسي للنفط معقولة، ولكن عندما تتحول شركات الطاقة إلى ذراع للدولة تصبح الصورة مختلفة إلى حد كبير ولا يشكل الاقتصاد العامل الوحيد عندئذ.

في الرابع من شهر مايو الجاري تهاوت الاستثمارات المزمعة من جانب شركة الطاقة الصينية «سي أي إف سي» في شركة النفط الروسية العملاقة روسنفت، وذلك بعد ثمانية أشهر على إعلانها لأول مرة، ويكشف فشل الارتباط الحدود الصارمة المتعلقة باحتمال التعاون المشترك في مجال الطاقة بين الصين– التي تعمل على تملك شركة «سي أي إف سي»– وبين روسيا كما ينطوي ذلك على تحالف سياسي أوسع بين البلدين.

وقد دأبت بكين على النظر الى شركة روسنفت على شكل أداة في يد الدولة الروسية، وبقدر يفوق شركة نفط تقليدية، والى الحد الذي يحول دون وضع البلدين أولويات سياسية مشتركة، كما أن الصين ليست مهتمة الى حد كبير بأي علاقة اقتصادية واسعة. وعلى الرغم من أن بكين تنشط في البحث عن شركاء سياسيين واقتصاديين جدد حول العالم غير أنها تبدو قد توصلت الى نظرة تفيد بأن الحكومة الروسية تشكل مجازفة كبيرة.

من جهة أخرى تبذل شركة روسنفت القليل من الجهد بغية إخفاء حوافزها السياسية ووضعها كلاعب سياسي محلي رئيسي طوال عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعندما تمت مصادرة «يوكاس» التي كانت أكبر شركة نفط روسية في عام 2004 في أعقاب فقدان الأوليغاركي ميخائيل خودوركوفسكي لنفوذه وحظوته انتقلت أصولها في نهاية المطاف الى روسنفت التي أصبحت تسيطر على 16 في المئة من إنتاج النفط المحلي. وتقول الشركة اليوم إنها تنتج نحو 40 في المئة من إنتاج روسيا النفطي.

أداة سياسة خارجية

ومنذ تعيين إيغور سيشن رئيساً تنفيذياً لها في شهر مايو من عام 2012 أصبحت روسنفت بازدياد أداة سياسة خارجية، كما أشرف سيشن في السابق على سياسة الطاقة بحكم عمله نائباً لرئيس الوزراء في روسيا، وقد مهد لخططه في المستقبل حول روسنفت من خلال إجراء مفاوضات مع شركة بريتيش بتروليوم إزاء عملياتها في روسيا والقيام بدور قيادي في تطوير التعاون بين روسيا وفنزويلا.

وخلال سنة من تعيين سيشن رئيساً تنفيذياً لشركة روسنفت أشرف على شراء عمليات بريتيش بتروليوم في روسيا التي أسفرت عن تملك الشركة البريطانية الكبرى لحصة بلغت 19.75 في المئة من روسنفت نفسها، وقد تم تكريم سيشن في لندن واعتبر كثيرون في موسكو ذلك الاتفاق على شكل طريقة لربط المصالح بين روسيا والدول الغربية.

وبعد سنة واحدة فقط ورد اسم سيشن على قائمة عقوبات غربية في أعقاب تدهور علاقات موسكو مع الغرب نتيجة غزو روسيا لأوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم. وقد دفع ذلك التحول الجيوسياسي نفسه روسيا نحو علاقات أقوى مع الصين، وتوجه الرئيس فلاديمير بوتين إلى بكين في شهر مايو من عام 2014 عندما وافق على مطالب الصين المتعلقة بالتسعير في اتفاقية تصدير للغاز لثلاثين سنة.

مبادرة الحزام والطريق

وقد تصادف هذا التحول الجيوسياسي الروسي مع إطلاق الرئيس الصيني شي جين بينغ لمبادرة الحزام والطريق التي تهدف الى الاستثمار وتحسين التجارة مع العشرات من الدول واستخدام تقدم الصين الاقتصادي من أجل تحسين نفوذها وتعميق علاقاتها السياسية. وبدت شركة روسنفت التي وافقت في الآونة الأخيرة على مضاعفة شحناتها الى الصين في واحد من أكبر الاتفاقات في أسواق النفط على الاطلاق بدت مهيأة للاستفادة من هذه التطورات، وفي غضون ذلك انطلقت شركة «سي اي اف سي» نحو الأسواق العالمية بدعم من بكين.

وتؤكد الأحداث التي أعقبت ذلك أن شركة «سي اي اف سي» كانت تتبع قواعد مبادرة الحزام والطريق في الاستثمار في أماكن تتمتع بأهمية استراتيجية بالنسبة الى بكين، وقد برز أول جهودها الخارجية الرئيسة من خلال استثماراتها الواسعة في جمهورية التشيك. كما تمت تسمية مؤسس الشركة يي جيانمينغ مستشاراً للرئيس التشيكي ميلوس زيمان الذي كان يسعى الى تحسين علاقات بلاده مع الصين في سنة 2015، وقد وافقت شركة «سي آي تي آي سي» القابضة المملوكة للدولة الصينية على شراء أصول في شركة «سي اي اف سي» في جمهورية التشيك.

