شهر العسل المر!

نشر في 26-05-2018
آخر تحديث 26-05-2018 | 00:03
No Image Caption
قصة حب ملتهبة عاشتها سلوى وجارها سيد استمرت أربع سنوات كاملة. بدأت مع انتقال أسرة سيد إلى مدينة الزقازيق حيث نُقل والده الموظف البسيط إلى المدينة الهادئة بناء على رغبته، وقاد الحظ أفراد الأسرة المكونة من أب وأم وشابين إلى السكن في منزل والد سلوى نفسه. وما إن وقعت عينا الابن الأكبر عليها حتى سقط في غرامها.
كان سيد وسلوى في الثانوية العامة، وشهد منزل أسرتيهما فرحة نجاحهما ودخولهما إلى الكلية نفسها (التجارة) بجامعة الزقازيق. وكما قرّب المنزل الشاب إلى الفتاة، كذلك فعلت الدراسة، بموافقة شفهية من والديهما اللذين أصبحا أقرب صديقين بحكم الجيرة والعشرة ووحدة مصير ابنيهما في الجامعة والدراسة.

هدوء

في المدينة الهادئة كانت قصة حب سلوى وسيد تنمو في هدوء. كان سيد شاباً عاقلاً فحافظ على محبوبته وأصبح الحارس الأمين لها في ذهابهما وإيابهما إلى الجامعة. أما داخل أسوار الجامعة فلم يختلف الأمر كثيراً، إذ حجب عن فتاته مضايقات المتطفلين من الشبان الآخرين. وبنفس المنطق كانت سلوى أيضاً بمنزلة الملاك الحارس لسيد الشاب الوسيم. حفظته من الفتيات اللاتي حاولن التقرب إليه.

طوال أربع سنوات كاملة لم يفترق سيد عن سلوى إلا ساعات الدراسة والنوم. أما بقية الوقت فكانا دائماً سوياً. في الطريق إلى الجامعة وفي المحاضرات وفي كافيتريا الكلية... وطبعاً عرض كل منهما على الآخر أحلامه وآماله في المستقبل... النجاح والتخرج في الجامعة ثم الحصول على عمل والزواج وتكوين أسرة وإنجاب أطفال.

كانت أحلامهما مشتركة كما هي تفاصيل حياتهما، وإن كان كل منهما لم يفصح للآخر بأهم أمر، وهو أنهما سقطا في حب بعضهما بعضاً. وكانت المرة الأولى التي شهدت اعتراف أحدهما بهذا الأمر في منتصف العام الدراسي الثاني حين تجرأ سيد وأخبر جارته سلوى بمشاعره تجاهها.

عندها اصطبغت وجنتا سلوى بالأحمر خجلاً. لم تنطق بكلمة. نظرت إلى الأرض بعد أن لمح سيد الفرحة تتراقص في عينيها. وكي ينهي اللحظة المحرجة وعدها ألا يتركها أبدأ وأن يتقدم لطلب يدها بمجرد الانتهاء من دراستهما وحصولهما على عمل.

غدر الدنيا

مرت حياة الحبيبين بسهولة!

والد سيد نجح في شراء شقة صغيرة لتكون عش زوجية لابنه كي لا يكون إزاء الشاب سوى مراجعة دروسه والنجاح في الجامعة.

لم يكن هناك ما يعكر صفو العلاقة بين سيد وجارته سلوى سوى خوفهما من أن يكتشف أحد من أسرتيهما ارتباطهما العاطفي. بمرور الوقت اندمج أفراد الأسرتين وأصبحوا أسرة واحدة، فوالدا سلوى وسيد باتا صديقين حميمين ووالدتا الشابين صارتا كما لو كانتا شقيقتين... ولكن!

غدرت الدنيا بالأحبة كعادتها.

ذات صباح استيقظ أفراد الأسرتين على فاجعة. مات والد سيد فجأة.

انهارت الفرحة في القلوب كما انهار سيد ووجد نفسه بين أحضان والد سلوى يجفف دموعه ويعده بأن يحل محل والده في كل أمر، وينصحه بأن يلتفت لدروسه والانتهاء من كليته والالتحاق بعمل كما كان يريد والده الراحل.

