بلغنا أزمة دستورية

نشر في 25-05-2018
آخر تحديث 25-05-2018 | 00:04
 واشنطن بوست كفّ عن انتظار الأزمة الدستورية التي سيسببها ترامب لا محالة، فقد بلغناها.

طالب ترامب عبر "تويتر" وزارة العدل بإجراء تحقيق شفاف سياسياً بهدف تشويه سمعة أشخاص محترفين مخضرمين عملوا في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفدرالي، فضلاً عن تلطيخ صورة الإدارة السابقة، وهدف ترامب المنطقي الوحيد التشكيك في التحقيق الذي يقوده المستشار الخاص روبرت س. مولر الثالث، الذي أوشك على نهايته على ما يبدو.

يشكّل تلاعب ترامب هذا سوء استعمال فادح لسلطته الرئاسية وخرقاً خطيراً للأعراف السائدة منذ زمن، فبدل المواجهة والدفاع عن حكم القانون حاولت وزارة الدفاع استرضاء ترامب بالتظاهر على الأقل بمنح الرئيس ما يريد، كذلك ظلت القيادة الجمهورية في الكونغرس صامتة، وهكذا جرى تخطي حدود لا يمكن تجاوزها.

تقوم الحجة التي يستغلها ترامب على الكشف أن مخبراً قديماً لمكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية يوصف ببروفسور جامعي متقاعد اتصل بثلاثة أشخاص معنيين بحملة ترامب قبل الانتخابات ضمن إطار تحقيق مكتب التحقيقات الفدرالي الأولي في التدخل الروسي.

بدعم شرس من وسائل الإعلام اليمينية، يصف ترامب هذا الشخص بـ"الجاسوس المندس لأسباب سياسية في حملتي للرئاسة".

لكن هذا المخبر لم يُزرع، أو يُدس، أو يوضع بأي طريقة من الطرق في حملة ترامب، بل طُلب منه الاتصال بعدد من شخصيات الحملة الذين كانت أسماؤهم قد برزت أساساً في تحقيق الاستخبارات المضادة الذي قاده مكتب التحقيقات الفدرالي. يدّعي ترامب أن هذه "أكبر فضيحة سياسية على الإطلاق" شهدتها الأمة لأن مسؤولي وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفدرالي، حسبما يزعم، استخدموا "جاسوساً" لمحاولة "تلفيق التهم" له ولحملته في محاولة لتعزيز فرص منافسته هيلاري بالفوز في الانتخابات، إلا أن الحقيقة تبدو مخالفة تماماً لما يقوله ترامب.

تشير السجلات إلى أن مسؤولي وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفدرالي كانوا يحققون على مضد في الحملة الرئاسية في الأسابيع والأشهر التي سبقت الانتخابات، حتى إنهم راحوا يتتبعون بحذر الخيوط الواعدة في التحقيق بدل أن ينحازوا إلى جهة معينة. كان جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفدرالي آنذاك، ومع أننا سمعنا الكثير عن رسائل كلينتون الإلكترونية قبل عملية الاقتراع، لم نملك أدنى فكرة عن أن تحقيقاً واسعاً إلى هذا الحد كان يتناول حملة ترامب.

ولكن بعدما طال تحقيق مولر اليوم الأوساط المقربة من ترامب وداهمت السلطات الفدرالية منازل ومكتب محاميه الخاص مايكل كوهين، ذعر الرئيس على ما يبدو، وهنا ينشأ السؤال: هل يعتبر ترامب هذا "الجاسوس" وسيلة لتشويه صورة الاكتشافات التي سيتوصل إليها مولر أخيراً أم حجة لمحاولة إنهاء التحقيق بعملية تطهير دموية شبيهة بـ"مجزرة ليل السبت" التي قادها ريتشارد نيكسون؟

ردت وزارة العدل على مطلب ترامب عبر "تويتر" بإعلان أن التحقيق الذي يقوده محققها العام سيشمل راهناً "تحديد ما إذا كان هنالك أي دافع سياسي أو غير ملائم"، من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي. قد يأمل وكيل وزارة العدل روزنستين أن تكون هذه الخطوة كافية لتفادي المواجهة، لكنني أخشى أنه مخطئ.

لا يُعتبر كل هذا طبيعياً أو مقبولاً، فقد عقد ترامب العزم على استغلال وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفدرالي لمعاقبة مَن يعتبرهم أعداء سياسيين، وهذه أزمة بالتأكيد، ولا شك أنها ستزداد سوءاً.

back to top