وبدت شركة «سي اي اف سي» أيضاً وكأنها تنفذ أهداف السياسة الخارجية الصينية من خلال اتفاق آخر عندما وافقت في شهر مايو 2016 على شراء نسبة 51 في المئة من شركة «كي ام جي انترناشيونال» وهي فرع لعملاق الطاقة في كازاخستان «كاز ميوني غاز». وقد اعتبر هذا الاتفاق مهماً جداً بالنسبة الى كازاخستان التي أطلق الرئيس الصيني منها مبادرة الحزام والطريق، والتي كانت تعاني تباطؤا في اقتصادها، ويقال إن شركة «سي آي تي آي سي» تفكر في شراء نسبة جديدة تضاف الى حصتها في امتياز أبو ظبي النفطي أيضا الذي تستثمر فيه شركة تشاينا ناشيونال بتروليوم كورب المملوكة للدولة.

الاستثمار في «روسنفت»

ويثير هذا كله السؤال حول سبب الاستثمار في شركة روسنفت التي سمح لها بالانهيار الآن، وعندما تم الاعلان عن الاتفاق بقيمة 9.1 مليار دولار في شهر سبتمبر من عام 2017 بدا ذلك وكأنه مرحلة جديدة في شراكة روسيا والصين في ميدان الطاقة.

وقد تمت تغطية واسعة لاعتقال يي جيانمينغ في أواخر شهر فبراير والمضاربات في سقوط شركة «سي اي اف سي» وتركزت على الديون الكبيرة التي تراكمت على الشركة، وربما تكون تلك الديون مرهقة ولكن شركة «في تي بي» الروسية المملوكة للدولة عرضت تقديم قسم كبير من التمويل على الرغم من أنه كان في وسع بكين أيضاً عمل الشيء نفسه.

وكان واضحاً أن الصين ترغب في تعميق علاقاتها النفطية مع روسيا التي حلت في سنة 2016 محل المملكة العربية السعودية كمورد رئيس للنفط الى الصين، مع قيام شركة روسنفت بحصة الأسد في هذا الصدد، وقبل أيام قليلة فقط من إلغاء الاتفاق ترددت أنباء عن عقد إمداد منفصل لخمس سنوات بين روسنفت و»سي اي اف سي» تم الاتفاق عليه في شهر نوفمبر الماضي، وقد تم تعديله ولكنه مستمر على أي حال.

وفي نهاية المطاف يمكن توجيه اللوم الى مكائد روسنفت الجيوسياسية بسبب انهيار اتفاق «سي اي اف سي»، وقد سمح سيشن لديون روسنفت بالتضخم بشدة، وهي تسعى الى مواجهة تكلفة العقوبات الاقتصادية الأميركية ومتابعة سيشن لمهمته في إعطاء أولوية محتملة لمردود جيوسياسي يفوق الأخطار المالية.

تمويل فنزويلا

وفيما يبدو أن رغبة بكين في الاستمرار في تمويل فنزويلا قد استنفذت، عمدت شركة روسنفت الى مضاعفة التمويل، وفي أواخر شهر سبتمبر الماضي وافقت على تقديم قروض بعدة مليارات من الدولارات الى كردستان العراق، وقبل شهر فقط من الاستفتاء على الاستقلال هناك، وعلى العكس من ذلك تفادت بكين التورط العلني في الخلافات الداخلية العراقية، والأكثر من ذلك أن استحواذ روسنفت الفعلي على شركة إيسار النفطية في الهند الذي تم في شهر يونيو الماضي يربط بين عملاقة النفط ونيودلهي، وقد يقدم ذلك جوائز جيوسياسية الى موسكو في نهاية المطاف كما أن حصة شركة «سي اي اف سي» لن تكون كافية من أجل التأثير في اتخاذ القرار الروسي فيما يتعلق بواحدة من أكبر منافسي بكين.

وتجدر الاشارة الى أن تكلفة مكائد شركة روسنفت الجيوسياسية كان يتكبدها شركاؤها، ولم يتمكن مساهموها من نيل عوائد تضاهي شركات النفط الأخرى، وحتى تلك التي تعمل في روسيا، وذلك في ضوء تعافي أسعار النفط، وفي الشهر الماضي، قال بوب دادلي وهو الرئيس التنفيذي لشركة بريتيش بتروليوم إنه ينصح بتفادي روسيا على الرغم من استمرار شركته في الاستثمار في روسنفت، ويبدو أن بكين تلقفت ذلك التحذير.

ماكسيميليان هيس– فورين بوليسي`

تكلفة مكائد شركة روسنفت الجيوسياسية كان يتكبدها شركاؤها ولم يتمكن مساهموها من نيل عوائد تضاهي شركات النفط الأخرى

بكين دأبت على النظر إلى شركة روسنفت على أنها أداة في يد روسيا بقدر يفوق شركة نفط تقليدية
back to top