اهتمام والد سلوى بسيد دفع بالشاب الحزين إلى التغلب على أحزانه والسعي إلى إنجاز مهمة التخرج في الجامعة بسرعة، فقد كانت كلمات الجار الطيب بمنزلة تشجيع له ليصبح مثل ابنه تماماً، والمؤكد أن الجار لن يمانع أبداً، إذا نجح سيد والتحق بعمل ما، في أن يزوجه ابنته سلوى.

بعد سنوات

مرّت السنوات بسرعة. تخرّج سيد وسلوى في الجامعة بتقدير مقبول، وتأجّل تجنيد الشاب بما أنه أصبح العائل الوحيد لأسرته بعد وفاة والده. والتحق الشابان بعمل في مصلحة حكومية واحدة بمدينة الزقازيق. وهكذا عادت الفرحة إلى القلوب بعد عامين من الأحزان عقب وفاة والد سيد المفاجئة.

ها هي غالبية أحلام سيد وسلوى تحققت. ولكن بقي الحلم الأكبر، أن يمضيا حياتهما سوياً تحت سقف واحد. أن يتزوجا.

بعد تردّد وخوف من فشل المهمة. تجرأ أخيرا سيد وطلب مقابلة والد سلوى على انفراد. جلس الشاب صامتاً بينما الأب ينتظر منه الكلام، وكي يذيب جمود الموقف عاجله قائلاً:

ما تتكلم يا سيد. قول أنا عاوز أطلب إيد بنتك سلوى!

اسقط في يد سيد. لم ينطق بكلمة فقام الأب واحتضنه بقوة قائلاً:

- ما فيش حاجة تغلى عليك. انت ابن ناس طيبين... أبوك الله يرحمه كان عاوزك لبنتي سلوى.

وانطلقت الزغاريد الواحدة تلو الأخرى معلنة موافقة والد سلوى على إتمام الزواج من الجار والزميل في العمل الموظف الشاب سيد. ووسط أفراح الأسرتين تحدّد موعد الزفاف بعد أسبوع، خصوصاً أن العريس جاهز ولا داع للتأخير أو التأجيل.

في اليوم الموعود، ارتدت سلوى فستان الزفاف الأبيض واستقلت مع زوجها سيد سيارة مرسيدس استأجرها وطافت بهما شوارع المدينة بأكملها قبل أن تتوقف بهما إزاء باب قاعة الأفراح التي شهدت فرحة عمر العروسين حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي.

أسبوع عسل

في عشهما الصغير، كانت فرحة سيد وسلوى لا توصف. أمضيا «ليلة الدخلة» في سعادة بالغة واستيقظا مع آذان المغرب لاستقبال ضيوفهما الذين جاؤوا يباركون ويهنئون باتمام الزواج.

أسبوع عسل أمضاه العروسان ينهلان من نهر الحب ويتواعدان على الإخلاص طوال العمر وإسعاد الآخر وبناء أسرة وحياة سعيدة... ولكن من منا يعلم ما يخبئه له القدر؟

وفي اليوم الثامن لشهر العسل، استيقظ العروسان على صوت جرس الهاتف. فتح سيد عينيه بصعوبة ومد يده ليلتقط السماعة. وقبل أن يستمع إلى محدثه ألقى بنظرة على ساعة الحائط ليجد عقاربها تشير إلى الثانية ظهراً. عاد إلى سماعة الهاتف ليجد على الطرف الآخر صوت شقيقه الأصغر يقول له:

** الحقنا يا سيد. ماما تعبت ونقلناها المستشفى!

انتفض سيد وجلس على السرير يفرك عينيه بينما استيقظت عروسه سلوى مذعورة. وراح العريس يصرخ قائلاً في رعب:

إيه بتقول إيه؟ مستشفى إيه؟ وهي حالتها إيه؟

صدمة

ألقى سيد بسماعة الهاتف بعيداً من دون أن يستمع إلى شرح شقيقه الأصغر. انطلق يستبدل ملابسه بأقصى سرعة بينما هرولت سلوى تغادر السرير والدهشة ترتسم على ملامحها وتسأل زوجها في لهفة:

جرى إيه يا سيد. فيه حد جرى له حاجة؟

أمي نقلوها المستشفى.

