رفع المصاحف في العراق

نشر في 24-05-2018
آخر تحديث 24-05-2018 | 00:26
 خالد حسين الشطي لن يبرر نزيهٌ الفساد، ولن يلتمس شريفٌ لمرتشٍ أو مختلسٍ أو سارقٍ الأعذارَ، كما لن يبعث عاقلٌ اليأس في النفوس من الإصلاح، ولن يزرع حريصٌ على وطنه وملتزمٌ بدينه القنوطَ في المناضلين الذين يكافحون هؤلاء، ولن يرغِّبهم يوماً في التراجع، أو يساهم في دفعهم للاستسلام.

إنما النداء هنا يتوجه إلى ضرورة التنبُّه ووجوب عدم الغفلة من حقيقة شعارات إدانة الفساد ومكافحته، ولزوم تحرِّي الوعي والبصيرة في تلقيها والانفعال معها، وأهمية الكياسة والفطنة التي يتحصن بها المرء، فلا تهجم عليه اللوابس، ولا تصطلمه البلايا وتستغفله كلمات حق يراد بها باطل.

منذ أن ضُرب أمير المؤمنين في مثل هذا الشهر الفضيل في محرابه، ضُربت العدالة وطُوي الزهد وقوِّضت النزاهة (ولا يسعني الرجوع بالتاريخ وراء ذلك، إلى لحظة وفاة النبي الأعظم)! وما زال حبُّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام والحرث، وكل متاع الحياة الدنيا وما زُيِّن للناس وحُبِّب إليهم... هو الغالب والحاكم، وسيبقى الأمر على هذه الحال، حتى يقوم العدل الإلهي المعصوم.

ستبقى البشرية مُعرِضة عن «حُسن المآب» حتى قيام الساعة أو تقوم القيامة الصغرى. لن يُخرِج أحدٌ هذه الشهوات من القلوب، ولن ينتزعها من النفوس، ولن تغلب دولةٌ الشيطانَ وتقهر إبليس وتقضي عليه قضاءً مبرماً.

لاحظت الحملة الشديدة الجارفة التي استهدفت السياسيين العراقيين (قاطبة) قبل الانتخابات النيابية، في هذا البلد الشقيق، وهي تهوي عليهم بسياط إدانة الفساد، وتتلاحق بعِصيِّ تقريع خيانة الأمانة، وقد تتبعت بعض الخيوط ولاحقت أغلب المصادر التي تقف وراء هذه الحملة، فوجدتها (كلها) تنتهي إلى طائفتين: البعثيين، والتكفيريين (من حليقي الذقون)!... ومن غريب معالم الحملة أنها كانت تقرَن بمقولات الترحُّم على العهد البائد، و»صدام أرحم منكم». لم ينطل الأمر عليَّ بطبيعة الحال، ولا أظنه انطلى على أي عامل في الساحة السياسية، عارف بأدواتها، مطِّلع على أساليبها. وقد تلقيتها منذ البداية بحذر وريبة، ورحت أتحرى مصادرها، لأكتشف مقاصدها، وقد فعلت، وها هي النتائج تثبت صحة ما إليه ذهبت.

كلمات حق، تضع يدها على جراح غائرة تكوي كل كبد، وتتلمَّس نزفاً يرهق كل أجزاء الوطن وأعضائه، ويتهدد كيانه بالسقوط ونظامه بالزوال، وإدانات تطال فاسدين ولا شك، ومطالب محقَّة لا يمكن أن يتنكر لها أحد.

ولكن تعالوا لنقرأ الحملة من خلال نتائجها، وننظر إليها من واقع حصادها! ولا سيما أن كل شيء قد هدأ الآن، وألقت الحملة عصاها واستقر بها النوى! وكأن الفاسدين أودعوا السجون، والمرتشين صاروا يلاحقون، والأموال المنهوبة عادت لخزينة الدولة!

والحال أن الطبقة السياسية نفسها عادت إلى البرلمان، والمتهمون الذين كانت الحملة تتوجه إليهم، عادوا منتخبين من جديد... كل ما هناك تدوير زوايا وتغيير مواقع لحقيقة واحدة. بانتظار دورة جديدة للعبة الكراسي، تعود معها الموسيقى لتعزف والطبل ليقرع، فيُستبعَد جديد تأخَّر في الجلوس، لفرط انفعاله مع المعزوفة وسرعة جريه واندماجه في اللعبة!

سمعت أحدهم يعبِّر عن النتائج ويصف المشهد السياسي الجديد قائلاً: «كلهم حرامية، سقط الدهاة، ونجح الخبول، وكلهم دعاة»! (مع تحفظي على التعميم بطبيعة الحال).

كل ما يعنيني هنا ويهمني، أننا في الكويت نعيش مع معارضتنا الرخيصة حالة شبيهة، ارتزاق ووصولية واستئكال، تنطُّع بشعارات وتشدُّق بكلمات حق... لا تلبث أن تنهار أمام أول اختبار طائفي، وتسقط أمام أول جدار قبلي، وتتهاوى وتنعدم أمام مصلحة الرب المدبر والسيد المتحكم، والشاوي الذي يسوق هذا القطيع!

لذا علينا أن نعي الشعارات ونتبصَّر بالنداءات و»كلمات الحق» التي يتشدق بها بعضهم، ولا نغفل عن مصادر النداء، وخلفية حناجر الهتاف، والمحبرة التي تملأ أقلام الكتَّاب، ولا سيما أنهم جميعاً من المرتكسين في الفساد حتى الأذقان، بل غارقون ومطمورون فيه، ومتشرِّبون به حتى النخاع.

back to top