وهبت سلوى من مكانها وراحت أيضاً تستبدل ملابسها بسرعة وتقول لزوجها:

طيب استنى. أنا جاية معاك!

ملثمون

في ثوان معدودة، كان الموظف الشاب سيد وعروسه سلوى في الشارع يهرولان بحثاً عن أية وسيلة توصلهما إلى المستشفى. كان القلق يفتك بالعروسين كلما مرت الدقائق من دون أن تمرّ سيارة أجرة أمامهما. وبعد مرور دقائق لم يحتمل سيد الانتظار قرّر أن يصل إلى المستشفى بأية طريقة حتى ولو سيراً على القدمين.

انطلق الموظف الشاب ومن خلفه عروسه يجتازان خرابة تفصل بين الشارع الذي يقطنان به والشارع الرئيس لتكون مهمة العثور على سيارة أجرة أسهل. ولكن عندما وصلا إلى منتصف الخرابة انشقت الأرض عن ثلاثة ملثمين مدججين بالأسلحة يعترضون طريقهما!

رعب

انسحب القلق من صدر العروسين وحل محله الرعب. تسمرت أقدام سيد وسلوى في مكانها عندما طلب منهما أحد الملثمين التوقف بلهجة صارمة.

التفت سيد يمينا وشمالاً عسى أن يجد أحد المارة ينقذه وزوجته من هذا الموقف الصعب. ولكن لم يكن هناك أحد في الخرابة سوى هؤلاء الملثمين الثلاثة الذين يحملون أسلحة آلية مصوبة تجاه العروسين الشابين.

** أمشوا قدامنا في هدوء.. لو طلع لكم نفس اقرأوا على روحكم الفاتحة!

هكذا جاء الأمر من أحد الثلاثة الملثمين للزوجين اللذين انصاعا للأمر في صمت وسارا إزاء الجناة في اتجاه بيت مهجور بالخرابة.

كان الرعب يقود العروسين في كل تصرفاتهما. كادت سلوى تسقط مغشيا عليها أكثر من مرة، وكاد سيد يتوقف قلبه من الهلع مع كل حركة تصدر عن أي من الملثمين الثلاثة.

منزل مهجور

في المنزل المهجور عاش سيد وعروسه سلوى أتعس أوقات حياتهما. وقف العروسان في مواجهة الملثمين المسلحين الثلاثة الذين تقدم أحدهم من سيد وقال له في لهجة حادة:

** طلع كل اللي معاك ياله.

ثم استدار إلى سلوى وطلب منها أن تسلمه أي مصاغ ترتديه أو تضعه في حقيبة يدها.

في هدوء، أخرج سيد حافظة نقوده وسلمها لأحد الملثمين والذي راح يفتش فيها بعصبية فلم يجد بها سوى 200 جنيه في حين وقفت سلوى حائرة وهي تقول في فزع رهيب:

والله أنا ما معايا أي مصاغ.

فجاء رد أحد الملثمين حاسماً وقال لزميله:

** فتشها كويس...

تفتيش الزوجة

حاول سيد الاعتراض ولكن فوهة السلاح الآلي توجهت إلى رأسه فالتزم الزوج المذعور الصمت بينما بدأ أحد الملثمين في تفتيش الزوجة وراح يلمس بيده جسد سلوى، مما أثار شهوته وتحول التفتيش إلى أمر آخر. لم يحتمل الزوج الشاب رؤية ما يحدث لعروسه امامه فحاول الدفاع عن شرفه وشرف عروسه إلا أن أحد الجناة عاجله بضربة قوية على رأسه أفقدته الوعي تماماً. سقط سيد على الأرض من قوة الضربة مغشياً عليه. وهكذا انفرد الملثمون الثلاثة بالعروس الشابة وراحوا يتناوبون الاعتداء عليها ولم يتركوها إلا فاقدة الوعي من شدة الإعياء وانطلقوا هاربين من الخرابة!

قسم الشرطة

أفاق سيد بعد فترة واكتشف أن الملثمين الثلاثة غادروا المكان. نظر حوله فعثر على زوجته ملقاة في أحد الأركان ممزقة الملابس وفاقدة الوعي. هرول الزوج الشاب إلى زوجته وأيقظها وأسرعا مباشرة إلى قسم الشرطة وحررا محضراً بالواقعة وإن كانا فشلا في تحديد أوصاف الجناة، خصوصاً أنهم كانوا ملثمين.

المصيبة الأكبر أنست سيد الاطمئنان على أمه التي نقلت إلى المستشفى. لم يكن يهم سيد وقتها سوى الإبلاغ عن الجناة ومطالبة رجال الشرطة بالقبض عليهم بأسرع وقت.

بالتأكيد كانت مهمة رجال المباحث صعبة جداً لتحديد هوية المغتصبين الثلاثة المجهولين. ولكن علامة وشم على يد أحد الجناة أدلت بأوصافها الزوجة المغتصبة سلوى قادت رجال المباحث إلى صاحبها، وتبين أنه مسجل خطر سرقة بالإكراه. والجاني الأول بعد القبض عليه قاد رجال الشرطة إلى شريكيه في الجريمة، واعترف الجناة جميعاً إزاء وكيل النائب العام باعتدائهم على الزوج بالضرب وسرقة أمواله ولكنهم أنكروا اعتداءهم جنسياً على الزوجة! واصروا على الإنكار.

كابوس

شهر العسل تحوّل إلى كابوس بعد ثمانية أيام فقط. لم تستطع سلوى النظر في وجه زوجها سيد. ولا هو استطاع أيضاً. هجرت السعادة البيت، طار النوم من عيونهما، لم يعد أمامهما سوى انتظار المحاكمة التي ستعيد للزوجين ولو جزء بسيط من كرامتهما المهدورة على يد ثلاثة من الذئاب البشرية.

أحيل المتهمون الثلاثة إلى محكمة جنايات الزقازيق التي عقدت جلساتها برئاسة المستشار حسني أبو الوفا وعضوية المستشارين محمد أنور أبو سحلي ورأفت زكي، وأصرّ المتهمون على أنكار اعتدائهم جنسياً على الزوجة ولم تجد هيئة المحكمة إزاءها سوى عرض الزوجة سلوى على الطبيب الشرعي للكشف عليها وبيان ما إذا كانت تعرّضت لاعتداء جنسي من الجناة.

وجاء تقرير الطب الشرعي بعد الكشف على الزوجة الضحية حاملاً مفاجأة مذهلة بعدم ثبوت هتك العرض!

دموع الزوجة

صرخت سلوى في قاعة المحكمة صرخة هائلة مؤكدة أنها تعرضت للاغتصاب وتوارى زوجها الجالس إلى جوارها خجلاً من تصريحات عروسه العلنية، ولم يستطع بدوره إثبات تعرض زوجته للاغتصاب، خصوصاً أنه فقد وعيه ولم يشاهد شيئاً.

وفي نهاية الجلسة، تقرر هيئة المحكمة معاقبة الجناة الثلاثة بالسجن المشدد ثماني سنوات في اتهامهم بالسرقة بالإكراه وثلاث سنوات أخرى في تهمة حمل سلاح من دون ترخيص، فيما نالوا البراءة من تهمة اغتصاب الزوجة ومواقعتها بالإكراه.

وتخرج العروس سلوى من قاعة المحكمة والدموع تنساب من عينيها وتؤكد لزوجها تعرضها للاغتصاب على يد الجناة، ويحاول سيد التهدئة من روعها قائلاً: خلاص يا سلوى. اللي حصل حصل. نحاول ننسى ونكمل حياتنا.

وترد سلوى باكية: تفتكر دي حاجة ممكن ننساها؟!

3 ملثمين بأسلحة آلية يستوقفون الزوجين في «عز الضهر»

حاول الدفاع عن شرفه وشرف عروسه إلا أن أحد الجناة عاجله بضربة قوية

الملاك الحارس فشل في حماية زوجته
back to top